نزار عادلة نزار عادلة

مؤسسة الخزن والتسويق.. آخر الصامدين في ميدان اقتصاد السوق

تقوم التجارة الداخلية بدور هام في الاقتصاد الوطني، حيث تؤمن إيصال السلع والبضائع من مصادر الإنتاج إلى مواقع الاستهلاك، وبالتالي تربط بين المنتج والمستهلك. وهي وظيفة اقتصادية ضرورية في المجتمعات كافة بغض النظر عن أنظمتها الاجتماعية والسياسية.

متغيرات... متغيرات

في البداية أدركت القيادة السياسية أهمية التجارة الداخلية وموقعها في تطور الاقتصاد الوطني، وأولتها في مؤتمراتها الكثير من العناية، فقد أوصى أول مؤتمر قومي بتأميم تجارة الجملة والاستيراد، وأكد على أهمية ذلك للاقتصاد الوطني، وقال إن هذا التأميم ملح وعاجل، وتوالت التوصيات في جميع المؤتمرات القطرية. أما الآن فإن الواقع قد تغير، وأقر المؤتمر القطري العاشر للحزب اقتصاد السوق والانفتاح الاقتصادي، وانهمرت القوانين والتشريعات التي شرعنت للاستثمارات الخاصة وللقطاع الخاص في كافة أوجه الحياة الاقتصادية في سورية. 

مؤسسات... ولكن

عبر عقود سابقة من الزمن أُنشِئت مؤسسات عامة كثيرة مارست عملية التجارة الداخلية، مثل شركة محروقات، المؤسسة العامة للتبغ، المؤسسة العامة لحلج وتسويق الأقطان، الاستهلاكية، سندس، مؤسسة التجارة الخارجية عمران، ومؤسسة الخزن والتسويق، وشكلت هذه المؤسسات في سنوات سابقة عاملاً أساسياً ساعد في توفير المواد والسلع ودرء مخاطر الاحتكار والأرباح الفاحشة، وحمت مصالح المنتجين والمستهلكين على حد سواء.

بعض هذه المؤسسات لازال يقوم بالدور المنوط به، وبعضها فشل لأسباب عديدة إدارية وبسبب تدخل القطاع الخاص والسماسرة، فقد تحولت سندس وعمران عن أهدافهما الحقيقية، سندس تعرض بضائع القطاع الخاص في كافة صالاتها بينما أُنشئت أصلاً للقطاع العام، وعمران تتقاضى العمولة وتقوم بدور السمسار، وانتهى دورها بعد فتح باب الاستيراد على مصراعيه بعد تحرير التجارة.

مؤسسة الخزن والتسويق لعبت في الأعوام السابقة دوراً هاماً ولا تزال في التدخل الإيجابي في سياسة السوق السعرية وإيجاد التوازن السعري الذي يحفز المنافسة خدمة للمنتج والمستهلك في آن معاً، واتخذت إجراءات عديدة لمنع الاحتكار والتهريب لجميع المواد، ووقف كل أشكال ابتزاز المواطن بالأسعار والنوعية وإغراق السوق بالمواد المطلوبة، بالأسعار المنافسة والجودة المطلوبة، ما أصاب مافيا تجار سوق الهال في الصميم، لذلك تعرضت شاحنات المؤسسة إلى الرشق بالحجارة والرصاص، عندما ضخت في الأسواق قبل أكثر من عامين البطاطا واللحوم بأسعار تصل إلى أقل من 5% من أسعار السوق. 

حوار في الإدارة

تحدث م. نادر عبد الله مدير عام المؤسسة بحضور أرقم الزعبي مدير التخطيط، عن دور المؤسسة قائلاً: « في عام 2009 تم افتتاح أكثر من 30 صالة في كافة المحافظات، بالإضافة إلى تأهيل الصالات القديمة، وأصبح عدد الصالات 400 صالة ومنفذ بيع مفرق وجملة في أنحاء سورية، وتم إدخال شاحنات جديدة للبيع، بهدف الوصول إلى الأماكن النائية، وساعد هذا في عملية التدخل الإيجابي، وقامت المؤسسة بتسويق وبيع 40 ألف سلة غذائية، كل سلة مؤلفة من 50 كغ طحين و25 كغ سكر، و25 كغ برغل، و10 كغ عدس مجروش، وُزِّعت على المناطق الشرقية بسبب الجفاف، وبالتعاون بين هيئة تخطيط الدولة وبرنامج الأغذية العالمي، وقامت المؤسسة بالتنسيق مع هيئة تخطيط الدولة بتطبيق تجربة البيع بالقسائم الالكترونية للعراقيين، وهي التجربة الأولى في العالم، واستفادت من هذه التجربة 3 آلاف أسرة عراقية، بمعدل 4 أفراد للأسرة الواحدة. 

توسع العمل

يتابع مدير التخطيط: «مازالت المؤسسة الجهة الحكومية الوحيدة المعتمَدة على مستوى الوطن العربي، لدى البنك الإسلامي للتنمية، وهي مخولة بالإشراف على اختبارات الجزارين للعمل في مشروع الأضاحي، وحصلت على كتب شكر عديدة من مؤسسات دولية، والهدف المحلي هو فتح جبهات عمل. وساهم هذا في تنشيط العمل التجاري. ولابد من الإشارة إلى أن 90% من مجموع المواد التي نتعامل بها هي من الإنتاج المحلي وبذلك تقوم بدور الناظم لحماية المنتج والمستهلك، وظهر دورها جدّياً أكثر من خلال تسويق ما يزيد عن 65 ألف طن من الحمضيات لغاية الأول من شهر آذار، ما أدى إلى استقرار الأسعار في السوق، ودرء خسائر جسيمة كانت سوف تقع على الفلاحين بسبب غزارة الإنتاج الذي تجاوز مليون طن، والمؤسسة بصدد تسويق مادة التفاح من أهلنا في الجولان خلال الموسم الحالي.

وخلال العامين الماضيين قامت المؤسسة بالاتفاق مع وكلاء بالأسواق الخارجية المجاورة لتسويق فائض الإنتاج بالتصدير، وتم الحصول على قرار من هيئة الاستثمار لإنشاء شركة مساهمة لتسويق الحمضيات مقرها اللاذقية، وفق قانون الاستثمار. 

المصاعب والعقبات.. ورؤية نقابية

الاتحاد المهني لعمال المواد الغذائية يطالب بإعفاء المؤسسة من قروض وفوائد الصندوق المعدل للأسعار لاستحالة تسديدها، كونها حاصلة قبل إحداث المؤسسة. كما طالب بتسديد رأس مال المؤسسة غير المدفوع لتتمكن المؤسسة من ممارسة نشاطها التجاري. وضرورة إلزام الجهات العامة باستجرار حاجاتها من المواد التي تتعامل بها المؤسسة بموجب عقود، والعمل على حماية المؤسسة من الخسارة بالتدخل الإيجابي في توفير المادة للمستهلك بأسعار أقل من السوق.

ولكن لنتصور أن المؤسسة تتعامل بالمليارات من الليرات السورية في الاستيراد والتصدير والشراء والبيع وتملك أسطولاً من الشاحنات، ومنافذ بيع تغطي جميع أنحاء سورية، وقد توسع دورها في الأعوام السابقة، ورغم ذلك لازال الناظم لعملها القانون 51 الصادر عام 1979 وهو قانون العقود، كأية دائرة صغيرة. ويعني ذلك عندما تعرض السلع الموجودة لديها للبيع عليها أن تعلن للمرة الأولى والثانية والثالثة، وعلى الجميع أن ينتظر، في حين صدر قانون التجارة لتجار القطاع الخاص، وأعطى لهم الحرية المطلقة. 

تسارع نشاط السماسرة سيقضي على المؤسسة

المرسوم 51 منع قبول الوسطاء والسماسرة في جميع أنواع العقود الخارجية، وفي عام 1980 صدر بلاغ تفسيري عن رئاسة مجلس الوزراء موضحاً أحكام المرسوم المذكور وكان منتظراً من المرسوم والبلاغ أن يقضيا أو يحدا من نشاطات السماسرة، وينظما مفاهيم التعامل بالوكالة مع المنتج أو المصدر أو البائع. ولكن تم التحايل من قبل المدراء في شركات ومؤسسات عديدة بالقطاع العام، حيث اشتد نشاط السماسرة وأوجدوا شركات لا وجود لها وأفسدوا مدراء في القطاع العام، ونظام العقود كان ولا يزال قاصراً عن الوفاء بمتطلبات الاستيراد وأنظمة العمليات، وخاضعاً لتعريفات وزارة المالية وتفسيراتها القاصرة، والأجدى في هذا المجال الاستيراد بعقود طويلة الأجل، وإعطاء المرونة لمؤسسة الخزن والتسويق بالتسويق والاستيراد. لأن مؤسسةً كمؤسسة الخزن والتسويق، هي آخر ما تبقى لنا سنداً وعوناً أمام حمى الإثراء غير المشروع والمضاربة، وأمام إغراق السوق السورية بكل السلع المستوردة من  مافيا المال والتجارة.