نجوان عيسى نجوان عيسى

المواطنون.. وقانون حماية المستهلك

حملت المناسبات الاجتماعية الأخيرة لأغلب المواطنين السوريين محدودي الدخل الكثير من الألم والحسرة بدل البهجة والأمل بمستقبل أفضل، وترنح فيها المستهلِك «المستهلَك» تحت ضربات النيوليبرالية الحكومية، وأسعار السوق المنفلتة التي لا ترحم. ولم تنفع كل الإجراءات المزعومة لضبط الأسواق، ولا قانون حماية المستهلك السوري الذي مر على صدوره قرابة عامين، في حماية المستهلك السوري من بطش التجار والأسعار، فهل يكمن الخلل في القانون نفسه، وفي آليات تنفيذه، أم أن الخلل موجود أصلاً في «النوايا»؟

إن قانون حماية المستهلك قد استفاض في شرح حقوق المستهلكين، وبيان دور جمعيات حماية المستهلك، وتحديد آليات واضحة في مواده وفي تعليماته التنفيذية للدفاع عن مصالح المستهلك فيما يخص نوعية المنتجات وأسعارها. ومع ذلك بدت فعاليته معدومة كلياً في ضبط الأسواق، وخاصة في المناسبات المنصرمة، حيث شهدت أسعار المنتجات انفلاتاً جنونياً، وخاصة الألبسة والحلويات. واللافت كان ارتفاع أسعار ألبسة الأطفال بشكل كبير، حيث فاقت أسعارها أسعار الألبسة الأخرى، مما يشكل استغلالاً واضحاً للمستهلك المضطر إلى شراء ملابس جديدة لأطفاله، ويجعل جميع التجار المخالفين عرضة للمساءلة القانونية، وفق نصوص قانون حماية المستهلك، الذي حدد هدفه الأساسي في حظر أي نشاط يكون من شانه الإخلال بالحقوق الأساسية للمستهلك، وذلك بحسب المادة الثانية منه.
والحقيقة أن دراسة قانون حماية المستهلك دراسة نقدية، أمر يحتاج إلى مطولات قانونية، ودراسات تشريعية واقتصادية واجتماعية عميقة، لم تبادر أية جهة رسمية أو غير رسمية إلى القيام بها حتى الآن. إلا أن المؤكد أن ما حصل ويحصل دائماً في الأسواق السورية مخالف لهذا القانون، ومن حق أي مستهلك أن يتقدم بشكوى إلى الجهات المعنية في وزارة الاقتصاد، أو في الوزارة المختصة بكل سلعة أو منتج على حدة، وعندها سيقوم العاملون المعنيون في أي من الوزارات تلك، والذين يتمتعون بصفة الضابطة العدلية بحسب المادة 39 من القانون المذكور، بالتحقيق وتنظيم الضبوط اللازمة، وإحالتها إلى القضاء.
وربما يكون أحد مكامن الخلل الأساسية موجوداً في المادة 39 المشار إليها، حيث لم تلزم الجهات المعنية بالرقابة من تلقاء نفسها، وإنما حددت في فقرتها الثانية تنظيم الضبوط اللازمة بحق المخالفين بالاستناد إلى الشكاوى الواردة. ولأن للقضاء آلياته وفنياته، فهذا يعني أنه بمجرد إنكار المخالف للشكوى، يكون على المستهلك المشتكي، والتاجر المشتكى منه المثول معاً أمام القضاء، ولذلك فإن الغالب أن المواطن يفضل عدم الدخول في دوامة الشكاوى والإجراءات القضائية الطويلة والمعقدة. وإذا كان القانون قد أعطى في المادة 26 منه الحق لجمعية حماية المستهلك، في تمثيل المواطنين أمام الجهات المعنية، والدفاع عن مصالحهم أمام المؤسسات القضائية، فإن هذا ليس كافياً، لأنه سيبقى رهناً بمدى نشاط جمعية حماية المستهلك، وجديتها في الدفاع عن مصالح المواطنين، حيث تبدو هذه الجمعية غائبة حتى اللحظة عن القيام بالدور المناط بها.
إذاً فإن مسؤولية الظلم الفادح الذي يتعرض له المواطن السوري في تبضعه، تقع على عاتق السلطة التشريعية التي لم تعمل بالشكل الكافي على صياغة القوانين الأمثل لحماية المستهلك، وعلى عاتق السلطة التنفيذية التي لم تبادر إلى تنفيذ قوانين الحماية بشكل جدي، وهو الأمر الذي يمكن أن يساهم في صون جزء من حقوق المواطنين رغم قصور هذه القوانين، وأخيراً على عاتق جمعية حماية المستهلك التي لم يسمع بها أغلب المستهلكين حتى هذه اللحظة. وهذا يعيدنا إلى تساؤلنا الأول حول ما إذا كان ثمة خلل في النوايا، لأنه يحق لنا الاستنتاج أنه ليس هناك نية لدى أحد من المعنيين آنفي الذكر، في إيجاد حل لمشكلة الأسواق وانفلاتها من الضوابط. ودون حل هذه المشكلة سوف تبقى أعيادنا فاقدة لبهجتها، وستتحول جميعها إلى عبء ثقيل ومناسبات للألم والشكوى، بدل أن تكون مناسبات للفرح، ومحطات للأمل.