حلب.. متمسكة بالحياة

حلب.. متمسكة بالحياة

مأساة الحلبيين، في المدينة والريف، لم تعد أسطراً معدودة قادرة على توصيفها أو تقديرها، فقد تجاوزتها حدود الكلمات والمعاني، اعتباراً من تقطيع أوصال مدينتهم داخلاً وخارجاً، مروراً بواقع الأمان المتردي المتمثل بالقذائف والصواريخ والهاونات، وليس انتهاءً بتأمين الحاجات الأساسية من أغذية وأدوية وغيرها، بظل تدهور الوضع المعاشي بسبب تآكل الأجور، وانعدامها.

 

النهب الجائر للمعامل والورشات الحرفية، الصغيرة والكبيرة، الذي تم سابقاً، والتدمير المتواصل لجزء كبير من البنى التحتية، ناهيك عن واقع الخدمات العامة المتردي المتمثل بالكهرباء والماء والصحة والتعليم وحتى القمامة، وغيرها الكثير من منغصات الحياة الأخرى، عانى ويعاني منها الحلبيون، وما يزيد من مرارة هذه المأساة هو واقع الفلتان بالأسعار وتغوّل الفساد والفاسدين وتجار الأزمة في استنزاف مباشر ويومي لهؤلاء، واستغلالاً لحاجاتهم.

وبسبب العمليات الاستفزازية المتواصلة بين أطراف الصراع، العديدة والمتنوعة، حسب الأهداف والغايات المتباينة لكل منها، والمصالح المرتبطة بهذه الأهداف، وخاصة لتلك القوى المرتبطة والمرتهنة اقليمياً ودولياً بأجندات غير وطنية، فشلت الهدنة بعد مساعي عديدة لمحاولة تدعيم هشاشتها سابقاً، حيث كان يتم العمل على تمديدها يوماً بيوم، وحتى بالساعات، وذلك كله على حساب حياة الأهالي وأمنهم واحتياجاتهم، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الهدنة أو التهدئة لم تشمل تنظيمي داعش والنصرة الإرهابيين.

حياة الأهالي في حلب وريفها كانت مقسمة حسب ساعات وأيام الهدنة سابقاً، والتي يترقبون تمديدها، كما يترقبون اختراقاتها، وعلى الرغم من ذلك فقد تم تقليص التوتر إلى حدود مقبولة خلال الأيام التي كانت فيها الهدنة هشة، وساعدت هؤلاء على استعادة جزء من حياتهم، التي لا يعيشونها عملياً منذ سنوات.

أسعار المواد الغذائية وغير الغذائية ارتفعت بشكل غير مسبوق خلال الأسبوع الماضي، على وقع سعر الصرف المنفلت، وبسبب الواقع الأمني المتردي، وبسبب حيتان المال والفساد وتجار الحرب، بالإضافة إلى الإتاوات التي يتم دفعها على المعابر والحواجز الداخلية والخارجية للمدينة، والتي تطال العبور الفردي وليس البضائع فقط.

يقول الحلبيون أن السبب الرئيسي لرفع الأسعار، بالإضافة إلى التلاعب بقيمة سعر الصرف، هو الكميات الواصلة من المواد الأساسية إلى المدينة، فهي قليلة ولا تكفي حاجات الناس، مما يساعد الفاسدين والتجار على التحكم بها وبسعرها الاحتكاري، الذي يفرض استغلالاً لحاجات الناس، وعلى مرأى ومسمع المتنفذين وأصحاب القرار، على عكس ما يجب أن يعملون من أجله سواء من حيث زيادة هذه الكميات بما يلبي احتياجات الأهالي، أو لناحية الرقابة والمتابعة والمحاسبة.

وفي الآونة الأخيرة ظهرت مشكلة جديدة بمواجهة الأهالي تتمثل بتكاثر الجرذان في بعض المناطق والأحياء، مع ما يمكن أن تمثله هذه المشكلة مع تداعياتها الصحية والبيئية، والتي يمكن أن تصبح كارثية بحال لم يتم التعامل معها بشكل فوري، خاصة بظل شح المياه وعدم الاهتمام بترحيل القمامة بما يجب أن تكون عليه، مما سمح بانتشار الأوساخ في المدينة وعلى الطرقات. ومع نسب التلوث المرتفعة أصلاً من مخلفات العمليات العسكرية بالإضافة لما تنفثه المولدات الكهربائية من غازات وأبخرة سامة، فقد باتت حلب تحت وطأة تلوث مركب، لا أحد يستطيع أن يُقدر عواقبه الصحية والبيئية.

الحلبيون ما زالوا متفائلين ومتمسكين بوقف العمليات العسكرية وإنجاح الهدنة، وهم على ذلك ينتظرون استعادة حياتهم كي يتمكنوا من إعادة حلب لتكون مركز الصناعة والحرف السورية ومحورها، على الرغم من الخسائر كلها، البشرية والمادية وغيرها، التي تكبدوها خلال سنوات الحرب والأزمة، وما ينقصهم حالياً هو الاهتمام الرسمي بمعاناتهم بالفعل لا بالقول، ويبدأ ذلك بأن يتم الاعتراف بأن حلب منطقة منكوبة تجب مؤازرتها ومساعدتها للنهوض من جديد، عبر جملة من القرارات والإجراءات الإسعافية العاجلة، اعتباراً من واقعها الأمني والعسكري مروراً بالوضع المعيشي والخدمي وليس انتهاءً بالواقع الاقتصادي الصناعي.