فساد التعليم.. أم فساد المعلمين؟!  بعض الجامعات السورية تتحول أداة لقتل طموح الأجيال!

فساد التعليم.. أم فساد المعلمين؟! بعض الجامعات السورية تتحول أداة لقتل طموح الأجيال!

لم ينؤ قطاع التعليم في البلاد بنفسه عن الأزمات التي لحقت بكل القطاعات منذ ربيع 2011 تحت مظلة الأزمة الوطنية الراهنة، ويبدو وكأن انخراطه في الأزمة ما هو إلا استكمال للواقع المتردي أصلاً الذي كان يعيشه هذا القطاع قبل اندلاع الاحتجاجات في البلاد، لكنه اليوم يلبس حلة جديدة جريئة بسبب غياب الحسيب والرقيب.

مضى عامان دراسيان والطلبة السوريون والمعلمون على حد سواء يحاولون التكيف مع الظروف الجديدة، ويبدو أن هذه المحاولات تلاقي دروباً مسدودة في كل مرة، وذلك بعد توسع مناطق التوتر الذي فرضته الأزمة، وازدياد التصعيد وانقطاع الطرق، وتهديد الطلبة والمعلمين وقتل بعضهم، كما حدث في ديرالزور! كل ذلك ومازال السوريون يصرون على الاستمرار في التعلم غير أن تمركز الفساد وسيطرته على مفاصل الدولة، ومفاصل هذا القطاع بالذات، سول للكثير من المتنفذين ضعاف النفوس في هذا القطاع استغلال الأزمة أسوة بشركائهم في القطاعات الأخرى، إلى أن صارت المتاجرة بمستقبل الطلبة عرفاً على ما يبدو، تماماً كما هي المتاجرة بغيرهم في البلاد!

 

إحباط مضاعف

في هذه الأيام تتقاطع امتحانات الشهادة الثانوية والتعليم الأساسي مع الامتحانات الجامعية السورية، وفي الوقت الذي يعاني فيه الطلبة من الوضع الأمني المتدهور، تتحول الجامعات السورية إلى استثمار جديد لبعض أصحاب القرار فيها من دكاترة وعمداء كليات، ففي إضاءة بسيطة على مساحة في كلية الآداب/ قسم اللغة الفرنسية، نجد نموذجاً موضوعياً شديد الوضوح، إذ يعيش الطلبة في هذا القسم حالة من الإحباط الشديد بعد أن واجهوا حقيقة عدم قدرتهم على تجاوز الامتحانات، ليس بسبب عدم كفاءتهم أو سوء تحضيرهم لها بل بسبب مزاجية بعض المدرسين في هذا القسم وفساد البعض الآخر، ويبدو أن ثقافة الإحباط تم توارثها منذ زمن بعيد بين الطلبة، لكن في ظل الأزمة أصبحت الفرصة لاستغلال الظروف أسهل وبالتالي تعزز هذا الشعور لديهم.

ويرى طلاب السنة الأولى في هذا القسم أن الدخول إلى الحياة الجامعية هو غلطة العمر، ويتساءلون عن السبب في هذا الفشل.. وبقليل من البحث اكتشفوا أنه عليهم معرفة نسب النجاح والرسوب لدى كل مدرس وعلى أساسه يتقبلون أو يرفضون رسوبهم!.. إذ تصل نسب النجاح عند أحد المدرسين إلى 2 ــ %3 وذلك في مادة تعبير كتابي، ويعتمدون في ذلك الاستنتاج على نصائح زملائهم في السنوات الأعلى.

تقول إحدى الطالبات: «لقد راجعت دكتور المادة لإعادة تصحيح ورقتي الامتحانية لكن لم يتم الرد على طلبي، وقد تفاجأت أنني يجب أن أدفع 500 ل.س على كل اعتراض أو طلب أتقدم به، ثم لجأت إلى عميد الكلية لكنه أجاب بأنها ليست مشكلته، وفي حديث مع أحد الزملاء في اتحاد الطلبة نصحني بالتوجه إلى الوزير لكنني لم أجد الطريق للوصول إليه»...

 

«شو جابرك ع المرّ»؟!

تكمن المشكلة عند الطالبة (آ. ف) وكثيرين من زملائها، بأنهم قبلوا عن طريق مفاضلة التسوية وهو نظام اعتمد حديثاً، حيث يقوم الطلبة الذين لم تسمح لهم علاماتهم بالالتحاق بجامعات في مناطقهم، بالتفاضل على جامعات في مناطق أخرى والالتحاق بها، والمهم هنا هو أن نتائج هذه المفاضلة ظهرت في شهر 12/2011، أي بعد مضي الفصل الدراسي الأول تقريباً، وبالتالي لم يتسن للطلبة حضور الجلسات الدراسية للمقررات.. وتقول (آ.ف): «حاولنا أنا وزملائي الاعتماد على أنفسنا لكن أغلب المواد لا تتوافر كتبها في مكتبة الجامعة، كما أن اللغة الفرنسية تحتاج لمراجع ولا يمكن الاعتماد على الملخصات فقط، فقمنا بمراجعة عميد الكلية حتى نطرح المشكلة لكنه أجاب بأن عدم توفر الكتب ليس ذنبه».

تضيف إحدى الطالبات الأجنبيات: «أنا أتكلم الفرنسية منذ طفولتي، وهي لغة معتمدة لدينا، لكنني تفاجأت بأنني لم أنجح سوى بـ 5 من أصل 7 مواد في الفصل الأول بالرغم من أنه يعتبر إنجازاً في هذا القسم، لكن ماذا سأقول لأهلي الذين يتوقعون مني التفوق؟ لقد أصابني الندم بعد التحاقي بالجامعة السورية، والآن سأقدم 8 مواد وسأضطر للبقاء هنا رغم سوء الأحوال لأعيد تقديم موادي في الدورة الثانية»، وتستطرد: «حصلت على 11 علامة في الجزء العملي من مادة التعبير الكتابي، وذلك من أصل 20 علامة، وهذا يعد تفوقاً، وفي الامتحان أجبت عن السؤال الوحيد المطلوب، والذي تبلغ علامته 80 علامة، فهل يعقل أن مدرس المادة لم يعجب بأية جملة من جملي؟!».

 

وقف القروض

وفي العودة إلى دراسة المقررات يقول البعض إنهم حاولوا الحصول على قروض لأجهزة المحمول كي يتمكنوا من الدراسة على أقراص سماعية، لكن القروض تم إيقافها من بنك التسليف الطلابي، فحاولوا أن يكتبوا المحاضرات خلال إلقائها، لكن عددهم مؤلف من 2000 طالب وما يزيد، وهم موزعون على 3 مدرجات وهذا يجعل سماع دكتور الجامعة يلقي محاضرة باللغة الفرنسية أمراً مستحيلاً!.

ويقولون إن هناك مدرسين لا يداومون في الكلية سوى عدة جلسات يتم خلالها تحديد مقرر يمتحنون الطلاب على أساسه وكان دكتور مادة الثقافة القومية مثالاَ على ذلك.

ثم يعود الطلبة إلى أزمة الدراسة المعتمدة على الذات، إذ أن السكن الجامعي لا يؤمن مناخاً ملائماً للدراسة فالحر الشديد واستخدام الممرات أو النزول إلى الساحة بات ممنوعاً بسبب الظروف الأمنية، وقاعات الدراسة قليلة وغير مجهزة، وفي الشتاء كان البرد شديداً ولا تتوافر مياه ساخنة ولا وسائل تدفئة، كما أن انقطاع الغاز طال الطلبة فلم يعد هناك ما يستخدمونه للطبخ، وبالتالي اعتمد غذاؤهم على سندويش البطاطا والفلافل لأنه الأرخص.. وتقول إحدى الطالبات: «لقد تقدمت شخصياً بطلب استخدام الكهرباء للطبخ، لكن مدير السكن الجامعي رفض طلبي وقال إن هذا أمر وزاري، وبناء على هذا الظرف تم رفع الأسعار في أكشاك المدينة الجامعية والمحلات المجاورة حيث تضاعفت أسعار المواد الغذائية عدة مرات، وخصوصاً المعلبات والأطعمة الجاهزة وغيرها».

ثم تنتقل الطالبة إلى المكتبات التي تبيع الملخصات عوضاً عن تأمين الكتب، وهو ما يكلف الطالب عبئاً مالياً جديداً بالإضافة إلى اضطراره لإتباع دروس تقوية من زملائه في السنوات الأعلى، والذين يعتمدون على هذه الدورات لتأمين مصاريفهم، وبذلك تكون الجامعة سوق عمل جديد يتبع لنظام السوق الاجتماعية، حيث يكون الطالب فيه مادة الاستهلاك الحقيقية!!.

وتذكر الطالبة بأن اللجوء للدروس الخصوصية عند دكاترة المواد مستحيل، أولاً بسبب غلائها، وثانياً لأنهم يحجبون عنها، إذ أن سعر النجاح في كل المواد هو 40 ألف ل.س، وهو يوفر على دكتور المادة جهد تعليم الطلبة والوقت الذي يقضيه معهم في حال خضعوا للدروس الخصوصية، كما أنه يبعدهم عن المسؤولية القانونية، إذ تجري صفقات بيع الأسئلة سراً وبواسطة بعض الطلبة الذين يعتبرون سماسرة في الجامعة.

 

إدفع.. تنجح!

تقول إحدى الطالبات إنها ستدفع مقابل النجاح، في حين تتساءل أخرى: «كيف سأطلب من أهلي هذا المبلغ وبماذا سأبرر لهم؟ وتكمل هم يجبروننا على ألا نتعلم، وعلى اعتياد النجاح بأية وسيلة كانت إنهم يريدوننا ألا نتعلم ويستهدفون تحطيم طموحاتنا.. ونحن الآن ندفع ثمن حقنا في التعليم، ومن لا يستطيع ذلك سوف يعود إلى منزله، وهذا جرى في امتحان إحدى المواد التي قدمت بتاريخ 18/6/2012 حيث انسحب عشرات الطلاب من الامتحان وسافروا إلى أهلهم».

 

حلول معطّلة

يبرر بعض الطلبة ذلك فيقولون إن خيارهم في تعلم اللغة الفرنسية أو غيرها قد يكون الأفشل بعد معرفتهم بالواقع، لكنه يبقى الخيار الوحيد المتاح أمام كثيرين، لذلك لا يجب أن نلوم أنفسنا على أي سلوك نقوم به.. أما البعض الآخر فيرى الحل سهلاً جداً لكنهم يتساءلون لماذا لا يتم تنفيذه؟!.. إنه بكل بساطة محاسبة بعض الفاسدين من المدرسين وتأمين الكتب الجامعية وزيادة عدد المدرجات وتقسيم الطلبة على فئات حتى يسهل الشرح لهم، وكذلك تفعيل دور اتحاد الطلبة وإيجاد صلة بين الهيئات الإدارية والتدريسية والطلاب في الجامعات.

ناهيك طبعاً عن تحسين شروط السكن الجامعي وزيادة عدد الوحدات السكنية وضبط الأسعار وتأمين قاعات دراسية مناسبة وكافية، فذلك ليس بالأمر الصعب، لقد قام هؤلاء الطلبة بطرح المشكلة وطرح الحلول التي تناسب طبيعتها، ونحن إذ نضم صوتنا إلى صوتهم نطالب أيضاً بمراجعة قانون نسب الرسوب والنجاح وتحسين مستوى المناهج وآلية التعليم، والأهم من ذلك مكافحة الفساد في كل جوانبه ومواقعه، لأنه بات يهدد أجيالاً بأكملها!.