من كلية الآداب قسم الآثار... يبدأ العلاج

تنتشر الأمراض الاجتماعية وتتغلغل في كل التفاصيل المحيطة بحياتنا اليومية، تتشكل وتتفاقم في ظل الظروف الضاغطة المحيطة، لتساهم بالتالي في زيادة تعقيد البيئة الاجتماعية، وجعلها أكثر إعاقة وأقل إمكانية للتطور. فالفساد الذي نخر وينخر في قلب المجتمع، أصبح نهجا لا يستثني فئة اجتماعية، وعرفاً يمارسه ضعاف النفوس من أصحاب السطوة ومعدومي الحيلة، وحتى بعض الصامدين الذين تمكنت الظروف القاسية من النيل مما تبقى لهم من كرامة.

جامعة دمشق، المؤسسة التعليمية العريقة، إحدى المرافق التي يعبث فيها الفاسدون والمتبجحون، مسجلين يومياً أهدافاً مؤلمة في مستقبل الطلاب، وفي انتمائهم لجامعاتهم وثقتهم بمكانتها العلمية والمعنوية، إلى أن حولوا سنوات الدراسة الجامعية إلى مرحلة خالية من المضمون العميق الذي يفترض أن تملأه في حياة الشباب، حولوها إلى مجرد مرحلة للمرور إلى سوق العمل.

في كلية الآداب قسم الآثار، مبادرة من مجموعة من الطلاب، شكلت خطوة إلى الأمام في محاولات القضاء على سطوة الفساد الأكاديمي. فبتاريخ 22/2/2010، وبعد أن انتهت امتحانات الفصل الأول لطلاب السنة الرابعة قسم الآثار وبدأت النتائج بالظهور، لم يُفاجأ الطلاب بنتائج مواد الدكتور (خ.غ) الذي يقوم بتدريس أربع مواد في السنة الرابعة والأخيرة، تلك النتائج التي تبتعد تماما عن تقديراتهم، ويبدو أن الكيل كان قد طفح من سطوة الدكتور المعروفة في أوساط طلاب القسم، فقد قام 30 طالباً بكتابة شكوى تفصيلية عددوا فيها الممارسات غير الشرعية التي يقوم بها الدكتور، والتي تتضمن: الرشوة، بيع أسئلة المقررات، تجنيد مجموعة من الطلاب ليقوموا بدور الوسيط بينه وبين زملائهم، إثارة النعرات العشائرية خلال محاضراته، وابتزازه للطالبات، وقد شمل التقرير الذي قدمته المجموعة للجهات المختصة في الجامعة تفاصيل وأحداث ومعطيات مباشرة من الطلاب الذين تعرضوا لهذه الممارسات.

لقيت المجموعة تعاوناً من الكلية وعميدها، وتم فتح التحقيق والاستماع إلى شهادات الطلاب التفصيلية، واستدعاء ما يزيد عن عشرين طالباً للإدلاء بشهاداتهم. والنتيجة حتى الآن إيقاف الدكتور (خ.غ) عن ممارسة عمله لمدة 3 أشهر بسبب إحالته إلى التحقيق.

تعمل المجموعة المبادرة على متابعة الموضوع، ونجحت في تحفيز الطلاب على طرح مشاكلهم المتعلقة به، والوصول إلى اعتراف طلاب بشراء الأسئلة الإمتحانية من الدكتور، واعتراف آخرين باستخدامه لهم للوصول إلى الراغبين بشراء الأسئلة والعلامات وحتى المعدلات العالية. ويأمل الطلاب بكل ثقة أن تكون نتيجة التحقيق لمصلحتهم، بحيث يتوقف الدكتور (خ.غ) عن الإعطاء بشكل كامل و تتوقف الممارسات المماثلة.

الوسط الجامعي لا يستغرب هذه الممارسات، إلا أن هذا لا يعني أنه لا يستهجنها، فمبادرات شبيهة تمت سابقاً، بالرغم من أنها أخذت في الغالب طابعاً فردياً، أو لم تستطع الحصول على أدلة وإثباتات قاطعة، أو لم تستقطب تعاضداً طلابياً، إلا أنها حققت مع ذلك خطوات للأمام. لكن  نتائجها السائدة كانت بأحسن الأحوال توافقية (إغلاق ملفات أو إيقاف مؤقت) وبأسوأ الأحوال كانت تعود بآثار سلبية على الطلاب المبادرين، وهذه نتيجة طبيعية في ظل الفساد المنتشر والتوافقات الضمنية والارتباطات النفعية بين المستفيدين التي يصعب اختراقها بدون قوة ضغط المتضررين، حيث يفترض أن يتم ذلك من خلال الأطر الممثلة للطلاب، إلا أن الأخيرة مصابة أيضا بعدوى الأمراض الاجتماعية في تشكيلها وممارساتها وتمثيلها للمصالح، ما يجعلها بعيدة عن ممارسة دورها الفعال.

ولكن تبقى المبادرة الجريئة هي الواجب والحل الأنجع والأكثر ضماناً للطلاب، للوصول إلى حقوقهم و تحسين ظروف الحياة الجامعية، لعل الجامعة تعود القلب النابض بالأمل والفعل.

فتحية إلى طلاب كلية الآثار، وتحية إلى كل السبّاقين.