جزيرة أرواد.. مشاكل متراكمة أكبر من حجمها
محمد سلوم محمد سلوم

جزيرة أرواد.. مشاكل متراكمة أكبر من حجمها

تعتبر  أرواد الجزيرة الوحيدة على شواطئ البحر المتوسط، تبتعد عن طرطوس 5 كم من الميناء إلى الميناء، ثلثا أهلها يعيشون في طرطوس والثلث الآخر يعيش في بقعة جغرافية تعتبر الأكثر كثافة سكانية في العالم، معظم أهلها يعتاشون من أربعة مصادر للدخل؛ 

إما الوظيفة في دوائر الدولة وعلى قلة الدخل من هذا الباب فقد بدأ يتراجع، وإما يجوبون العالم على ظهر السفن كورثة للفينيقيين، وهذا الدخل أيضاً بدأ بالتراجع منذ الأزمة الاقتصادية العالمية الأخيرة، وإما يعتاشون على الصيد الذي بدأت غلاله بالتراجع كذلك لأسباب عديدة، وإما يسيرون مراكبهم لنقل المواطنين والسياح بين أرواد وطرطوس، والتي كادت تفجر أزمة اجتماعية بين الأهالي وأصحاب هذه المراكب.

جمعية نقل الركاب

قبل سنتين كانت جميع زوارق النقل تعمل ضمن جمعية، وكان هناك مجلس إدارة يدير هذه الجمعية وينظم الدور ويشرف على الصندوق ويوزع الغلة بالتساوي على كل مركب حسب عدد السفرات بغض النظر عن عدد الركاب، وما كان يميز هذا النظام العادة الاجتماعية المتوارثة عبر التاريخ والتي تعتبر كترحيب بالزائر حيث لا يأخذون الأجرة عند قدومه إلى الجزيرة وإنما تؤخذ عن الذهاب والإياب عند المغادرة، وكان أهالي الجزيرة مرتاحين لسرعة تنقلهم سواء كان لعملهم في طرطوس أو زياراتهم لبعضهم كأطراف العائلة الواحدة قسم يعيش في طرطوس والقسم الآخر في الجزيرة، لكن منذ سنتين زاد عدد المراكب ودخلت على الخط زوارق كبيرة سعة أكثر من مائة راكب صممت للسياحة لكنها عملت على خط نقل الركاب، ووصل عدد الزوارق المرخصة لنقل الركاب إلى ما يقارب 120 زورقاً بين متوسط وكبير، حوالي ثلاثين زورقاً يعمل كخدمات في مرفأ طرطوس والباقي لنقل الركاب والزائرين والسياح، وهناك من دخل على الخط كمستثمر امتلك عدة زوارق وهو لا يعمل عليها، وعلى ما يبدو هناك من ليس له مصلحة بهذا النظام المتبع في الجمعية.

وفي ظل غياب الجهات الرسمية لحل هذه المشكلة، بدأت المشاكل تعصف وبدأت الاتهامات من اختلاس أموال الصندوق إلى عملية تسجيل دور وهمي لبعض الزوارق، مثلاً: يأتي اتصال من ميناء طرطوس للزوارق إلى ميناء أرواد كي يبعثوا زوارق بسرعة لأن هناك ركاباً، فتذهب عدة زوارق دون ركاب ولا تعود بركاب أيضاً لأنهم غير موجودين، فشهدت العلاقة بين أصحاب الزوارق أو العاملين عليها توتراً وصراعاً، وبينهم وبين القائمين على الجمعية صراعاً من جهة أخرى، وبكل بساطة ونتيجة عفوية وشفافية ابن هذه الجزيرة كنا نلاحظ هذه المشاكل على رصيف الميناء أو داخل المركب، كما نلاحظ الآن هذه المشاكل الجديدة، ففرطت الجمعية وبقيت بالشكل فقط وعلى الورق، تسمى باسم شخص وتدار باسم شخص آخر أقوى منه لكنها غير مفعلة.

شكوى الأهالي

وصل إلى مكتب «قاسيون» شكوى مقدمة من أهالي أرواد إلى محافظ طرطوس موقعة من 400 مواطن يعيشون في الجزيرة، يشكون فيها الفترة الزمنية التي ينتظرونها جالسين في المركب تحت شمس الصيف عند ذهابهم وإيابهم ساعات تطول أحياناً، وكل زورق لا يمشي حتى يحمل ضعف ما هو مخصص له دون مراعاة عوامل الأمان من عدم وجود عدد من أطواق النجاة على المركب أو الحمولة أو توزع الركاب على كل أجزائه وهذا ما يشكل خطورة وخاصة في الظروف الجوية غير المناسبة، إضافة إلى الأجرة الزائدة التي يتقاضونها، وطالبوا بالتقيد بالعدد المخصص لكل مركب وإخراج الزوارق الكبيرة من نقل الركاب لأنها مخصصة للرحلات السياحية وليس للنقل.

وذكر من التقتهم «قاسيون» من الأهالي حالات وحوادث حصلت نتيجة تأخر الزورق، مثلاً: بائع حليب نتيجة الحر والتأخير فسد الحليب، فرماه في البحر وعاد إلى بيته.. امرأة لديها مشاكل صحية (فتبهدلت أمام الركاب).. رجل مريض في القلب بالكاد أسعفوه باللحظة الأخيرة.. حالات تأخر عديدة وكثيرة تضطر البعض لأن يدفعوا أجرة طلب خاص لا تقل عن 800 ليرة بدل عشرين ليرة.. الخ.

هذه الظروف السيئة حولت حركة أهالي أرواد أو من لديهم عمل خارجها إلى خسارة في الوقت وأخرى مادية لا يستطيعون تحملها، فانخفضت الزيارات المتبادلة بين الأهالي وأصبحت في حدودها الدنيا ما فاقم سوء الوضع أكثر، فقل عدد الركاب وزاد الوقت والخسارة المادية أكثر لمن هو مضطر.

أصحاب المراكب

شكا أصحاب المراكب من مخصصات المازوت والتي هي 40 لتر لكل مركب، إحدى المرات بقي الصهريج الممول 18 يوماً حتى وصل المازوت، وعندما التقيناهم قالوا لنا الآن له عشرة أيام، وأحيانا لا يكفي الصهريج منها للمراكب كلها بسبب سوء التوزيع، ومرات للنقص في السيولة لدى بعض أصحاب الزوارق الذين يعتاشون بشكل يومي على دخلهم، وبالتالي من يمتلك السيولة يأخذ أكثر من حاجته ومن ثم تباع بضعف السعر كما هو شائع في كل مادة مقننة، وبالتالي أصحاب الزوارق الفقيرة أمامهم حلان إما الشراء من هؤلاء بضعف السعر أو يذهبون ببوادينهم إلى محطات الوقود وبالتالي تصبح عملية نقلهم مكلفة إلى الضعف أيضا، وبالوقت نفسه ذكروا لقاسيون بأنه نتيجة للوضع الأمني في البلد انخفضت السياحة إلى أرواد في حدودها الدنيا، وللعدد الزائد من المراكب أصبح لكل مركب رحلة ذهاب وإياب في اليومين، وكل رحلة تكلف وسطياً / 500 / ليرة، ونريد أن نعيش بالبقية ليومين .

البلدية والموانئ : الموانئ هي الجهة المشرفة على عملية النقل، وقالوا بان ما ذكره أصحاب المراكب جزئيا صح، لكن هناك من يملك عدة زوارق ومنها كبيرة، ومعاناة الزوارق مثل معاناة خطوط السرافيس أو التاكسي في البلد، عددها ازداد كثيرا والركاب قلوا، من منا يسافر إلى دمشق ولم يلاحظ أحيانا بولمانا فيه عدد من الركاب قد يكون النصف أو الربع أو حتى عدد قليل من الركاب، أقصى ضريبة تفرضها الموانئ هي / 2000 / ليرة لكل زورق في العام ولا يوجد أية رسوم أخرى، وقال لنا البعض بأن زورقا كبيراَ انتظر حتى عبأ ما يقارب / 160 / راكباً، هذا أخذ دور خمسة زوارق، يجب أن يلتزموا بالدور وبوقت زمني وهذا عامل مهم في سرعة الحركة وبالتالي تعود حركة الركاب وتنقلات الأهالي إلى عهدتها إلى أن يتحسن الوضع الأمني وتعود إليهم أرباحهم المضاعفة .

أما البلدية كان رأيها من رأي المواطنين، وطالبوا بالالتزام بعدد الركاب المعلن على كل زورق، والعودة إلى الدور وتفعيل الجمعية مع إيجاد صيغة جديدة للمراقبة أكثر من السابق وبهذه الحالة تعود الحركة جزئيا لأن المتضرر الوحيد هو ابن جزيرة أرواد، وهذا المواطن أعطانا ثقته وسنعمل على خدمته، وسنبحث عن سبل بديلة تخفف من معاناته .

من المسؤول؟

هذه المعاناة هي مدخل وجزء من معاناة أهالي الجزيرة الصغيرة، فمن تجمع القمامة في طرف البلدة وعدم وجود (ماعون) لترحيلها، إلى المياه المتدفقة من الينبوع إلى البحر وتهدر دون الاستفادة منها، إلى الصيد الجائر وخاصة بالديناميت والجميع يؤكد أنهم من خارج أهالي الجزيرة، ورغم الشكاوى المتتالية للجهات المعنية لهذه الظاهرة الخطيرة على بيض السمك ويرقاته، ومكونات البحر وأحيائه، وبالرغم من أن صناعة السفن الخشبية حرفة توارثوها منذ الفينيقيين ويبدعون فيها، وما ذكرته قاسيون عن سفينة (فينيقيا) التي صنعت في أرواد وعجزت عنها كل بلدان البحر المتوسط خير دليل على ذلك، وبالرغم من تصديرهم لهذه السفن إلى بلدان أخرى، مازالت هذه الحرفة في العراء دون تنظيمها في منطقة صناعية خاصة بها رغم الوعود الكثيرة بذلك من الجهات المسؤولة، وصولاً إلى نقل ملكية (الحبيسات) دون علم بلديتها وأهلها، وإلى غياب الاستثمار فيها  لسياحتها أو تاريخها فتحولت عبر الزمن من مملكة تتبع لها ممالك إلى بلدة مهملة تابعة.

وكلمة حق تقال: إن مجلس بلدية أرواد يعتبر نجاحه في الانتخابات كان طفرة بالنسبة لمجالس بلديات أخرى في المحافظة، سواء من حيث الكادر ووجود العنصر النسائي ونزاهة الانتخابات، إنه يمتلك النية الصادقة في العمل ولديه الإرادة والرؤية، ساعدوه لينقل أرواد إلى حالة أفضل.