المحامي محمد عصام زغلول المحامي محمد عصام زغلول

وقائع إصلاح قضائي!

استقبلني صباح البارحة على باب قصر العدل بدمشق موكل من خيرة موكليّ وأعتاهم، صارخاً بوجهي: ما الذي حلّ بالدعوى التي سلمتها لأستاذك قبل ثمانية عشر عاماً خلت؟! وأين وصلتم بها؟!

قلت الصدق، والصدق أقول: هي في مراحلها المتوسطة! وما تزال بحاجة إلى مزيد من الوقت والصبر والمال!

فسارع بالانتفاض- مع عهده بهدوئي- قائلاً: وإلى متى، وما الحل، وهل سيتابع أولادي من بعدي، وهل وهل....؟

أما سمعت- يا أستاذ- بمسيرة الإصلاح، وما علمت بتطوير القضاء، وما دريت بما يستجد على الساحة، اشتكي- يا أستاذ- على كل من يعرقل، لا تترك لمفسد أن يعطل علينا الدعاوى، ولا تبق موظفاً فاسداً في وجهك، ولا تذر مسيئاً يعطل علينا حقنا!.

فحاورته.. وأنا وإياه ماشيان في جنبات القصر يصارخني وأسايره، حتى دخلنا إحدى الدواوين أقدم طلباً، وقفنا في الصف باحترام، والموظف يؤجل المتداعين بقوله، غداً.. بعد غد.. إلا فلاناً من الناس أعطاه طلبه في يده، بعد أن وضعت اليد في اليد ما يتوجب وضعه!

وآخر يصرخ بالمتشاكي: روح بلط البحر!

وثالث يأكل (سندويشته) الصباحية مع كوب الشاي غير عابئ بمن يقف أمام طاولته!

وكاتب محكمة يقول لمن يتواجد في المحكمة: القاضي لا يأتي قبل الساعة الثانية عشرة!

وموظفة تركت محكمتها ليتناقل المحامين الأضابير من قوس المحكمة (وكل واحد يدبر حالو)!

وقاضية اشتـُهرت بعد (علقتها) مع أحد المحامين بأنها لن تتعاون مع أي محامٍ قبل أن تسترد حقها بالاعتذار من نقابة المحامين!

وديوانٌ للمحامي العام الذي يعج بالمتداعين، وكأنهم في مؤسسة توزيع السكر والشاي، بحيث أنك لن ترى الطاولة التي يجلس عليها الموظف، يتطاولون كالأكلة تنكب على قصعتها!

ومستودع يـُدخـِل الربو إلى صدرك قبل أن تجد فيه إضبارتك، التي ربما قد أتلفت- بموافقة اللجنة- قبل أن تصدر التعليمات بتحويل كل ذلك إلى أقراص ليزرية في حواسيب قد لا يحسن الموظفون تذوق حلاوة ملمسها!

وموظفون- قد هرموا- فلا تستخرج الكلمة من أفواههم إلا بجهد أصحاب الجلد والصنددة!

وقاعات محاكم يتصبب العرق من قضاتها فضلاً عن روادها، فلا هواء، ولا ريح مروحة عليلة كهربائية، فضلاً عن ذلك الشيطان المسمى بالمكيف أو بالعربي A/C!

أما حلاوة الإيمان فتتجلى في محاكم ليس فيها في السنة- على طولها- إلا ثلاث جلسات، أو أربع على أحسن احتمال!

أما اللصيقة وبقية الطوابع والرسوم.. فحدّث ولا حرج، وإياك إياك أن تنسى طابعاً واحداً، فتـُنسى قضيتك ويضيع حقك معها!

ثم إذا أحببت الدخول إلى ديوان المحضرين- الذين يبلـّغون- ولا يـُشرع في الدعوى، دون أن يحنوا عليك بالتبليغ، فهيهات هيهات أن تخرج قبل أن يخوجوا جلّ جنيهاتك من جيوبك المفرغة!

وما انتهت جولتنا إلا بحط الرحيل في قاعة المحامين، التي يستريحون فيها من عناء اليوم ليحتسوا كوب القهوة المترع بالهموم، هموم الموكلين وهموم الوطن، والتي لم يعد للمحامين من مكان فيها بعد تواجد معظمهم بكثرة، فقد تزايدت أعدادهم بعد قانون الرسوم القضائية وعزوف المتقاضين بمعظمهم من اللجوء إلى المحاكم لعجزهم !

فهل بعد هذا تلومني يا موكلي الكريم- والذي ورثتك- من أستاذي، وربما أورثك لتلميذي، إن بقت الحال على ما هي عليه!

ربما لن يبقى كذلك، إن كان لوزيرنا الجديد- حفظه الله- من حل لبعض ما ذكرت، وغيره كثير!

فهل يا ترى لديه حل؟؟!!

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.