البحث العلمي حقائق ومؤشرات 2/3
د. م. عفيف رحمة د. م. عفيف رحمة

البحث العلمي حقائق ومؤشرات 2/3

بحثاً عن المعلومة:

تعتمد بعض المؤسسات العلمية والدولية في تصنيفها للجامعات على معايير تتناول مجموعة من القضايا مثل سمعة المؤسسة التعليمية وأعضاء الهيئة التدريسية وتواجدهم على صفحات الشبكة العنكبوتية، سمعة الخريجين في سوق العمل، التنافسية بين الطلبة، المعدل السنوي لنجاح الطلبة، عدد الأساتذة الزائرين، الميزانية المخصصة للأبحاث العلمية، الأوراق العلمية المنشورة في مجلات عالمية مرموقة، وتبقى مصادرها الرئيسة محركات البحث الإحصائية عبر الأنترنت وما تقدمه الدول من معلومات.

من هذه المؤسسات التي نجدها على الشبكة العنكبوتية، موقع تومسون رويترز Thomson Reuters Web of Knowledge لقواعد البيانات والمعتبر من أهم مصادر تقييم الحركة العلمية في العالم، وموقع 4International Colleges & University، كما يأتي ليرفد هذه المؤسسات في التقييم العام للجامعات معهد اليونيسكو للإحصاء، تقارير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، البنك الدولي، اتحاد الجامعات العربية، منظمة المجتمع العلمي العربي، وغيرها...

ما يعترض عليه البعض في الرجوع إلى هذه المصادر هو شبهة اعتمادها على معايير ذاتية لاموضوعية في التقييم أو عدم أخذها بالاعتبار الظروف السياسية التي تمر بها بعض الدول مثل الحصار الاقتصادي أو العلمي، فإذا قبلنا جدلاً بوجود الذاتية واللاموضوعية فإن هذه اللاموضوعية تفقد طبيعتها وتصبح موضوعية في شكلها النسبي حين تتم المقارنة والمقاربة بين دول ومؤسسات تعليمية تجمعها قواسم مشتركة كمواقف الغرب السياسية والضغوط الاقتصادية التي تتعرض لها، فمقاطعة الغرب للمؤسسات التعليمية في سورية ليس أكثر وطأة من تلك التي تتعرض لها كوبا أو إيران أو فنزويلا وبالتالي تصبح المعلومة موضوعية بمؤشراتها كونها نسبية لا مطلقة.

وقد يجد البعض في المصاعب التي تواجهها دولنا (النامية) عذراً لتبرير التقصير والتقاعس في النهضة العلمية، غير أن دولاً أخرى مرت بالظروف ذاتها التي كانت دافعاً ومحرضاً لنهضتها، مرّ الاتحاد السوفييتي خلال الحرب العالمية الثانية بظروف من الحصار القاسي، كما مرت كوبا بحالة مماثلة في ستينيات القرن العشرين ولا تزال تحت الحصار، وها هي إيران وفنزويلا تمر بالظروف ذاتها من الحصار الاقتصادي والعلمي والسياسي.

أين جامعاتنا من النهضة العلمية؟

حسب الموقع 4International Colleges & University وهو يهتم منذ 2005 بتقييم نحو 11160 جامعة ومعهداً عالياً ومؤسسة تعليمية موزعة في أكثر من 200 دولة، جاء التصنيف العالمي لجامعة دمشق (الأولى في الترتيب الوطني) في الترتيب 4778 مقارنة ببعض الجامعات التي نالت الترتيب الأول في دولها مثل جامعة بكين في الصين (43)، سان باولو في البرازيل (63)، معهد التكنولوجيا في بومباي الهند (76)، الأناضول في تركيا (153)، الجامعة العبرية في «إسرائيل» (213)، كاب تاون في جنوب إفريقيا (239)، طهران في إيران (342)، معهد التكنولوجيا في ماليزيا (400)، القاهرة في مصر (707)، لوس أنديز في فنزويلا (794)، النجاح الوطنية في فلسطين (1234)، فييتنام الوطنية في فييتنام (1324)، هافانا في كوبا (1806)، القديس يوسف في لبنان (1813)، الخرطوم في السودان(1837)، هواري بومدين في الجزائر (3548). علماً بأن عدد الجامعات في إيران 265 جامعة ومعهداً، وفي كوبا 16 جامعة، وفي فلسطين 12 جامعة ومعهداً.

ووفق ما ورد في تقرير اليونسكو الإقليمي لعام 2008 فقد سجل لسورية 7500 عضو هيئة تدريسية يعملون في الجامعات الحكومية بينهم 560 باحثاً فقط (يعمل ولو نظرياً في البحث العلمي)، بمعدل 29 باحثاً لكل مليون نسمة، بينما حققت المغرب المعدل 782، الكويت 833، الإمارات المتحدة 875، الجزائر 906، مصر 1350، تونس 1400، الأردن 1700 باحث، علما أن العدد المتوسط على المستوى العالمي يبلغ 1081 باحثاً لكل مليون نسمة، في حين أظهرت دراسة لليونسكو نشرت عام 2006 بأن في دولة الكيان الإسرائيلي 1395 باحث لكل مليون نسمة وفي الاتحاد الأوربي 2439 وفي أمريكا 4374 باحثاً.

معدل نمو البحث العلمي

من جملة المعايير المعتمدة في تقييم نشاط الدول والجامعات في مجال الأبحاث العلمية، عدد الاستشهادات العلميةCITATIONS  الواردة في الأوراق العلمية لباحثين آخرين وهو مؤشر مصداقية لقيمة الإضافات العلمية وجدية وجودة هذه الأعمال والأبحاث، ورغم كل ما يمكن أن نسجله من ملاحظات حول هذه المعايير وما قد يصاب به علماء وباحثو دول العالم الثالث من تضييق على نشر إنتاجهم العلمي إلا أنه في إطار الدراسة المقارنة التي اعتمدناها في هذا العرض والتحليل، لا يمكننا إلا أن نقبل بأن النشر العلمي في المجلات العلمية المرموقة في العالم من أفضل المؤشرات التي تحدد مستوى التقدم العلمي للدول ومؤسساتها التعليمية، وانعكاس صحيح وسليم لحقيقة ما أنجز من أبحاث علمية جادة على المستوى الوطني لكل بلد.

ورغم ما ينسب لهذا المعيار من ثغرات من حيث احتمال التكرار والإقتباس أو عدم الأصالة والمصداقية وارتفاع الكم مقابل الجودة، لكنه يبقى من مؤشرات الظواهر العامة إذا ما قبلنا بأن عيوب النشر هذه وثغراتها واحدة في جميع أرجاء العالم حتى في الدول المتقدمة مع بعض الاستثناءات.

حسب حسابات «سيانس ميتريكس SCIENCE METRIX»، وبيانات «تومسون رويترز THOMSON REUTERS»  كان معدل نمو النشر من عام 1980 إلى عام 2010 كما يلي: إيران في المرتبة الأولى من حيث النمو العلمي إذ ارتفع فيها النشر العلمي بمقدار 11.07 ضعفاً خلال الفترة الواقعة بين عام 1990و عام 2009 مقارنة بإنتاجها العلمي خلال الفترة من عام 1980 إلى عام 1989، تلاها في الترتيب تركيا التي حققت نسبة نمو بمعدل5,47 أضعاف. أما سورية فكان نمو إنتاجها العلمي لا يتجاوز 1.52 في حين جاء النمو في بعض الدول العربية كالتالي: العراق 0.47، المملكة العربية السعودية 0.96، البحرين 1.0، مصر 1.0، الكويت 1.06، قطر 1.22، اليمن 1.33، لبنان 1.88، عمان 3.29.

لقد أظهر تقرير المعرفة العربي لعام 2009 أن نسبة ما نشرته «إسرائيل» من أوراق علمية إلى ما نشر في العالم بلغ 0.8% ويساوي نسبة ما نشرته الدول العربية مجتمعة، ووفق إحصاءات البنك الدولي لعام 2009 فقد سجل لسورية 72 ورقة علمية، في حين سجل 25 ورقة لليمن، 64 لقطر، 70 للعراق، 214 للكويت، 256 للبنان، 265 للإمارات، 383 للأردن، 391 للمغرب، 607 للجزائر، 710 للسعودية، 1022 لتونس، 2247 لمصر، و222 لكوبا، 354 لفنزويلا، 6313 لإيران، 8301 لتركيا، 19917 للهند، 74019 للصين، و6304 «لإسرائيل» (تقرير إحصاء 2010 البنك العالمي).

أما الدلالات المباشرة لهذه المعدلات فيمكن تبيانها من عدد الأوراق العلمية المنشورة نسبة لعدد السكان، وهو يعادل 3.3 ورقة علمية لكل مليون نسمة في سورية، 2.4 في اليمن، 6 للعراق، 13 المغرب، 17.4 للجزائر، 27 للسعودية، 28.8 لمصر، 29.3 البحرين، 40 قطر، 65.1 للكويت، 67.8 الأردن، 68.1 للبنان، 108 لتونس، و12.5 لفنزويلا، 17.6 الهند، 22 كوبا، 59 الصين، 87.1 إيران، 120 تركيا، و838 لإسرائيل (تقرير إحصاء 2010 البنك العالمي)

هذا الإنخفاض في النشر العلمي ليس آنياً وطارئاً بل هو تعبير عن حالة من الترهل العلمي المتنامي في سورية 66 ورقة عام 2008 و80 ورقة عام 2007) وهذا لا يمكن تفسيره إلا بالشروط الفاعلة في مستلزمات التعليم العالي والبحث العلمي.

فنشر 72 ورقة علمية من سورية لعام 2009 (حسب البنك الدولي) يعني أن 100/1 فقط من أعضاء الهيئة التدريسية في الجامعات الحكومية أجرى بحثاً علمياً (إذا تم اختزال هذا البحث بورقة علمية واحدة فقط)، وهذه النسبة المتدنية جداً تطرح سؤالاً جوهرياً واحداً حول جدية حكوماتنا في التعامل مع البحث العلمي، كما وتطرح مجموعة من التساؤلات التي تتعلق بجملة من القضايا مثل: كفاءة أعضاء الهيئة التدريسية في كتابة ورقة علمية صالحة للنشر في مجلات عالمية، المستوى اللغوي لأعضاء الهيئة التدريسية، مدى الاهتمام بالبحث العلمي والنشر، حقيقة وجود استراتيجيات للبحث العلمي، وتوفر الإمكانيات اللازمة للبحث العلمي.....