آفة «الربا» تفتك بمدينة منبج.. وتسرق أقوات الكادحين

كثيراً ما تم الحديث في الصحف والمواقع الالكترونية عن الفساد في الوزارات والإدارات العامة، أو عن فساد الكثير من المسؤولين المرتشين أو المختلسين أو المعتدين على أموال الخزينة...

وكثيراً ما تم التركيز على جريمة حدثت هنا أوهناك في أصقاع الوطن, أو عن تفشي مرض ما أو جائحة موسمية، أو ظاهرة اجتماعية طارئة تهدد شريحة معينة من السكان... وهذا أمر جيد.. لكن كثيراً ما يتم التغافل بقصد أو دون قصد عن آفة خطيرة تفتك بالمجتمع السوري وبنيته الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية أيضاً، وهي التي تسمى بالمصطلح العامي (دين الفائدة) ويسميها القانون والقرآن الكريم (الربا).. فلماذا؟

آفة خطيرة ومتفاقمة 

إن آفة (الربا) بدأت تفتك بمجتمعنا على وجه العموم، وفي الأرياف والمناطق المحاذية للمدن خاصة، ونسوق مدينة منبج في حلب نموذجاً لإثبات ذلك..

إذ لا يخفى على جميع أهالي مدينة منبج عالمهم قبل عاملهم، وخاصة في السنوات العشر الماضية، تفشي وازدياد نسبة المرابين، حتى بات يُطلق على المرابين في مدينة منبج (مافيا الربا).. إن مجرد تناقل هذه الكلمة (مافيا)، حتى وإن كان تداولها على مستوى شعبي، يدل على حجم نفور الناس وتقززهم من المسألة، ولكنه في الوقت ذاته يثبت أن ذلك لم يأت من فراغ , فالمرابون في منبج باتوا معروفين في كل أرجاء المدينة مشكلين قوة ضاربة، يتفاخرون ويتعالون على الناس برساميلهم الكبيرة التي لم يراكموها بعرق الجبين، بل على ظهور الفقراء والمحتاجين, وكثيراً ما تُشاهد هذه الفئة من المرابين في منبج يصولون ويجولون بشوارع المدينة وقراها بسياراتهم الفاخرة كأنهم ضمن حلقة من المسلسل التركي (وادي الذئاب) متنقلين من مكان إلى آخر لجني أموال رباهم من الناس المغلوب على أمرهم، الذين اضطرتهم الحاجة لاستدانة المال منهم، خاصة مع ازدياد نسبة البطالة والفقر وتردي الحالة المعيشية للكثير من أهالي مدينة منبج.

إن هذه الآفة ترزخ تحتها اليوم الأغلبية العظمى من الشرائح الفقيرة والمتوسطة في أنحاء المدينة، مما يتيح للمرابي الرأسمالي التسلط على الجزء العظيم من دخل العمال قليلي المعاش والدخل، وتجعل كل منهم مُستبداً به حتى أنهم يكادون لا يتنعمون بأي قرش من رواتبهم رغم أنهم كثيراً ما يصلون ليلهم بنهارهم في محاولة لسد جوعهم  وأود حياتهم.. فالمرابي يضع يده على معظمها قبل أن تصل إلى جيوبهم أحياناً, وذلك يُوصل بعضهم لفساد الأخلاق وارتكاب الجرائم، ويحط من مستوى معيشتهم ومستوى تعليم أبنائهم وتربيتهم.

هذه النتائج الحتمية هي مجرد جزء ذاتي، لكن بشقه العام،  تقوم الهموم والأحزان بدفع على العمال نحو اليأس، فتؤثر على كفاءتهم ونشاطهم الذهني والبدني, فيدفع المجتمع بكامله ضريبة ذلك..

أما في الجهة الأخرى أي في صفوف المرابين فإن الميل  لجمع الأموال وعدم إنفاقه إلا على مصالحهم الشخصية وملذاتهم المشبوهة، يولد لدى المرابي غرائز دنيئة  كالبخل والغرور والاعتداء على حرمات الآخرين وشهوة الابتزاز وتحجر القلب وحب المال والتفاني في سبيل جنيه بأية طريقة كانت, ويحول دون تداول الثروة بوجه صحيح في المجتمع، ويوجهه عن الفقراء إلى الأغنياء..

إن المرابين في مدينة منبج منفلتون من عقالهم، وكأنهم أصحاب بنوك خاصة إلا انها غير مرخصة ولا تخضع لأية ضوابط قانونية أو أخلاقية وهذه الفئة من المرابين يسعون دائماً إلى استيفاء ديونهم الربوية بذاتهم وبعضلاتهم المفتولة، ويتسترون في محلاتهم ومكاتبهم على أنها تجارية ومُسميات أخرى، لكن ما كان خلف الستار أعظم..

إن اهالي مدينة منبج اذ يناشدون كل الجهات المعنية لإيقاف تفشي هذا المرض السرطاني المستشري في مدينتهم بكثرة، والقصاص من كل شخص تُسول له نفسه أن ينال من كرامة المواطن السوري التي هي فوق كل اعتبار.

 أحمد صلاح طلعت