للقمامة أنواع.. أقلّها خطراً المُلقى في المكبّات!
محمد دياب محمد دياب

للقمامة أنواع.. أقلّها خطراً المُلقى في المكبّات!

تقوم البلدان الصناعية «المتقدمة»، والتي لها حصّة الأسد في تلويث العالم وتدمير بيئته زيادةً لأرباحها بأقل تكلفة بما أصبح الآن يهددّ الكوكب بأسره، باستخدام أساطيلٍ تكنولوجية هائلة معدّة بأحدث التجهيزات المتخصّصة لفرز القمامة والنفايات، لإعادة تدويرها في الصناعة، ولتنقية بيئاتها وأجوائها، كي تبقى البلدان المتقدمة متقدمة، حتى لو استدعى الأمر إرسال نفاياتها إلى البلدان «الصديقة» من بلدان العالم «المتخلّف»، وخصوصاً النوويّة منها.

أما البلدان «المتخلّفة»، ومنها بلدنا، فتتبع تقنيةً أرخص في فرز القمامة وإعادة تدويرها لم تكن لتخطر في أذهان أيٍّ من المتحضّرين، تقنية أسهل ودون شهادة اختراع، تتمثّل بالاعتماد على جحافل من الفقراء وأطفالهم، جيوشٌ ممن يسمّون بالعاميّة (لمّيمة) وباختصاصات مختلفة ليقوموا بفرز النفايات وإعادة تدويرها، فهناك لمّيمة خبز يابس، لمّيمة كرتون، لمّيمة تنك...إلخ.

ليس للميمة وطن، وليس لجحافلهم لا نقابة ولا إطار، ولا يسجّلون في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، ولا نعلم فيما إذا كانت ساعات عملهم محسوبة عند الحديث عن نسب البطالة، على الرغم من أن  جحافل اللميمة تلعب دوراً وطنياً –من دون أن تدري-  في إعادة التوازن إلى الطبيعة في بلدانٍ أرهقتها التشوهات الليبرالية وفساد منظّريها، ولم يدفعهم إلى ذلك غير فقرهم، وحرصهم على كرامتهم في إتقاء ذلّ التسوّل، وذلك بتخليصهم الطبيعة من مخلّفات تحتاج إلى أكثر من 150 سنة كي تتحلل كالبلاستيك والمعادن (التنك) والكرتون، بمُعدّاتهم البسيطة (الأيدي والحبال والخيطان)، والمعقدة المتمثلة بنوع من المَركبات بثلاثة دواليب لا تُصنع إلّا في أحياء الوطن الفقيرة ولا تُسجّل في دوائر المرور ولاتحمل أرقاماً ولا أشكالاً.

في سورية وحدها تبلغ المخلّفات من القمامة يومياً حدود 1725طناً (1 كغ للشخص الواحد في المدينة، التي يشكل سكانها نصف إجمالي عدد السكان في البلاد تقريباً، ونصف كيلو غرام للشخص الواحد في الريف)، ومنه نستطيع أن نتوقع أن آلافاً من الناس تعمل في هذه المهنة ليشكلّوا جزءاً من ملايين الفقراء الآخرين.

بينما يصل تعداد الأساطيل إلى الملايين في بلدان عربية أخرى امتهنت كرامة مواطنيها في مكبات النفايات بعد أن أضاعت أنظمتها كرامة أوطانها.

تضيق الدنيا بتلك الجحافل يومياً، ويزداد بؤسها، فـ«الفقر لا يُعلم شيئاً، بل يقصّر العمر».. والفقر لا يهب الناس وعياً سياسياً لتغيير واقعهم، فلو كان الأمر كذلك لربما كان جياع أفريقيا وفقراء أندونيسيا وبنغلاديش الأكثر ثورية في العالم، لكن الجديد الذي تُعلمّناه من الثورة المصرية والتونسية أن فرز القمامة أصبح علماً أخذ يتسع ليضع إلى جانب الكرتون والتنك أنظمة فاسدة ورؤساءً مخلوعين.