ستيركوه ميقري ستيركوه ميقري

وإنما الأمم الأخلاق..

حذر د. محمد سعيد رمضان البوطي من عواقب المسلسل التلفزيوني «وما ملكت أيمانكم» للمخرج نجدت أنزور، متهماً المخرج أنزور بأنه اقتطع من كلام الله في قرآنه عنواناً عليه، ويسميه ساخراً: (وما ملكت أيمانكم), و قد أهاب بالجميع «ألا يتورطوا في بث شيء من هذا المسلسل»، عبر نداء نقلته إحدى المواقع السورية.

 

إن هذا الاتهام الظني بحق المخرج أنزور لا يرقى إلى رتبة الإدانة، ولا أساس له من الصحة، ذلك أن القرآن الكريم أنزل باللغة العربية الفصحى، وبالتالي فإن اقتباس أو اقتطاع كلمات منه لتسمية مسلسل تلفزيوني لا يعني السخرية من الله ومن دينه، ولا الهزء بالمتدينين من عباد الله، فإنما الأعمال بالنيات، وإن بعض الظن إثم, فإن كانت التهمة أن المخرج أنزور قد اقتطع من كلام الله في قرآنه عنوانا لمسلسله، فالتهمة باطلة لأنه بالرجوع إلى نص الآية نجدها كما يلي: (وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم).. والخطأ الشائع هنا هو استبدال حرف العطف (أو) بحرف العطف (و)، ولو كان الاقتباس مطابقاً لما ورد في القرآن الكريم مطابقة تامة عندئذ يمكن النقاش في أحقية أو عدم أحقية أحد بالاقتباس، خصوصاً إذا تم هذا الاقتباس باللغة العربية، ولكن ماذا لو أن المخرج أنزور أو غيره من المخرجين  أراد أن يخرج مسلسلا بعنوان (محمد)ص أو (أصحاب الفيل) أو (أقرأ باسم ربك).. هل هذه التسميات تصل لدرجة كبرى من الإثم  فقط لأنها وردت بالقرآن الكريم؟ إن واقع الحال في أمر اللغة يقول بأن لا إثم ولا تورط فيه ولا هو اقتباس يصل لدرجة الاتهام بالسخرية بالله وبدين الله .

هذا من حيث شكل الاتهام وهو الاقتباس من القرآن الكريم، ولكن ماذا من حيث الموضوع، فهناك إجماع على رقي العمل وأنه يعالج أموراً اجتماعية حدثت وتحدث في مجتمعاتنا الإسلامية هذه الأيام، ويعالج مشكلة التدين أو ادعاء التدين ذلك أن الادعاء بالتدين بحيث يصبح فيها الدين ستارا لموبقات اجتماعية ولمآرب أخرى  أصبح شائعاً ومألوفا هذه الأيام وباعتبار أننا في شهر رمضان شهر الصوم والعبادة والالتزام بالدين الحنيف، ألا يحق لكل مسلم مخلص لدينه ومجتمعه أن يتساءل مثلاً: هل سرقة المال العام وانتشار الفساد والفاسدين ورضوخ أغلب المسلمين للرشوة، وكأنها قدر لا يمكن الخلاص منه، وتفجير المساجد وقتل الأبرياء المسلمين تحت أية ذريعة كانت، وتكفير الناس والظن بهم، وتكفير المرأة لمجرد أنها سافرة وغير محجبة هو من الدين؟

ألا يجب فضح المتأسلمين وطرقهم الخبيثة في الإيقاع ببعض النساء واغتصابهن واستخدام العديد من النساء لتجنيد النسوة لمآرب خاصة لا دخل للدين فيها، بل ورمي القاذورات من الشرفات إلى الشوارع العامة، ومنع حق العمل على الذين لا يصلون والسماح للمصلين بالقيام بموبقات وكأنهم ملائكة.. أكلّ هذا من الدين؟ هل فضح أساليبهم يصبح  تهجما على الله وعلى دين الله؟ وهل رفع التجار الأسعار على أبواب رمضان المبارك من الدين؟

أليس مهاجمة ذلك ومنعه وتقويمه هو أهم بكثير من منع مسلسل تلفزيوني, فإذا كان الأمر غير ذلك فليس على المسلمين فقط بل وعلى دينهم السلام.

إن ما قام به المخرج نجدت أنزور يجب أن يشكر عليه لا أن يلام به، فالفن الراقي هو ذلك المرتبط بمجتمعه، ويصور الواقع بهدف التغيير نحو الأفضل، الفن الذي يستطيع أن يفرق الغث من السمين، الفن الصادق مع نفسه ومع مجتمعه فلا يلمع الأسود ولا يبهره، بل يلقي الضوء عليه بشجاعة الفرسان وبهدي الأنبياء وبمتانة الإيمان، ذلك أنه آن الأوان لمجتمعاتنا الإسلامية لتنهض وتفض الغبار عنها وتحاول اللحاق بالأمم التي سبقتنا، وهو ما يفعله الكثير من المخرجين المبدعين في طريقهم للكشف عن الحقيقة.

فيا مشايخنا المبجلين، عليكم كما أمر الله، أن تفرقوا بين التقاة المخلصين وبين أولئك المتأسلمين الذين يدعون الإسلام وهم بعيدون عنه بعد الشمس عن الأرض، وما أكثرهم، ولا يخفى عليكم أن التدين دون الحفاظ على الحد الأدنى من الأخلاق هو كذب على الله، والمشكلة الكبرى التي تعاني منها مجتمعاتنا الإسلامية هو قلة الأخلاق رغم كل مظاهر التدين التي نراها والتدين، وهذا ما يعالجه المسلسل، فدون الحفاظ على الأخلاق والقيم الجميلة العادلة التي تعطي كل ذي حق حقه كسيارة دون محرك ورحم الله أحمد شوقي حين توجه للأمم وقال:                                                                

وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت            فإن هم  ذهبت أخلاقهم ذهبوا

 

آخر تعديل على الإثنين, 25 تموز/يوليو 2016 12:13