سيارات مسروقة تتجول في دمشق!...  ماهو سر «مثلث برمودا السويداء»؟

سيارات مسروقة تتجول في دمشق!... ماهو سر «مثلث برمودا السويداء»؟

من منطقة البرامكة وسط العاصمة دمشق، فقد محمد سيارته المركونة بأمان على حد ظنه، فهو لم يتوقع «جرأة تلك العصابة»، التي لم تخش وضع المنطقة الأمني، ولا ضوء النهار حين صممت على سرقة ضحيتها.

محمد «تاجر قطع سيارات»، لم يعد يستخدم سيارته «لانسر 83»  كثيراً، نتيجة ازدحام الشوارع، وارتفاع أسعار المحروقات، إضافة إلى قرب مكان العمل نوعاً ما من المنزل، وهذه النقطة ساعدت السارقين الذين راقبوا وضع السيارة جيداً، وتأكدوا من أن محمد يتفقد سيارته مكان ركنها كل يومين أو ثلاث.

في البرامكة: سرقة ولاد!

بداية، تعرضت سيارة محمد لسرقة «البطارية»، مادفعه للبحث عن مكان أكثر أمامناً لركنها، وقد وجد مايبحث عنه بمكان قريب نوعاً ما من الحاجز الأمني في المنطقة، إلا أن ذلك لم يمنع السارقين بعد أيام من سرقة السيارة كاملة.

حتى الآن، لا يعلم محمد مصير سيارته، فقد راجع كل الجهات المعنية بذلك من شرطة ومباحث مرور، دون جدوى، لكنه متأكد من أن «الفوضى» أدت لسرقة سيارته وسيارة جاره في العمل بمنطقة البرامكة أيضاً، نوع كيا 2012.

رئيس قسم مباحث المرور في دمشق المقدم غيث سلمان، قال إن سرقة السيارات القديمة «غالباً ماتتم عبر مراهقين للتمتع بها، ثم يتم ركنها في مكان ما بعد الانتهاء منها» على حد تعبيره» مشيراً إلى أن «هذه السيارات غير مفيدة بقطعها التي لا يمكن أن تشكل طمعاً للسارقين، ومن هذه السيارات نيسان صني 82 مازدا 929، وقد تعودنا أن تكون سرقاتها لحظية (سرقة ولاد) بنسبة 90%» على حد تعبيره.

لكن، سرقة بطارية سيارة محمد قبل سرقة السيارة كاملةً، قد تشير إلى أن السارقين ربما يرغبون بسرقة المحتويات مهما كانت قيمتها، وليس بالضرورة التمتع بالقيادة فقط، فقد تكون الإطارات التي ارتفع سعرها كثيراً الفترة الماضية، بالإضافة إلى «الجنوط» إن وجدت ومجموعات الصوت، والبطاريات، وغيرها من القطع الأخرى، محل طمع.

روتين وثغرات

محمد توجه إلى المخفر حينما اكتشف سرقة سيارته، فطُلب منه استخراج ورقة «كشف اطلاع» من النيابة العامة للتأكد من ملكية المركبة قبل فتح الضبط كونها سرقة مع أوراقها، ثم توجه بالتزامن إلى فرع مباحث المرور الذي طلب بدوره ضبط الشرطة.

في مباحث المرور، أكدوا له أن الشرطة ترسل لهم برقية للبحث عن السيارة المسروقة بعد فتح الضبط. وهذا الروتين قد يساعد السارقين لفك السيارة أو تغيير مواصفاتها، وهنا، لم يتوقف محمد التي كشفت قصته عدة ثغرات قد يستفيد منها السارقين، منها الروتين سابق الذكر.

 وفي جولة على مقرات حجز السيارات التي لم يجد ضالته فيها، تأكد محمد من وجود مراكز حجز لم تعد مستخدمة من قبل مباحث المرور على حد تعبيره، ومراكز أخرى فيها سيارات محجوزة من قبل جهات أمنية قد تكون بمواصفات معدلة– تم تغيير مواصفاتها-، مايعني عدم القدرة على التعرف على السيارات المسروقة، عدا عن إمكانية وجود تعاون مع بعض «ضعاف النفوس» في هذه المراكز والسارقين لركن السيارات المسروقة فيها! على حد تعبيره.

رئيس قسم مباحث المرور في دمشق، قال في حديث إذاعي، إنه من الممكن أن يتم استبدال نمرة السيارة المسروقة بنمرة أخرى، مايشير فعلاً إلى الفوضى الحاصلة بقضية «تشويه النمر، أو السيارات دون نمر نهائياً»، ورغم تأكيد سلمان على أن عدد إذاعات البحث عن سيارات - ليس بالضرورة أن تكون مسروقة فعلاً-، بلغ حوالي 150 إذاعة خلال عام 2015 في دمشق، إلا أنه هناك حالات تتم بالخفاء لا يقوى الضحايا فيها على تقديم شكوى للشرطة، وخاصة بعد التهديد بالقتل أو طلب الفدية، وغالباً تتم تلك الحالات دون توثيق، بحسب ما أكده بعض مالكي السيارات المسروقة على مجموعات بيع وشراء السيارات في فيسبوك.

محمد اقترح أن «يطالب كل شخص يرتدي الزي العسكري بأوراق السيارة التي يركبها، وأن يقدم ثبوتيات ملكيتها»، قائلاً «هناك ضعاف نفوس يستغلون مناصبهم، أو ربما يكونوا من الجماعات المسلحة».

سيارة مسروقة 

تتجول منذ 3 سنوات!

مباحث دمشق أكدت أنها في تاريخ 28/4/2016، أوقفت في كراج الصوفانية، سيارة بنمرة مستبدلة كانت مركونة في مكان مخالف، تبين لاحقاً أنها مسروقة من مساكن برزة منذ عام 2013، ما يشير إلى أن بعض السيارات المسروقة تتجول في دمشق براحتها وبنمر مزورة، وإن لم يتم ركنها في أماكن مخالفة قد لايتم العثور عليها.

فوضى السلاح، قد تؤدي إلى كل ذلك، بحسب وسام الطير وهو مدير صفحة «دمشق الآن» على فيسبوك، الذي قال: «وردت إلى صفحتنا شكاوي عن عدة حالات سرقة سيارات منذ بداية العام الحالي، أغلبها في ركن الدين وحي الورود».

وكتب خالد في إحدى مجموعات الفيسبوك المتخصصة ببيع وشراء السيارات «لقد سرقت سيارتي في منطقة أبو رمانة في الساعة 12 ظهراً منذ حوالي السنة، وحتى الآن لم يتم القبض على المجرمين».

وبدوره كتب فراس إن «المناطق التي تجري فيها السرقات أصبحت معروفة»، وتابع متسائلا «لماذا لا يتم اتخاذ الإجراءات اللازمة في هذه المناطق لإلقاء القبض على المجرمين».

ومن جهته أكد أبو خليل أن «عصابات سرقة السيارات تركز على نوع كيا (ريو والسيراتو والفورتي) وغيرها من الأنواع ذات التصنيع الكورري والياباني، كون قطعها سهلة البيع ومطلوبة في السوق وأسعارها مرتفعة نتيجة توقف الاستيراد».

مثلث برمودا

الملاحظ، أن أساليب سرقة السيارات قد تختلف من محافظة لأخرى، ومن عصابة لعصابة، ففي دمشق، وبحسب الشكاوي التي وردت لـ»قاسيون» إضافة إلى ماتم رصده من خلال صفحات المهتمين بالسيارات، فإن السرقات تتم في وضح النهار، بعض الأحيان، وضمن مناطق معروفة مثل البرامكة وأبو رمانة، أما في محافظة السويداء، فقد أطلق الضحايا على مناطق: «شهبا، صلاخد، بريكة» اسم «مثلث برمودا السويداء»، في كناية إلى تمركز عصابات «تشليح» السيارات هناك.

أعضاء صفحات السيارات على «فيسبوك» وبعد متابعة لـ»قاسيون» تبين أنهم يعرفون مناطق السرقة بدقة، والأساليب التي تتم بها السرقة، وحذروا  من أسلوب تتبعه إحدى العصابات، عبر عرض سيارات بأسعار مغرية لاستدراج الزبائن إلى محافظات أخرى، ليقوموا بعدها بسرقة السيارة التي جاء بها سواء «تكسي عمومي» أو سيارة خاصة، وإن لم تتوفر السيارة، يتم اختطاف الشخص وسرقة المبلغ الذي بحوزته وطلب فدية مقابل إطلاق سراحه.

وكانت آخر حادثة في «مثلث برمودا السويداء»، بتاريخ 24\4\2016، حيث تم العثور على الشاب «ح. م» مقتولاً برصاصتين في الرأس بعد سرقة سيارته العمومي من نوع «كيا ريو» على أيدي مجهولين».

أخطر المجرمين

يتعاملون مع المسلحين

وفي هذا السياق، قال رئيس فرع مرور السويداء العقيد جمال سعيد في حديث مع إذاعة ميلودي، إن السرقات فعلاً تتركز في السويداء بالمناطق المذكورة والتي وصفها المواطنون بـ»مثلث برمودا»، محذراً من استجرار المواطنين عبر عرض سيارات بأسعار أرخص من سعرها الحقيقي بأكثر من مليون ليرة.

وفي مدينة السويداء، أكد سعيد ضبط ثلاث سيارات مسروقة منذ بداية العام الحالي، والقاء القبض على بعض المطلوبين بجرم سرقة السيارات وصفهم بـ «أخطر المطلوبين» أحدهم مطلوب بسرقة 38 سيارة، إضافة إلى شخص ثاني أيضاً مطلوب بأكثر من قضية من ذات النوع.

سعيد أشار إلى قيام عصابات سرقة السيارات بتهريب مسروقاتهم إلى مناطق سيطرة المسلحين وبيعها هناك، وذلك من خلال التوجه بها ليلاً باتجاه الغرب، بعد تشويه النمر.

أخيراً

قد تكون عوامل التوعية، والحيطة والحذر، وزيادة الحرص، مهمة وضرورية وخاصة بظرفنا الراهن، ولكن الأساسي هو المراقبة الدائمة والإجراءات الرادعة من قبل الجهات المختصة، صاحبة المسؤولية أولاً وأخيراً عن سلامة المواطن وممتلكاته، مع ضرورة إعادة النظر ببعض الإجراءات التي لها الطابع الروتيني المعيق أحياناً في سرعة اكتشاف الفاعلين من اللصوص والمجرمين.