كوة صرف آلي واحدة لعشرين ألف موظف! موظفو الغاب.. شهر في العمل وأيام على الرصيف لقبض الراتب

يزيد عدد السكان في منطقة الغاب عن 500 ألف نسمة، ومركز المنطقة يتمثل بمدينة السقيلبية التي يوجد فيها أربعة مصارف تابعة للقطاع العام (مصرف زراعي، تسليف شعبي، توفير البريد، والمصرف التجاري السوري) وعدد آخر من المصارف الموزعة على نواحي المنطقة، وهي تفتقر إلى الصرافات الآلية إذ لايوجد فيها سوى كوة واحدة في مبنى المصرف التجاري وهو كثيراً ما يخرج عن الخدمة ليخرج معه المصطفون أرتالاً متلاصقة أمامه عن طورهم، فهم لا يملكون من أمرهم سوى التأفف وكثيراً من الأنفاس المتعبة حين يترحمون على أيام معتمد الرواتب.

مشكلة الموظفين الذين وطنت رواتبهم في المصرف التجاري تزداد تفاقماً يوماً بعد آخر، وخاصةً مع تزايد معاشات الموظفين المحولة من قبل الجهات العامة. ورغم أن التجربة حديثة نسبياً وأن عدد المتعاملين بالبطاقات الالكترونية قليل إلى حد ما، إلا أن عددهم بكل حال يفوق طاقة صراف وحيد لمنطقة مترامية الأطراف، فإذا كان البعض حالياً يضطر لقطع مسافة 50 كم للحصول على راتبه، فهناك من يعود خاوي الوفاض بعد تكلف عناء السفر وتكاليفه المادية. وبالطبع، فقد يتكرر ذلك لأكثر من مرة مع الموظف نفسه، فكيف هو الأمر مع عزم الجهات العامة كافة على توطين رواتب موظفيها وكم ستتعقد الأمور حينها؟!.

يوضح أكرم لـ«قاسيون» (وهو عامل في قطاع الاتصالات هد قوامه المرض وصار رفيقه العكاز) أنها المرة الثالثة التي يقصد هذه الكوة قاطعاً عشرات الكيلومترات كي يحصل على ما تبقى من راتبه الذي أكلته الفوائد من أقساط البراد والتلفزيون، ويقول: «أربعة آلاف وسبعمائة ليرة.. كيف لي أن أوزعها على الدائنين الذين يزيدون أسعار سلعهم المؤجل دفعها حتى آخر الشهر، وفوق التعب والمشقة والوقوف لساعات لا أستطيع الحصول على راتبي كاملاً لأن الصراف الآلي يقتطع أجزاء الألف ليرة حتى وإن كانت 999» ويضيف بالعامية: «لازم نتحسر على أيام زمان بعدما صارت الألف فراطة.. إنها مهزلة»!.

بدوره، أبو بشار الذي كان غاية في الاستياء تساءل: «أين نحن من التطور.. كوة واحدة لعشرين ألف موظف! كان ينبغي وضع عشرات الصرافات الآلية قبل تحويل رواتبنا إلى المصرف، ويجب توزيعها على النواحي ومراكز التجمعات السكانية».

«يا شحاري».. قالتها إحدى السيدات الواقفات على الرصيف أمام الكوة الوحيدة في المنطقة، كانت تهم بفتح محفظتها لإخراج بطاقتها الالكترونية حين قالت: «هذه هي المرة الرابعة التي أحاول فيها الحصول على راتبي، وأرجو ألاّ يخرج الصراف عن الخدمة قبل أن أتمكن من قبضه كاملاً، ولكنني متفائلة لأن العدد المتواجد اليوم في الطابور لايقارن بيوم الأمس.. أرجو من الله ان يفرجها علي هذا اليوم»!.

واقف آخر على الطابور.. أدخل بطاقته ليحصل على خمسة ألاف ليرة- وهو الرصيد الكامل المستحق للدفع- ولكن الصراف خرج فجأةً عن الخدمة مبتلعاً بطاقته والرصيد معاً.. وقام بعدها بمراجعة العاملين بالمصرف عله يسترد مبلغ الـ5000 آلاف ليرة ولكن العاملين بالمصرف أسفوا لعدم تلبية طلبه قبل عملية الجرد التي سوف تحتاج لأكثر من عشرة أيام.. وبعد عدة محاولات لاسترداد المبلغ استسلم للأمر الواقع وخلّف المصرف وازدحامه منسحباً من معركة الحصول على الراتب، ليسير على الشارع المقابل للمصرف بعكس اتجاه السير!.