نموذج من معاناة المواطنين مع قرارت الاستملاك

ترتبط كلمة الاستملاك بأجيال كاملة من المجتمع السوري في المدن السورية كافة بشكل عام، وفي مدينة دمشق على وجه الخصوص، لأنها تمس حياة شريحة واسعة من الناس «الدراويش» سبق أن استملكت بيوتهم أو أراضيهم أوأماكن عملهم دون وجه حق ودون أي تعويض مادي يقابله من الحكومات العتيدة.

الأهم من هذا أن قضية الاستملاك ومنذ أكثر من خمسين عاماً تطرح في أروقة اجتماعات مجلس الشعب فتصدر القرارات، وتشكل اللجان من الأطراف المسؤولة من مجلس الوزراء ومجلس الشعب ومكاتب المحافظات للبحث في الاستملاكات ووضع حد نهائي لها، إلا أنه وعلى الرغم من مضي نصف قرن ما يزال ثلث تلك المناطق إن لم نقل معظمها دون أي حل يذكر في عملية تنفيذ الاستملاك، وبالتالي دون أن يسمح لشاغلي «المشكلة»  بإجراء أي تعديلات على مساكنهم سواء من ناحية التغيير الكلي أو الإصلاح أو الترميم.

والمشكلة التي بين أيدينا والتي تعتبر من عشرات القضايا التي لم تلق الحل وهي قضية حي الإخلاص الواقع خلف مشفى الرازي بالمزة تؤكد أن المشكلة قائمة وتشير الدلائل إلى أنها مستمرة والقضية برمتها لا تحتاج سوى شجاعة في اتخاذ القرار الصائب لإنهاء هذه المشكلة التي تؤرق حياة ونفوس ومستقبل عائلات كثيرة وتضع لها الحل الجذري دون أي تسويفات كما جرى لعشرات القضايا مثلها.‏

إن قضية حي الإخلاص مع الاستملاك بدأت حين صدر مرسوم الاستملاك رقم 35 للعام 1985 لبناء مقر جديد لمجلس الشعب، فاستملك القرار عدداً من العقارات  ذات ملكية خاصة لفلاحين ومواطنين بسطاء لا يملكون إلا هذا السقف الذي يؤويهم مع عائلاتهم، واعترض أهالي العقارات المستملكة على قانون الاستملاك في ذلك الحين، ولم يتركوا باباً وإلا طرقوه، فقاموا بتقديم العديد من المراسلات وراجعوا الجهات الثلاث المنوط بها الحل، لكن وبعد مرور 27 سنة على صدور المرسوم الذي خلق المشكلة ما تزال كما هي لا بل تضاف إليها مشكلات جديدة مع كل قرار استملاك أو مشروع قرار استملاك جديد كما يحدث الآن مع حي الحمراوي بدمشق وغيره من المناطق المتنازع عليها بفعل الاستملاك.

إن الاستقرار والطمأنينة والأمان لم تعد موجودة في قاموس أهالي حي الإخلاص حتى يمارسوا حياتهم بشكل طبيعي، لأن كل آهاتهم ذهبت أدراج الرياح مع قلق أهالي الحي على أن تكون هذه الجهات مصرة على تنفيذ قراراتها، وعدم إعادة النظر بأسعار الأراضي المستملكة كما وعدت، أو إعادة النظر بالحاجة الفعلية للمنشآت المزمع إقامتها، وتخصيص المتبقي منها إقامة مساكن لأصحاب الأراضي المستملكة  كما كان يقال لهم منذ تاريخ صدور المرسوم وحتى اللحظة وكأنهم أي المسؤولين كانوا يتقصدون بذلك لتهدئتهم من باب التخدير فقط لا غير، والسؤال هو: هل فكر أصحاب القرار أو أحد المسؤولين طيلة الفترة السابقة وبعهد كل الحكومات المتعاقبة بزيارة الحي ميدانيا، ولو من باب الاطلاع على واقعه بنفسه ليرى حجم الكارثة ثم اتخاذ القرار المناسب أو بما يراه مناسباً؟؟!.‏

إن جميع المواطنين الموجودين في هذه المناطق هم من الدراويش الفقراء، أو من الطبقة المتوسطة التي ما زالت محافظة على كيانها، لم يكن وليس بإمكانهم في ظل الظروف الحالية والأزمة العميقة التي تعيشها البلاد أن يبحثوا عن أمكنة أخرى لهم للسكن، وإن لم يتم إنصافهم فإن الحكومة بذلك تزيد بدورها من حالة الاحتقان الشعبي، خاصة وأن أي مسؤول لم يكلف نفسه عناء دراسة أوضاعهم اجتماعياً لا قديماً ولا في الوقت الحالي، علماً أن أي مسؤول في الحكومة باستطاعته زيارة الحي سيراً على الأقدام باعتباره ملاصقاً لسور مبنى رئاسة مجلس الوزراء، وإلا سنعيد طرح الأسئلة والاستفسارات التالية عشرات المرات وهي: هل من المنطقي استمرار مشكلة استملاك الحي من عام 1985 وإلى اليوم دون أن يزور مسؤول واحد المنطقة ميدانياً ليحدد الأمر بدقة؟؟!.

هل فكر المسؤولون بمعاينة الحي أو أي من المناطق المستملكة لكي يدركوا حجم الإضرار المعنوي بين الدولة والمواطن وبعد المسافة بين المسؤول ومواطنه؟؟!.

هل حدوث الأزمة الحالية لأن أحداً من المسؤولين لم يحاول يوماً أن يدرس واقع هؤلاء المواطنين وإمكاناتهم وماذا يريدون من الحكومة؟

وأخيراً لماذا لم يحاسب كسابقة للحكومة السورية كل من أشار بالاستملاك لمنافعه الخاصة، فأثرى على حساب هموم المواطن، لا بل امتلك عشرات الشقق من وراء الكسب غير المشروع في أرقى مناطق دمشق ولعل حي كفرسوسة الجار التوءم لحي الإخلاص أكبر دليل على كل تلك التجاوزات؟؟ّ!.

فهل وصلت الرسالة؟؟!!.