مستنقعات الفساد... والفرص الضائعة!

مستنقعات الفساد... والفرص الضائعة!

تكاد سوق «الحرامية» منذ وجودها في دمشق تكون أكثر الأسواق نشاطاً في تجارة الأشياء المستعملة، وتتنوع بضائع هذه السوق من ملابس وساعات ومستلزمات منزلية مختلفة الاستخدامات إضافةً إلى أجهزة الموبايل، وصحيح أن كثيرين يجدون في جنبات سوق الحرامية ما يرضي خاطرهم إلاّ أن الراضي الأول والأخير في تلك البقعة الموسومة يبقى التاجر «الحربوق»، وخاصةً ذلك الذي استطاع حتى الآن النجاة من شعارات لجان حماية المستهلك ومحاربة الفساد فأضفى بقدراته التحايلية العالية مزيداً من المصداقية على اسم السوق لتصبح سوق «حرامية» حقيقية بامتياز.

إن اللافت في موضوع السوق هو أنها تمتلئ بألعاب «الخفة» وعمليات «النصب الذكي» رغم وقوعها وسط العاصمة محاطةً برجال الشرطة (المرور والداخلية) من كل اتجاه، أما المزعج فيه فهو السعي الرسمي المعلن لحماية المستهلك ومحاربة الفساد في كل مكامنه ولكن بعيداً عن هذه السوق التي يتبجح معظم تجارها بكونهم موسوعات بشرية في فنون الفساد واقتناص مأكل الكتف!.

كان الناس يتعاطفون في السابق مع العاملين في هذه السوق، ولكن ازدياد المشكلات الناجمة عن وجودها في «بطن» المدينة جرّد الناس من تعاطفهم وقلب موقفهم إلى المعارضة، فـ«السوء» الذي تزخر به سوق الحرامية لا يقتصر على خداع الزبائن وبيعهم أشياء قد تكون مسروقةً (فعلاً أو مجازاً)، وإنما يمتد إلى أركان أخرى تتعلق بتشغيل الأطفال ودفعهم للانخراط في لعبة الفاسدين، سواء من حيث الترويج أو المراقبة لحماية البسطات من «كبسة» مغايرة للعادة يقوم بها عناصر الشرطة.

خلاصة القول: إن استمرار الفساد الكبير خلف الكواليس وعلى الخشبة الكبيرة يساهم بشكل آو بآخر بازدياد أعداد الفاسدين الصغار، فالقوي ينشر ثقافته حيثما حل، والفاسدون للأسف هم الأقوياء في اللعبة الاقتصادية اليوم. ومن جهة أخرى من الواضح أيضاً أن ازدياد الحاجة إلى العمل الشريف يدفع بكثير من الشباب القادر على العطاء والإبداع إلى الانخراط في ألعاب «الخفة» التي تشتهر بها سوق الحرامية ومثيلاتها، وهذا دون شك يمثل فرصاً ضائعةً على الاقتصاد والتنمية الاجتماعية يمكن تقدير عددها بعدد المنضمين إلى مستنقعات الفساد نفسه والحبل على الجرار، وفي حال لم تتولّ الجهات المعنية ردم مستنقعات الفساد هذه، فإن مستقبل عدد كبير من الشباب سيأخذ منحى مغايراً لما يفيدهم شخصياً ويفيد بلدهم بكل تأكيد، لاسيما وأن فرص العمل آخذة بالانحسار دقيقةً بعد أخرى.