الخلل البنيوي في الجامعات السورية.. قسم الآثار أنموذجاً

ضرورات التطور الاقتصاديالاجتماعي الذي رافق النهضة الكارولنجية في فرنسا (القرن التاسعفرض ظهور الجامعات بشكل موضوعي، فارتبط نشوء الجامعات بتطور الحياة الاقتصادية الاجتماعية وازدياد حاجة النظام القائم إلى موظفين لإدارة البلاد، وهكذانشأت أولى الجامعات كجامعة بولونيا الإيطالية 1158م وجامعة باريس الفرنسية 1179مأي خلاصة الأمر هناك علاقة رياضية متعدية بين النظام التعليمي (الجامعاتمع سوق العمل، فسوق العمل من المفترض أن تستوعب خريجي الجامعات، وإذا لمتستوعبهم ودفعتهم إلى مجتمع البطالة المتعاظم في ظل الأزمة العلمية الرأسمالية، فإن هذا يعد تعبيراً عن خلل عميق في العملية التعليمية وفي معادلة /خريجي الجامعات = سوق العمل/.

وفي سورية يلاحظ أن الخلل مستشر في كل مرافق عملية التعليم العالي، وأصغر مثال ما يحدث في كلية الآداب بجامعة دمشق قسم الآثار، فكلية الآداب تضم /14/ قسماً كالتاريخ والاجتماع والمكتبات واللغات الانكليزية والفرنسية والألمانية....إلخ، وهي أقسامأدبية ونظرية، أما قسم الآثار فلا يتوافق بطبيعته الموضعية مع طبيعة الكلية الأدبية والنظرية، لأن قسم الآثار عملي؛ فهناك على سبيل المثال مادة الرسم والرفع الأثري التي تعتمد على مخططات وبيانات هندسية وهي مادة دراسية مشتركة مع كلية الهندسةالمعمارية، وهناك مادة صيانة وترميم الآثار التي من المفترض إعطاءها في ميدان أثري كالمتحف أو إحدى القلاع، وهنا يكمن أصل الخلل، فحتى المواد العملية تدرس أغلب الأحيان بشكل نظري وبالمحصلة يتخرج الطالب بعد أربع أو ست سنوات دون خبرة أواستفادة تذكر، اللهم غير تحصيله لأطنان من المفردات النظرية التي تفاقم ضعف قدراته العملية في مجال الآثار، هذا ويضطر الطلاب في أغلب الأحيان إلى الاتصال بالبعثات الأجنبية العاملة في البلاد وصقل قدراتهم العلمية على نفقتهم الخاصة، هذا في حال توفرتهذه النفقات أصلاً، فحتى يصنف الطالب إنه ناجح في عمله وفاعل بالمعنى الاجتماعي سيحتاج إلى نفقات مادية تغطي حاجاته، كون العمل مع البعثات الأجنبية يكون بلا أجر، فهو عمل تطوعي يهدف إلى الحصول على الخبرة.

أما البعثات الوطنية فإنه تواجه الطلاب دائماً بالتسويف والمماطلة في الموافقة على عملهم مع بعثة وطنية، وهكذا سيتخرج الطالب حتماً ضعيف التأهيل مهنياً ومن ثم سيصطدم مع واقع سيتعامل معه؛ وهو عدم وجود فرص عمل في القطاع العام إلا لقلة قليلة منالطلاب.

أما العمل مع البعثات الأجنبية فإنه يكلف الكثير من الأعباء المالية عدا عن هروب الكوادر الوطنية إلى الخارج، وهناك الكثير من طلاب الآثار الذين تخرجوا وهاجروا إلى فرنسا وألمانيا واليونان وغيرها نتيجة الآثار الكارثية للسياسات الليبرالية لحكومة عطريوفريقها الاقتصادي، ولعل هذا الواقع المسيطر على قسم الآثار هو ما يفسر قلة طلابه بشكل عام لأنه يواجه الطلاب دائماً بسؤال محبط للنفوسما مستقبل العمل في الآثار في سورية؟ وجوابه بسيط لا يحتاج إلى معادلات رياضية لحله وهولا فرص عمل!!

فمثلاً هناك في دمشق حوالي /1000/ طالب في قسم الآثار سيحظى منهم بفرصة عمل ما لا يزيد عن نسبة /10%/ وربما أقل، هذا ما كان يحدث وسيحدث في قسم الآثار وهو جوهر الخلل في المعادلة الاقتصاديةالاجتماعية /خريجي الجامعات = سوق العمل/،والتي تهيمن على معظم الجامعات السورية إن لم يكن جميعها.

■■