النزوح القسري... الوجه الآخر للموت!
محمد هاني الحمصي محمد هاني الحمصي

النزوح القسري... الوجه الآخر للموت!

في «بورصة» الأزمات التي تتحكم بحياة المواطن السوري اليوم، تأتي مشكلة النزوح القسري لأبناء المناطق المتوترة في البلاد أحد أهم المؤشرات على المستوى الكارثي الذي وصل إليه الوضع، فإلى جانب الموت المجاني الذي حصد أرواح عشرات آلاف السوريين من مدنيين وعسكريين، تتعدد الأزمات التي لا تقل وطأة أحياناً عن الموت نفسه، فما معنى أن تجد أسرة نفسها وهي تفترش أرض حديقة أو ساحة عامة، وتلتحف السماء؟

خارطة النزوح في دمشق

يقدر عدد النازحين في مدينة دمشق بحوالي أربع مئة ألف نازح هربوا إليها من جميع محافظة القطر المنكوبة وخاصة مدن (حمص- دير الزور – درعا – حلب- الغوطة الشرقية)، وبسبب ارتفاع إيجارات المنازل والشقق السكنية استقروا في بعض مدارس مدينة دمشق مثل (مساكن برزة – المزة – جرمانا – صحنايا)، لكن قسماً كبيراً منهم تم نقلهم إلى أماكن أخرى مع بدء العام الدراسي مثل الجوامع، والذين لم يحصلوا على مكان في هذه المدارس أو الجوامع افترشوا الحدائق (السبكي – تشرين – المرجة)، جميع هؤلاء غادورا مدنهم ومنازلهم خوفاً على أرواحهم، وأقاموا في هذه المناطق بعد أن سدت جميع الدروب بوجوههم وعجزوا بشكل تام عن دفع إيجارات البيوت المرتفعة في المناطق الهادئة.

النزوح .. حقائق ووقائع

تقول «س.ر»، وهي من سكان محافظة درعا: «أقيم أنا وعائلتي الآن في مسجد الحمزة والعباس بمدينة دمشق بعد أن هربنا من حوران حيث التوتر الأمني على أشده، ... في البداية كنا ننتقل من بيت إلى آخر بدرعا، وحاولنا قدر الإمكان عدم ترك محافظتنا، فذهبنا مرة إلى أم الميادين وانقسمت أسرتنا حيث توزعت بين بيوت عدد من الأقارب، لكن القصف لم يرحم مما جعلنا مضطرين لترك درعا والرحيل عنها بثيابنا دون أن تكون في حوزتنا مبالغ كافية من السيولة المالية ، فلم يكن أمامنا سوى اللجوء إلى جامع فنحن غرباء عن المنطقة ولا نعرف أحداً من سكانها. بالنسبة للطعام فنحن نحصل هنا على ما يكفينا من أهل الخير والإحسان. وأخي لا يزال يبحث عن عمل!».

يقول «يونس»، وهو أحد سكان بلدة المعضمية في ريف دمشق: «لقد اعتدى مسلحون على ممتلكاتي، وسرقوا محلي التجاري، ودمروا منزلي فهربت أنا وأخي إلى دمشق العاصمة، والآن نعمل بالتجارة ونقيم بأحد الفنادق بمنطقة المرجة بمبلغ 1000 ليرة سورية مقابل المبيت ليلة واحدة، وهذا المبلغ كبير غير أنه يبقى أفضل من إيجار البيوت والشقق السكنية حيث أن إيجار أقل شقة سكنية وسط العاصمة وفي المناطق المستقرة يتجاوز الأربعين ألف ليرة سورية». 

أما «و.ي»، وهو مواطن سوري من مدينة حلب، فيقول عن معاناته: «المعارك مستمرة في حلب، والإقامة هناك نوع من الانتحار، قصفونا بقذائف (آ ر بي جي) ورشاشات (بي كي سي)، وأصيب صديقي عمر بطلقة قناص وقتل أخي وأصيب ابني، تركنا كل ما نملك في حلب وجئنا إلى دمشق، غير أننا لم نجد مكاناً نلجأ إليه، وأنا لا أملك إلا مبلغاً بسيطاً من المال، فقررت أنا وزوجتي وأولادي الأربعة أن نقيم ولفترة مؤقتة هنا بحديقة المرجة نأكل وننام حتى الله يفرجها...».  

في حين يقول «أ.س» وهو أحد سكان قرية كفر بطنا في الغوطة الشرقية: «الحياة في كفر بطنا أصبحت مستحيلة، لقد صبرت لمدة طويلة غير إني منذ يومين أصبت بإحدى الشظايا بيدي، فقررت النزوح أنا وأمي وأبي العاجز وزوجتي وأخواتي الأربع إلى دمشق، لكنني في حيرة من أمري أين أقيم، أين أنام أنا وأسرتي؟ ».  

وتقول السيدة «م. س» وهي من حمص: «قصفوا منزلنا وأجبرونا على النزول إلى الشوارع لم نعرف إلى أين سوف نذهب، جميع الأماكن محاصرة، والرصاص محيط بنا من كل الجوانب، خرجنا من حمص بأعجوبة وليس معنا مايكفي من المال والمدخرات، في العاصمة...»، وتتابع «م.س» حديثها وهي تبكي فتقول: «نعيش هنا لحظات صعبة نتعذب دون ماء ولا طعام ولا كهرباء مشردين نتألم لا نجد الدواء ولا العلاج عند الحاجة نفترش الأرض لننام عليها هذه هي حالتنا باختصار».

ويعيش أغلب هؤلاء النازحين في وضع مأساوي، فالغذاء الضروري أحياناً يصعب الحصول عليه، والرعاية الصحية تكاد تكون معدومة، الأمر الذي أدى الى ظهور أمراض « منقرضة» بدأت تظهر مجدداً كالسل وغيره.

على الرغم مما يبذله الهلال الأحمر من جهود في مد يد العون لهؤلاء النازحين من خلال تأمين بعض المستلزمات الضرورية كالفرش والأغطية والأدوية وأدوات المطبخ، إلا أن حجم الازمة يفوق طاقتها، فتبدو عاجزة تماماً في بعض الأحيان، فيبقى النازحون تحت رحمة الواقع بكل مرارته.