ارتفاعات الأسعار المستمرة.. كابوس السوريين الأكبر!
يوسف خويص يوسف خويص

ارتفاعات الأسعار المستمرة.. كابوس السوريين الأكبر!

لا يتوقف قطار ارتفاع الأسعار الذي لا  تتجرأ  أية آلة قياس على تحديد سرعته لأنه يفوق كل إمكاناتها، فالسلة الغذائية الشهرية في حدها الأدنى التي تحتاجها أسرة من ذوي الدخل المحدود تتفوق على مدخولها الشهري بحده الأدنى بثلاثة أضعاف تقريباً، وفي ظل الارتفاع الملحوظ الذي أصبح من أكبر الكوابيس رعباً عند السوريين يقف أصحاب المال والنفوذ يترقبون زيادة أموالهم بأضعاف مضاعفة، بينما ينام المواطن على أمل أن يصحو على أخبار زيادة في الأجور لا ترافقها زيادة في الأسعار.

رغم كل هذه الظروف والضغوط المحيطة نجد التسليم للوضع الحالي من قبل المواطن والاستسلام للارتفاع المخيف بالأسعار وفق المقولة الشعبية الشائعة: «رفع أسعار المواد ولا فقدانها من الأسواق»، ذلك أن المواطن حفظ تماماً عملية رفع الأسعار بدءاً بالإشاعات والتسريبات بمختلف أشكالها، ثم اختفاء المادة من السوق والتعاطي مع حالة انقطاع المادة وكأنه قدر لا راد له، فلا موظفو التموين ولا الجهات الرقابية ولا الإعلام ولا حتى المسؤولين يمكن لهم أن يقدموا تفسيراً و تحليلاً واقعياً لسبب انقطاع مادة استهلاكية من السوق، وبالنهاية تعود المادة إلى السوق... «تعم البهجة قلوب المواطنين وتعج الشوارع والساحات والحدائق بجموع الناس المبتهجة..»؛ وقد تبدو تلك الجملة مجرد سخرية، لكن الإعلام الرسمي يصل إلى ما يشبه ذلك في محاولاته التقليل من شأن ارتفاع الأسعار مع تجاهل أسبابها وآثارها، حتى أصبح للمواطنين أمنية وهي أن يتم رفع جميع الأسعار مرة واحدة لكي تنتهي لعبة المفاجآت التي يمثلها ويلعب فيها التاجر  دور  البطولة.. والمواطن، وهو المشاهد، المجبور على خوض تلك اللعبة دون موافقته على خوضها بالأصل.

الدولار ارتفع..

تساق ارتفاعات الأسعار جميعها بذريعة أن الدولار ارتفع، ويبدأ ذلك من بائع الخضار وصولاً إلى المستوردين الكبار. ومن المدهش أن تجد في الآونة الأخيرة الشعب كله يتحدث عن الدولار سواء أكان تاجراً يتلذذ أو مواطناً يتألم من المعايير الجديدة، الجميع يتكلم عن الدولار ويراقب الدولار حتى إن لم يمتلك ولو نصف دولار، ففي يوم 7 أذار 2012 اليوم الذي خسر فيه السوريون نصف ثروتهم والتي تكلمت عنه كل الصحف المحلية عندما تجاوز سعر صرف الدولار أمام الليرة السورية عتبة الـ100 ل. أي، كان ارتفاعه بنسبة  %100،  على أن الدولار كان قبل الأزمة 48 ل.س، لتقفز الأسعار محلقة بالسماء وكأن كل شيء في سورية يرتبط بالدولار، فحتى تلك المواد المحلية الكثيرة التي لاترتبط عملياً بشكل مباشر بسعر صرف الدولار ارتفعت أسعارها، والغريب أن هذه المواد ارتفعت أسعارها بالمقدار الذي ارتفعت به أسعار القطع الإلكترونية نفسها، علماً أن هذه الأخيرة تعتمد على الدولار فعلياً كونها مستوردة من دول غربية. والسؤال هنا هل انخفضت الأسعار بعد انخفاض سعر صرف الدولار؟!

في 14/3/2012 انخفض سعر الدولار حسب نشرة مصرف سورية المركزي إلى 1 دولار = 73 ل.س ، ومن الطبيعي أن تشهد الأسعار انخفاضاً طالما كانت الذريعة الأساسية لارتفاعها ارتفاع الدولار، وتحديداً بعد 7 آذار، ولكن الصدمة كانت بعدم انخفاض أسعار المواد بشكل عام، أو تسجيل انخفاض طفيف لا يذكر على سعر جزء من المواد التي هي أصلاً لا علاقة لها بارتفاع الدولار لأنها مصنعة محلياً.

ألم يحن  الوقت لكي تضرب الدولة على يد كل من كان له دور بتدهور وضع المواطن المعاشي؟ ألم تحن بعد ساعة محاربة قوى الفساد التي كان لها الدور الأكبر في تصعيد الأزمة واللعب في لقمة عيش المواطن؟!!

ألم يحن الوقت لتفعيل دور مؤسسات الدولة التي غابت عن أذهان وعيون الشعب منذ بداية الأزمة وحتى ما قبلها؟ ألم يحن الوقت لتفعيل النقابات العمالية بدورها الصحيح بحيث يستطيع العامل والموظف إيصال صوته من خلالها إلى الجهات المعنية لتعمل على حل مشكلاته المستجدة  دون الابتعاد عن واقع الأمر الذي يعيشه المواطن؟!.

يحق لنا، نحن المواطنين، بل من واجبنا اليوم الوقوف بحزم إزاء كل تلك التجاوزات، بعد التجربة القاسية التي مررنا بها وبعدما اختبرنا الليبرالية وآلامها الاقتصادية الاجتماعية بداية وآثارها المدمرة وطنياً لاحقاً، من واجبنا الوقوف بحزم إزاء كل ما يمكن أن يعيد خلق الأزمة الحالية التي لم تحل بعد، يعيد خلقها لكن بأشكال أعقد وأخطر، من واجبنا التخلي نهائياً عن الحالة الاستكانية والموقف الانهزامي تجاه كل الفساد وكل النهب وكل الخيانة.. ومن واجبنا أن نرفض الاستقواء على الشعب والتعامل معه كالقطيع.. من واجبنا النضال.. كما هو من حقنا الحياة بكرامة!..