حلب المنكوبة

حلب المنكوبة

معاناة أهالي حلب لم تقف عند حدود اشتداد العمليات العسكرية فيها وتزايد أعداد الضحايا والمصابين جرائها، بل تعدتها إلى المزيد من نقص الخدمات العامة، وخاصة على مستوى الخدمات الصحية، مما زاد من معاناتهم وتعداد ضحاياهم.

 

تصاعدت حدة العمليات العسكرية في حلب ومحيطها خلال الفترة الماضية بشكل غير مسبوق، وقد كان للمدنيين من أبنائها النصيب الأكبر على مستوى عدد الإصابات والضحايا، حيث لم تسلم أية رقعة جغرافية من القذائف والصواريخ، لا داخل المدينة ولا على أطرافها، وقد كان من أسباب زيادة أعداد الضحايا؛ القصور الذي بدا واضحاً على مستوى الخدمات الطبية والإسعافية، وما يزيد الأمر سوءاً هي حالة تقاذف المسؤوليات بظل واقع لا يرحم وزمن انفلتت فيه المعايير الإنسانية، فمنظومة الإسعاف السريع لم يلمس أبناء حلب من اسمها شيئاً بمحنتهم، وفرع الهلال الأحمر كان مغلقاً أمام الحالات الإسعافية، وخاصة للأطفال الجرحى جراء العمليات الحربية، وقد عمد الأهالي على نقل مصابيهم جراء القذائف والهاونات عن طريق السوزوكيات والسيارات الشاحنة الصغيرة، وغيرها من وسائط النقل بحال توفرها، وقد بدأت بعض صفحات التواصل تتناول واقع الفساد في القطاع الصحي بشكل عام وفي فرع الهلال الأحمر بحلب بشكل خاص، والتي كان من نتائجها المزيد من الويلات على مستوى الإصابات وأعداد الضحايا.

ومع تقطع الطرقات ازداد نقص المواد وخاصة الغذائية منها، حيث باتت أغلب المحال التجارية مغلقة بسبب عدم توفر المواد وقطع طرق وصولها، بالإضافة إلى التزايد بارتفاع الأسعار بنتيجة الاحتكار والمستفيدين من تجار الحرب والأزمة، في استغلال لحاجات الناس ومتطلباتهم الحياتية الضرورية.

خشية الأهالي ومعاناتهم تزايدت مع واقع تدني خدمات المياه والكهرباء، المرتبطة بشكل مباشر بموضوع توريد المحروقات، حيث ازداد تحكم تجار الأمبيرات، وخرجت أسعارهم الاحتكارية عن الحدود المنطقية كلها، بعيداً عن أية رقابة أو محاسبة.

أهالي حلب، في المدينة والريف، والذين باتوا يقضون جُلّ وقتهم في الملاجئ جراء العمليات العسكرية المتصاعدة، أصبح حالهم ينذر بالكارثة الانسانية على المستويات جميعها، والحال كذلك فقد بات من الواجب اعتبار حلب مدينة منكوبة، ليصار إلى تعزيز إمكانات صمودها عبر الدعم الفعلي، الجدي والمباشر، لكل مقومات هذا الصمود، ولعل من أولى الأولويات بهذا الصدد، بالإضافة إلى ما تحتاجه على مستوى الخدمات العامة والأغذية والأدوية وغيرها، هو محاسبة الفاسدين والمقصرين والمستفيدين من الحرب والأزمة على حساب آلام أبنائها ودمائهم، فإذا كانت الحرب والعمليات العسكرية الدائرة أحد الأسباب المباشرة لمعاناتهم وآلامهم بالوقت الراهن، فإن الفساد والنهب والسرقة والتشبيح والتعفيش يعتبر سبباً رئيسياً ودائماً لهذه المعاناة وأخطر على المستوى الآني والبعيد، كما يعتبر الحلبيون أن نكبتهم الحقيقية هي بوجود هؤلاء.