يامن طوبر يامن طوبر

سكان الحي الجنوبي في قرية «العمقية» بالغاب.. ضحية خديعة كبرى!!

تعرض سكان حي جنوب نبع العمقية في منطقة الغاب لخديعة كبرى، تواطأ في إعدادها مسؤولون ومتنفذون، وهم الآن مهددون بإخلاء منازلهم بثمن لا يعادل قيمة أسمنت سقوفها وجدرانها، وهناك من يسعى اليوم لإجبارهم على ترك أراضيهم التي ورثوها عن الأجداد عبر السنين بأسرع ما يمكن.. هذا الحي يقع في قرية العمقية الواقعة على سفوح الجبال الشرقية المطلة على سهل الغاب في محافظة حماة، والتي يزيد عدد سكانها عن 4000 نسمة، وهي تروى من ماء نبع العمقية الذي يتوسط القرية بشقيها الجبلي والسهلي.

الحكاية بدأت فصولها منذ ما قبل عام 2000 حين صدر القرار الوزاري رقم 1615 تاريخ 30/6/1999 المتضمن تحديد الحرم العقاري لنبع العمقية، والذي لم يكن في حينها يشمل ذلك الحي، وإنما كان يحدد موقع الأراضي الخاضعة للاستملاك وحدود الحرم في الجهة الشمالية والشرقية للنبع، إلا أن دخول المتنفذين على خط سير العمل المهني أدى إلى حرف مخطط الحرم بمقدار 180 درجة باتجاه الجنوب، وهكذا أصبح الحي الجنوبي المقام على العقار رقم 7 حرماً للنبع دون إنذار سابق لأهالي الحي البالغ عددهم 250 نسمة، والذين يشغلون أكثر من 15 داراً سكنية مساحتها نحو 3000 متر مربع، هذا عدا عن بساتين الأشجار المثمرة الموجودة في الحي، ومنشأة صناعية واحدة.

مدير الموارد المائية في كتابه الموجه إلى المؤسسة العامة لمياه الشرب والصرف الصحي بحماة، والذي أكد فيه أن تحليل نتائج العينات المقطوفة من مياه النبع دلت على وجود تلوث جرثومي وارتفاع بنسبة الأمونيا إلى ما فوق الحدود المسموح بها، رفع اقتراحاً إلى مدير الموارد المائية بـ(ضرورة التقاط المياه قبل مصادر التلوث وذلك بحفر آبار بعيدة بمسافة آمنة عن منطقة توضع القرية لتامين مياه شرب مضمونة)، إلا ان هذا الاقتراح لم ينفذ، علماً أنه كان من شأن تنفيذه تأمين مياه شرب نظيفة مع الحؤول دون الاستمرار بعملية تهجير سكان الحي الجنوبي..

أهالي الحي المذكور، وبعد أن أعياهم طول الانتظار وأنهكهم الصدود الذي لاقوه أثناء البحث عن حل ينصفهم عند المسؤولين في المحافظة، وبعد أن داخوا جيئة وذهاباً بين الدوائر الحكومية  التجؤوا إلى (قاسيون) لنقل المشكلة من وجهة نظرهم علها تلقى آذاناً صاغية عند أصحاب القرار.. 

شجون وآلام 

عبد الرزاق، وهو أحد المتضررين من تعديل القرار رقم 1615 الذي أطاح بكل ما يملكه، حاول أثناء  حديثه لنا إخفاء الكثير من المواجع وآلام القهر الدفينة التي أصابته، غير أن كل ما كان يحاول إخفاءه ارتسم على تفاصيل وجهه..

يقول عبد الرزاق: «أملك مساحة بناء حديث تصل إلى 1100 متر، منها مئة متر بناء قديم بنيته عام 2000، وقد راجعت البلدية بغرض إنشاء بناء سكني ضمن المخطط التنظيمي بينما كنت في بداية إنشاء المسكن، وفي تلك الأثناء كانت لجنة من الإدارة العامة لحوض العاصي تقوم بأعمال المساحة في الحي، وقد سألت فنيي المساحة حينها عما يفعلونه، فقالوا إنهم يعملون من أجل إقامة مشروع الصرف الصحي، فاستبشرنا خيراً بدخول قريتنا تحت المظلة الصحية، ولم يكن يخطر على بال أحد أن هذه الأعمال تخص تحديد حرم النبع، إذ أن الحرم كان قد حدد منذ أكثر من سنة من الجهة الشمالية للنبع، ولم نكن نتوقع أن يطال بيوتنا الاستملاك. وكنا نشيد المساكن الجديدة وفق الأنظمة النافذة، ولم ينذرنا أحد سواء من جهة البلدية أو من وزارة الري، ولو أننا كنا على علم بتوسع الحرم لما كنا لنبني تلك الأبنية التي كلفتنا الملايين..

وبعد علمنا بأن مخطط حرم النبع خضع للتعديل عبر التلاعب والرشاوى، راجعنا المحافظ وقيس الأسد مدير الموارد المائية بحماة، فقامت تلك الجهات بجولات زيارات ميدانية إلى موقع النبع، وبعدما رأوا الموقع قالوا لنا: هذا ظلم!! والقرية الشرقية فوق النبع أخطر على النبع من هذه البيوت المراد استملاكها، وتم التوجيه بحفر آبار بعيدة عن السكن حفاظاً على مصالح السكان وحماية مياه الشرب من التلوث، غير أن شيئاً من هذا القبيل لم ينفذ، وبقيت الوعود وعوداً فقط، وأما اللجنة الفرعية التي شكلتها المحافظة فكان قرارها حفر بئر بعيدة عن السكان، وهي أقل تكلفة من ترحيل السكان واعتماد الاستملاكات. وفي ما يخص عملية الخداع التي طالتنا فالأمر باختصار أنه قامت بعض الجهات بإبلاغ أصحاب البيوت الواقعة في الجهة الشمالية من النبع باستملاك بيوتهم، فعمل هؤلاء على اتباع طرق ملتوية وصولاً إلى تغيير مخطط الحرم وتبديل مواقع الاستملاك، فأعفوا أنفسهم من الاستملاك لتكون بيوتنا هي البديل!!

منذ سنوات ونحن نطالب بإجراء تحقيق يكشف كيف تغير المخطط ... في إحدى المرات وجهونا إلى الرقابة الداخلية بحوض العاصي في حماة، وهناك قيل لنا إن الموظف والمساح اللذين قاما بالمسح سرحا من العمل، فإذا كان لديكم اعتراض فعليكم ملاحقتهما.. وقد كرر هذا الكلام مدير الرقابة الداخلية لحوض العاصي ومدير الاستملاك بحوض العاصي أيضاً! وهكذا أصبحنا تحت خطر التشرد دون تعويضات مناسبة عن المساحة المقدرة بـ50 دونماً وثمن الأبنية استملكتها وزارة الري.. البناء الذي أملكه كلفني خمسة ملايين ليرة سورية بينما التعويض المخصص لي لم يتجاوز المليون سوى بمائة ألف، وهذا البناء أمامك مؤلف من طابقين وأربع شقق بكلفة 5 ملايين مع معمل بلوك ودار عربية..

عبد الجبار عبدو: في عام 1999 قامت مديرية حوض العاصي باستملاك الجهة الشمالية والشرقية لحرم نبع العمقية، وبعد فترة فوجئنا أن مواقع الاستملاك تغيرت، فما كان قد استملك ألغي استملاكه، وهي تلك البيوت التي لا تبعد عن النبع أكثر من 35 متراً، والتي يوجد فيها مسار النبع، ليتم العمل على استملاك الجهة الجنوبية من النبع والتي تبعد 260 متراً عن النبع!! اللجنة التي عدلت قرار الاستملاك الأول قامت بذلك التعديل بعد أن قبضت مقابل ذلك الإجراء الكثير من الأموال، ولم تأخذ بالحسبان لا مصلحة العمل ولا مصلحة المواطنين، بل كان الهم الوحيد لها هو قيمة الرشوة التي حصلت عليها. وقد ساعدهم على ذلك قوة نفوذ العائلة المالكة للأرض الواقعة شمال النبع. عدد عائلتي، أولادي وأحفادي 150 نسمة، ولا نملك قطعة أرض أخرى سوى هذه الأرض التي ورثناها عن آبائنا وأجدادنا، وهذه الأرض ملك لنا، ومعنا «طابو» بذلك، فكيف تعمل مديرية حوض العاصي على استملاكها مجاناً؟! .

كما أملك مع أولادي عشرة دونمات فيها 200 شجرة رمان فرنسي وزيتون مع ثماني دور سكنية، فكيف قامت الجهات المعنية بتخمين قيمة ما أملك بمبلغ مليون ل.س فقط، مع أن هذا المبلغ لا يساوي ثمن البلوك فقط؟ نحن مظلومون، ومن ظلمنا هي الحكومة والمتنفذون وقاضي العقارات.. من يريد أخذ أرضنا وبيوتنا عليه تامين البديل لنا، لا أن يعوضنا بدل حي كامل يسكنه 2500 نسمة بـ2 دونم في موقع جبلي وعر لا يوجد فيه ماء أو كهرباء أو أي من الخدمات!!.

سليم عبد الكريم عمر: نحن 25 شخصاً نسكن بجوار النبع من الجهة الشرقية، ونشكل  ست أسر تعيش  في ست دور سكن، وهذه الأرض ملكية خاصة نظامية (طابو)، والتعويض المقدر عن مساكننا هو 800 ألف ليرة سورية، فهل هذا المبلغ يشتري نصف شقة؟ أول ما جاء الاستملاك كان من الجهة الشمالية، وبعدها لا نعرف ماذا جرى فأصبحت البيوت الجنوبية هي موضع الاستملاك!. 

مطالب الأهالي 

يطالب الأهالي بفتح تحقيق بملابسات العبث بمخطط حرم النبع، ويأملون بإعادة تحديده بما يتناسب مع مسار النبع.. ويؤكدون في هذا السياق أن جميع الاستملاكات في سورية تقوم بناء على حاجات وضرورات يفرضها الواقع، أما ما يحصل في العمقية من وجهة نظرهم، فهو يرتكز لاعتبارات غبر موضوعية، لذلك فهم يطالبون بتشكيل لجنة خبراء جيولوجيين لتحديد مسارات المجرى المائي للنبع، ولن يقبلوا بأي تعويض قبل التحقيق ومحاسبة من تلاعب بتغيير مخطط منطقة الاستملاك وحرم النبع، أما في حال اتضح أن مجرى النبع يمر من تحت منازلهم فإنهم مستعدون لأي إجراء تقوم به الحكومة وعدا عن ذلك فهم يرفضون أي حل لا يحفظ لهم كرامتهم ويشعرهم أنهم مواطنون كاملو الحقوق مثل بقية المواطنين..