الفساد طغى وتجبّر.. بلدية السيدة زينب نموذجاً

لأن قضية مكافحة الفساد ترقى إلى مستوى تحرير المجتمع والدولة من المشكلات والأزمات التي تلازمنا كما لازمت وتلازم غيرنا، ولأن المصلحة العامة شأن عام ابتداءً من التعريف، وأرحب من أن تناط بهذا المسؤول أو ذاك المنصب، ويقيناً هي أخطر من أن تترك لبعض المسؤولين في محافظة ريف دمشق والقائمين على وحداتها الإدارية، لذلك، ومن أجل ألا نبقى نتعايش باطمئنان مع مختلف مظاهر الفساد والرشوة والواسطة والاستنساب، ورفضاً للسكوت والإسكات والتجاهل والتجهيل الفاعل وترويض المواطن على ثقافة فاسدة من ذات البطانة، مجتراً طوال الوقت عبارات، تكاد تصبح وعياً شعبياً وذهنية عامة «فالج لا تعالج، عوجا، إلخ....».. وهي عبارات نتبادلها في أحاديثنا اليومية حين نتحدث عن استعصاءاتنا كاستعارة لغوية عن استعصاء الفساد وقد غدا قضاء أو قدراً، ولنا في ثقافتنا المحلية المعاصرة ما يماثل هذه الذهنية، وأكثر ما تتمثل وهي ذهنية الإحالة للغير «العن الشيطان» فحين يتصل الأمر بالتنصل من مسؤولية أفعالنا، الحل جاهز: فلنلعن الشيطان، وهذا شأننا مع الفساد: فلنلعن الفساد! ولكن حذار من أن نلعن الفاسدين.. وهكذا يعلو الفساد، يكاد ينفجر الفضاء من شدة لعناتنا بينما يعاد تصنيع الفساد على الأرض ويضحك من ثغائنا، وأكثر ما يستدعي الريبة والرثاء:

نصغي إلى أحد الفاسدين يتحدث بمهارة وتجهم باهر عن مكافحة الفساد، وهنا لا تملك إلا أن نتأمل مع شكسبير في رائعته الملك لير: «ما من أحد مذنب، لا أحد».

بتاريخ 13/7/2010 وبعد محاولات عديدة وطول انتظار، أتيح لي أن أقابل محافظ ريف دمشق لأحدثه عن ملف فساد إداري يتعلق بقرية السيدة زينب التابعة لمحافظة ريف دمشق.. وكنت قبل ذلك قد كتبت عن بعض مظاهر الفساد في تلك القرية، متناولاً سوء استخدام السلطة لدى بعض المتنفذين، دون وجه حق. وقد نشر المقال بجريدة قاسيون في العدد /434/ تاريخ 26/12/2009 بعنوان: «صورة مجتمعية للعلاقة بين الأقوياء والضعفاء».

وتقتضي النزاهة التنويه بموقف المحافظ وقد عالج بكثير من المسؤولية والنزاهة، العديد من جوانب تلك المقالة، وذلك بعد إطلاعه على مجريات وحيثيات ما تضمنته، الأمر الذي حفزني على مقابلته لتسليمه ملفاً يتضمن العديد من المخالفات والتجاوزات والفساد الإداري المستشري في السيدة زينب، ولدى جميع رؤساء مجلسها القروي سواء أكان رئيس مجلس الحالي أو السابق أو الأسبق فالأسبق...

إضافة إلى موظفين في مواقع أخرى من ضمنها المكتب الفني.. وحدثته أثناء تلك المقابلة «القصيرة» عن مئات الأبنية المخالفة، ومن ضمنها ذلك البناء الذي أزالته المحافظة في السيدة زينب بعد أن تصدعت أساساته، وأصبح آيلاً للسقوط فوق رؤوس قاطنيه. وحسناً فعلت المحافظة حين أزالت البناء، ولكن للأسف لم يتم محاسبة أحد ممن ارتكبوا تلك المخالفة، الأمر الذي يجعل المخالفات تستمر وتتفاقم طالما لا يوجد من يحاسب.

وفي سياق الحديث عن عشرات مخالفات البناء يجب إرسال لجنة السلامة العامة ليتم تجنيب سكانها من المصير التي آلت إليه البناية التي أزيلت عدا عن مئات الأبنية المخالفة سواء في عدد الطوابق أو في تغيير صفتها بشكل مخالف للقوانين وللمخطط التنظيمي للقرية، وتحويلها من سكني إلى تجاري، وذلك بتغطية من بعض المسؤولين في المحافظة، وكذلك من جميع رؤساء المجالس المحلية السابقين دون استثناء أحد منهم وكذلك رئيس البلدية الحالي...

وثمة العديد من الوثائق والصور تؤكد ما سبق ذكره، وفي سياق ذلك اتصل المحافظ بالمهندس أكرم خلوف رئيس المكتب الفني في المحافظة طالباً منه أن يتابع أمر المخالفات التي في حوزتي، وأن يرسل فوراً لجنة السلامة العامة إلى عنوان البناء المخالف الأكثر عرضه للسقوط بعد أن تم التجاوز في عدد طبقاته /من 4 إلى 8/ طبقات.

وبعد متابعتي للموضوع، وبعد توجيه عدة أسئلة صحافية إلى رئيس مجلس القرية، تبين لي أنهم يحاولون التستر على موضوع المخالفة من خلال الذهاب إلى عنوان آخر، غير العنوان الذي قدمته إلى المحافظ وإلى رئيس المكتب الفني في المحافظة، الأمر الذي يذكر بسابقة أقدم عليها بعض المتنفذين وبعض المسؤولين في المحافظة والبلدية حين جرى تغيير اسم مخالفة بناء كان باسم «أجنحة الراية»، وأصبح باسم «أهل الراية». علماً أن البناء على بعد أمتار من البلدية. ومررت المخالفة ولم يحاسب أحد أحداً.

ولدى مراجعتي رئيس المكتب الفني في المحافظة أجابني متذمراً وساخراً «هل تريد أن تجعل من أمر هذه المخالفة قضية قومية كبرى؟!» الأمر الذي جعلني أعتذر عن الاستماع إلى هذا المنطق وأسلوب الرد، فتحينت الالتقاء بالمحافظ ضمن جلسات يوم الثلاثاء الأسبوعية، ولكن كان واضحاً لي من موظف الديوان الرفض المسبق وعدم تمكيني من الالتقاء بالمحافظ.

وما يجعلني أرجح محاولات عدم تمكيني من مقابلة المحافظ هو أن المحافظ نفسه وفي اللقاء الثاني معه، أجابني رداً على سؤال يتعلق بحجم الفساد الهائل في قرية السيدة زينب: «وهل تريدني أن أنهي فساد /50/ سنة بخمس دقائق»؟ و«ضمن المتاح في مجلس القرية ليس أمامي أن أكلف إلا أفضل السيئين الموجودين الآن ومضطرين إلى ذلك حتى دورة الانتخابات الجديدة بصيف 2011».

وللحديث عن المعايير والآليات التي تجري فيها الانتخابات شأن آخر وحتى تاريخه سيظل الفساد يتفاقم... كصناعة رابحة.. بل ومبرمجة لكل أنواع الأسلحة بما فيها إرهاب الصحافي الذي يتجرأ عليه مؤخراً، وبعد متابعات وتوجيه العديد من الأسئلة لبعض المسؤولين في المحافظة ولبلدية السيدة زينب توكل أحد المحسوبين عليهم وهو دلال متجول بقرية السيدة زينب بتوجيه تهديد لي بقطع يدي الثانية لكي لا أمسك قلماً من الآن فصاعداً وأنشر غسيلهم الوسخ!. 

المواطن علي الورّاد