سوق «المهن» السورية على وقع الأزمة ومن ريف دمشق «الضربة القاضية»

سوق «المهن» السورية على وقع الأزمة ومن ريف دمشق «الضربة القاضية»

تداول الكثير من المحللين الاقتصاديين خلال الأزمة السورية مصطلح «معدومي الدخل»، الذي أطلق على أولئك الذين فقدوا أعمالهم ومهنهم الحرة ومصادر رزقهم جراء الحرب التي تعصف في البلاد منذ 4 سنوات وتداعياتها الكارثية على الذين امتهنوا «مصلحة» بدلاً من الدراسة، لتكون مصدر رزقهم خلال حياتهم، والتي كانت بحسب ما عبّر عنه البعض «تقص دهب» في أيام السلم والأمان.

«كل ما جنيته في حياتي ضاع، مهنتي التي ورثتها عن والدي- تمديدات صحية-، والتي كانت مصدر رزقي وعيشي الميسور سابقاً، صارت مصدر أرق وفقر لعائلتي»، بحسب «أبو سامي»، وهو أب لـ5 بنات وشاب مفقود منذ عام.

.. وصرنا «لا شيء»

يروي «أبو فوزي» قصة ضياع «مستقبل عائلته» على حد تعبيره، ويقول «سابقاً كان لدي محل وسيارة و(عدة عمل)، في الحجر الأسود مكان سكني، وكان عملي في التمديدات الصحية مصدر رزقي لي ولعائلتي» مشيراً إلى أن «أغلب العمل كان في مناطق المشاريع بالأرياف جنوب دمشق، والتي كانت تشهد حركة عمرانية نشطة».
وأردف «بعد خروجنا من الحجر الأسود، خسرت محلي وسكني وأدوات العمل، ونزحت إلى العاصمة، واختفى ابني الشاب الذي كان يساعدني في العمل، وهنا بدأت حياتي بالتدهور، فأنا لا أملك أي شيء لأبدأ عملاً جديداً، وسعر أدوات العمل باهظ الثمن ولا أملك منه شيئاً، عدا عن أجار المحلات المرتفع جداً».
وتابع حديثه قائلاً «كنت (معلم ورشة)، واليوم لا شيء.. في دمشق لا يوجد سوق للعمل كما كان الريف، فقد ضاع مصدر رزقي، ومهنتي باتت أساس الفقر الذي أعيشه اليوم، وإني مضطر للعمل على سيارة أجرة في مهنة ليس لي علاقة بها لا من بعيد ولا من قريب، والمردود الذي أحصل عليه لا يكفي أسرتي».

«مهنتنا» من الكماليات!

«أحمد»، 28 عاماً، صانع في ورشة «ديكور جبسين»، ويعمل حالياً على «بسطة» لبيع علب السجائر بعد أن خسر عمله مع رب العمل الذي يجلس في منزله حالياً دون عمل.
ويقول أحمد «كان أغلب عملنا في مدينة دوما بريف دمشق.. المنطقة كانت تشهد حركة عمرانية كثيفة وكنا منهمكين جداً بالعمل المتواصل، لكن سوء الأوضاع الأمنية والاشتباكات المسلحة في دوما وريف دمشق عموماً، جعلتنا نخسر سوق عملنا».
وتابع «حالياً في دمشق، الحركة العمرانية هزيلة جداً، ولا يوجد سوق منتعش لمهنتنا، فمن الصعب اليوم أن تجد شخصاً يريد أن يكسي بيته بديكور جبسين في ظل الوضع الاقتصادي الصعب الذي نعيشه، حيث باتت مهنتنا من الكماليات بالنسبة للكثيرين، وليست ضرورية بتاتاً».

البطالة ومعونات الذل

وبدوره «محمود. ش» أب لطفلين، وقد امتهن مهنة «الدهان» لـ11 عاماً، عبّر عن مأساته بأنه اليوم «ينتظر المعونات من الجمعيات الخيرية وصدقات المعارف كي يستمر في حياته»، بعد أن خسر عمله، وعجز عن البدء بعمل جديد في دمشق العاصمة وضواحيها نتيجة ارتفاع أسعار المواد الأولية وفقدان عامل الأمان في حال كان هناك عمل بمناطق خارج دمشق.
وتابع حديثه قائلاً «إن المصيبة هي في تبديل المهنة بعد 11 عاماً من امتهانها، فقد حاولت العمل في عيادة طبيب كمستخدم، لكن طبيعة العمل هناك وطبيعتي كشخص صاحب مهنة لها طبع معين وبيئة معينة، لم تتناسب مع الطبيب»، مضيفاً «حاولت العمل كحارس على أحد أبواب المولات، لكن حتى هذه المهنة تتطلب شهادة على الأقل ثانوية وأنا لا أملكها».

دوام كامل بـ 7آلاف ليرة!

وأكد «محمود. ش» أن مأساته في الحصول على مصدر دخل من جديد، تصطدم غالباً بالشهادة التعليمية واللغة التي لا يملك منها شيئاً، حيث كانت مهنته لا تتطلب إلا «الفن والذوق والجودة» على حد تعبيره.
عدا عن طبيعة العمل البديل وشروطه بعد الاصطدام بصعوبة إعادة فتح عمل جديد بالمهنة السابقة لارتفاع أسعار الأجارات والمواد اللازمة للعمل، فوجئ «بلال. م» 31 عاماً، الذي كان يعمل «ميكانيكي سيارات» في مخيم اليرموك، بالراتب الذي يمكن أن يحصل عليه بمهنة أخرى «سكرتير» بمركز طبي، بعد أن كانت مهنته «تقص دهب» على حد تعبيره.
«بلال» اضطر لتغيير مهنته نتيجة الصعوبات سابقة الذكر وصعوبة إيجاده لعمل ضمن مهنته السابقة، لكنه يتقاضى اليوم 7 آلاف ليرة سورية فقط  بدوام كامل، ما لا يكفي مستلزمات عائلته المكونة من 3 أطفال، والتي تعيش بالأجرة في منزل بعشوائيات ركن الدين بدمشق.
ويقول بلال «7 آلاف لا تكفي يومين في الشهر لاشتري مستلزمات العائلة، ونحن اليوم على اعتاب افتتاح المدارس.. أنا مضطر للاعتماد على المعونات المقدمة من الجمعيات الخيرية، وما أحصل عليه من (أهل الخير) شهرياً، لكنني أتوقع انهيار حياتي قريباً، فأنا أتطلع للهجرة مهما كلفني الثمن».

ريف دمشق.. الضربة القاضية

«أبو حسان» 55 عاماً، رب لعائلة من 6 أشخاص، كان صاحب لـ «4 ورش ديكور جبسين» بريف دمشق، خسر اليوم كل ورشاته ومستودعاته، وهو عاجز عن تأمين عماله السابقين بأي ورشة جديدة.
وقال «بعد أن تأزم وضع ريف دمشق، بدأت مأساة أصحاب الأعمال الحرة، فمن الصعب جداً الحصول على عمل بهذه المهنة بدمشق كما السابق، فأسعار المواد الأولية ارتفع 4 أضعاف، والمواصلات باتت أمر يؤرق أي عامل بالمهن الحرة لما ترتبه من مصاريف شهرية، وعلى هذا يتم رفض أي عرض سعر يقدم للزبون إن وجد في دمشق، كونه مرتفع».
وأردف «في ريف دمشق كانت هناك تربة خصبة للمهن الحرة نتيجة المشاريع التي كانت قيد الانشاء، وكان من الممكن خفض أسعارنا هناك نتيجة حجم الطلب، لكن في دمشق يمكن أن نحصل على ورشة كل عام بدون مبالغة، وان حصلنا على عمل خارج دمشق، تكون الصعوبة التي نواجهها، هي بنقل المعدات والمواد الأولية لمسافات بعيدة، والتكاليف التي تترتب علينا وعلى الزبون».
وتابع «اليوم اعتمد على مبلغ مالي يرسله لي ابني المتواجد في الخليج بالإضافة إلى محل صغير افتتحته منذ مدة قصيرة، على أمل أن تعود الأمور في الريف إلى ما يرام».

تبديل المهن


«أبو رامز» في الستين من عمره، كان يعمل في بناء المنازل بمناطق العشوائيات، لم يخرج من بيئة عمله، لكن ارتفاع أسعار مواد البناء وقلة الطلب لشراء المنازل في هذا المناطق، وارتفاع الطلب على الاستئجار، دفعه لتبديل مهنته.
وقال «اضطررت لافتتاح محل منظفات في الحي الذي أقطن به، فالعمل بالبناء أصبح صعباً جداً في الوضع الراهن» مشيراً إلى أن «نقل معدات البناء ومستلزماتها أصبح من الأمور الصعبة جداً، عدا عن أنه هناك ركود في عمليات البيع والشراء بالعشوائيات، إضافة إلى ارتفاع الطلب على الاستئجار».

الاتهام وواقع الحال

ورغم هذه الشكاوى العديدة من قبل أصحاب المهن الحرة، اشتكى العديد من المواطنين من الأسعار التي يطلبها أصحاب هذه المهن لقاء عملهم ليحاولوا سد العجز الذي وقعوا به، واتهم البعض هؤلاء بأنهم أيضاً دخلوا سوق الدولار واتبعوا طرق التجار في رفع الأسعار للحصول على أكبر نسبة من الربح لتعويض فروقات الأسعار على حساب المواطن.