امتحانات الشهادتين الإعدادية والثانوية.. الدّوامة المتكررة!!

مع صدور هذا العدد يكون طلاب الشهادتين قد قدموا عدة مواد امتحانية، وما زالت «امتحاناتنا» تسير بالصورة التقليدية التي تُنفذ منذ عشرات السنين التي لا تقيس القدرات العقلية والعلمية وإنما ما تحفظه الذاكرة خلال فترة الامتحان، حتى وإن تبخرت بعدها بيوم.. رغم كُلّ ما يُقال عن التحديث والتطوير، ويمكننا أن نذكر حادثةً وقعت في أحد مراكز دير الزور تعطينا مؤشراً لواقع الامتحانات حيث حدثت ملاسنة بين أحد الطلاب والشرطة على الباب حول الهاتف الجوال، مما عرض الطالب للتهديد ومحاولة حجز هويته. وحاول رئيس المركز حل المسألة، وأدخل الطالب، لكن بعد خروج الطالب من الامتحان جرى رميه على الأرض ممن لا يفترض بهم فعل ذلك بالناس، وكأنه شاة تُعد للذبح، وسبب ذلك ضجةً وبلبلة أثرت على الطلاب، فهل هذه أجواء امتحانات أم أفلام رعب، وبأية نفسيةٍ سيكمل الآخرون امتحانهم؟

لا شك أن هذه الفترة أصبحت عصيبة ليست على الطلاب فقط وإنما على أسرهم أيضاً، وخاصةً الفقراء منهم الذين ازدادوا وأصبحوا أغلبية ساحقة.. حيث ترى الآباء والأمهات على أبواب المراكز الامتحانية يرافقون أبناءهم والخوف يسيطر عليهم ترهقهم ذلة، ولا يملكون إلاّ الدعوات، بينما أبناء الأغنياء والمسؤولين يأتون إلى الامتحانات بسياراتهم الفارهة لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.. ولأنّ أي ضياعٍ لدرجات قليلة في الإعدادية سيحرم الطالب الفقير من متابعة دراسته الثانوية وفق ما يرغب، وبالتالي سيكون تسجيله هنا أو هناك.. كالثانوية الزراعية والشرعية  والتعليم الفني مثل عدمه، لأن فرصته في المتابعة قليلة جداً، وسيحرم من استكمال تعليمه وفق طموحاته البسيطة، وهي حقّ مشروع له ولأسرته، وكذلك ستتبخر آماله وآمال أسرته من تحقيق أي حُلمٍ ولو كان بسيطاً كالنجاح.

أما امتحان طلاب الثانوية فهو أكثر مأساويةً، لأن فقدان درجاتٍ بسيطة سيقرر مصير هذا الطالب وتعبه وتعب أسرته وخسارتهم لكل الجهود والأموال التي اقتطعوها من لقمة عيشهم للدورات والدروس الخاصة، لأنّ التعليم الحكومي أصبح لا يُقدّم إلاّ جرعات قليلة من العلم غير كافية لتحقيق حتى أدنى الدرجات، هذا المصير الذي أصبح بمهب ريح بسبب سياسة الاستيعاب الجامعي التي ضيقت على الطلاب الفرص، بل أصبحت نادرة لتدفعهم اتجاه الجامعات الخاصة التي تأكل الأخضر واليابس.. وإذا ما حالف الطالب الفقير النجاح فأنه سيغرق في دوامة ما بعد النجاح، وهي دوامة المفاضلة وتعقيداتها والتي سترتفع فيها درجات القبول مرةً أخرى، ثُمّ دوامة التسجيل في الجامعة والدراسة التي ستكون أوسع وأكثر إرهاقاً وألماً وكلفاً مادية لأسرة الطالب..

ولعل الدوامة الأخطر والأكبر هي دوامة ما بعد التخرج سواء من المعاهد التي تبخر معظمها، أو الجامعة التي أصبحت حُلماً بعيد المنال للفقراء.. وهي فرصة العمل التي أصبحت نادرة جداً إلاّ لمن رضي عنه الكبار والفجار، ومن لم يجد سيبقى في الشارع لسنوات ليكون عبئاً على أفراد أسرته كلهم، وربما يتحول إلى فاسدٍ أو مجرمٍ لأنّ البطالة أم الرذائل، أو سيضطر إلى الهجرة خارج الوطن، وكم فقد الوطن كثيراً من خبراته وكادراته العلمية والفنية في الفترة الأخيرة، وهجرة العقول هي أحد مصادر النهب الرأسمالي التي تُمارس تجاه الدول الفقيرة لتدميرها.

وأخيراً لا شكّ أن ما يحدث ليس عشوائياً، فالسياسة التعليمية هي جزء من السياسة الاقتصادية الاجتماعية التي ينتهجها الطاقم الاقتصادي الذي يدفع باتجاه رفع يد الدولة عن تقديم أي خدماتٍ للمجتمع، وتحقيق أي تنمية حقيقية تُزيد منعة الوطن تجاه التحديات الخارجية، وتخلق بؤر توتر داخلية ستكون في مصلحة أعداء الوطن.

وأخيراً، لا بد أن ،نذكّر أن آلافاً من كادرات الوطن الذين توفرت لهم فرص الدراسة والعمل من الدولة في السنوات ما قبل السابقة والحالية كان لهم دور كبير في صمود الوطن، ولاستعادة المنعة لابد من خلق المزيد من هؤلاء.. وليس تهجيرهم خارج البلاد. 

■ دير الزور مراسل قاسيون