التدخل الخارجي بات قاب قوسين أو أدنى..  «قاسيون» تستطلع آراء المواطنين  حول المعركة الوطنية القادمة..
يوسف البني يوسف البني

التدخل الخارجي بات قاب قوسين أو أدنى.. «قاسيون» تستطلع آراء المواطنين حول المعركة الوطنية القادمة..

بات التدخل الخارجي بذرائعه ومبرراته وأدواته المختلفة، وبأشكاله السياسية والعسكرية المحتملة، حديثاً يومياً وهاجساً دائماً وقلقاً مستفيضاً للمواطنين السوريين، وكيف لا، وهو أسوأ ما يمكن أن يتعرض له شعب في أي مكان من العالم؟

وقد قامت «قاسيون» برصد أراء السوريين حول هذا الكابوس المرعب، فتباينت آراء المواطنين حوله، فمنهم، وهم الغالبية، عارضوا بشدة التدخل الخارجي بكل أنواعه وأشكاله، وأكدوا أن الشعب السوري لديه من الوعي السياسي والروح الوطنية والإحساس بالمسؤولية العالية، ما يجعله قادراً على حل أزمته بنفسه وتجاوُزِها، والوصول إلى سورية حديثة حرةديمقراطية تعددية غنية وموحدة، ومنهم من رأى أن التوتر المتفاقم والممارسات التي يرونها على الأرض يومياً والمتصاعدة بشدة، لا يمكن وقفها والتغلب عليها إلا بـ«مساعدة» خارجية، دون أن ينتبه هؤلاء لما قد يترتب على هذه «المساعدة» من تبعية وإذلال وخضوع وتفتيت وتقسيم للبلاد والشعب.

 وفيما يلي استعراض لمواقف بعض المواطنين من التدخل الخارجي..

 

آراء متفاوتة

ـ المواطن (غ. م) قال: «كان باستطاعة النظام السوري أن يقطع الطريق على كل الذين يحبون ركوب موجة المخططات الإمبريالية، والتدخل بشؤون الدول الأخرى تحت شعارات إنسانية أو ديمقراطية زائفة، لو أنه تعاطى مع الحركة الشعبية في محطتها الأولى في مدينة درعا بطريقة عقلانية وتبصُّر، من حيث عزل ومحاكمة المسؤولين الذين أذلّوا المواطنين أهاليالأطفال الذين رددوا شعارات إسقاط النظام تأثراً بشعارات تتردد على شاشات التلفزيون، إلا أن النظام السوري أضاع كل الفرص الممكنة لتجنب تدهور الأوضاع في سورية إلى الدرجة التي نراها حالياً، فإدارة هذه الأزمة كانت كارثية، لأنها ارتكزت على العناد والقمع والتعاطي باحتقار وفوقية مع المطالب الشعبية المشروعة في التغيير الديمقراطي، واعتَقَد أن باعتمادهعلى الحلول الأمنية يمكن أن يرهب الشعب، ويقضي على الانتفاضة والاحتجاجات في مهدها، مثلما حدث في تجارب سابقة، ولكن الوقائع أثبتت كم كان هذا التفكير قاصراً وساذجاً، وغير قادر على قراءة التطورات في المنطقة بشكل صحيح، وحتى أن بعض التصرفات كانت مقصودة لإيقاع سورية في دوامة العنف، وصولاً إلى حرب أهلية تفتت اقتصادها ووحدتها الوطنية،وبناء على ذلك لا أحد يستطيع أن يتنبأ كيف ستكون المرحلة المقبلة، ولكن يمكن التصور بأن زمن الحلول الدبلوماسية ربما قد ولى وانتهى، وأن التدخل العسكري بشكل شامل أو على مراحل قد بات وشيكاً، إما بإشعال حرب أهلية تمتد لاحقاً لتطال المنطقة بأكملها، أو بحرب إقليمية تبدأ شراراتها في إيران، ولن تكون أية دولة في المنطقة حينها بمنأى عن مخطط التفتيتوالتدمير والحرب الأهلية، وإذا كانت المواقف تتذبذب من دول الجوار والجامعة العربية، مرة تشتد حدتها ومرة تماطل، فذلك حسب الأوامر المعطاة لها من الذي يدير اللعبة في منطقة شرق المتوسط كلها، وكلما كان الاحتمال كبيراً لتأجيل التدخل العسكري في سورية، كان الاحتمال أكبر باقتراب نشوب حرب إقليمية تفتيتية تبدأ بضربة عسكرية لإيران بحجة تدمير أسلحتهاالنووية».

ـ المواطن (محمد ع. ع) قال: «أنا مهتم جداً بالشأن السياسي، ودائماً أبحث في المواقع الالكترونية والشبكة العالمية (الإنترنت) عن خلفيات وأسباب الصراعات الاجتماعية والسياسية التي غالباً ما نكتشف أنها اقتصادية داخلية، أما الأزمة السورية فأسبابها مركبة ومعقدة، فجزء كبير منها داخلي اقتصادي، وهو كان الشرارة لانطلاق المظاهرات والاحتجاجات الشعبية،وهناك مخربون ومجرمون ومأجورون ركبوا هذه الموجة لتحقيق أهداف تخريبية، ثم كانت المواجهة الأمنية التي ركبت على الحراك الشعبي وعلى الأعمال التخريبية معاً، ولم تعد تميز بين مطالب محقة ومخربين، وعالجت كل المشاكل بعصا واحدة تعتمد على القمع والحل الأمني، وهذا ما زاد الأزمة تفاقماً، وزاد من سيلان الدم في الشارع السوري، فوجد المغرضونوالحاقدون الشخصيون ذريعة لجر البلد إلى الانقسام، أو مقدمات الحرب الأهلية، والمجلس الذي سُمِّي بالمجلس الوطني ليس سوى عربة من عربات الغزو الخارجي لسورية على حصان سوري، فكل من شارك فيه معروف بخلفيته السياسية والفكرية الانتهازية، فالكثير منهم حاقد على النظام دون برنامج وطني لإصلاح الوضع في سورية، لأنه كان سجيناً أو ملاحقاً،وهناك أشخاص في المجلس لم يناضلوا يوماً، ولم يعرفوا الحياة السياسية، ويعيشون اليوم بمرتبات خيالية من المؤسسات الأمريكية، وهم حديثو العهد بالثروة والنعمة، ومقبِّلو أيادي الشيوخ والأمراء، صعدوا إلى الواجهة بالدعاية والإعلام وبدون أي رصيد نضالي، وهناك أيضاً أبناء الإخوان المسلمين من الجيل الثاني، الذين يعتبِرون أن أهاليهم قد فشلوا لأنهم راهنواعلى مرتكزات ليست بالحجم القادر على حمايتهم آنذاك، ولم يراهنوا على من يملك %90 من أوراق اللعب في العالم، فعاد الأبناء ليراهنوا الرهان الذي يظنون أنه سينقذهم وينفذ مخططاتهم، ويأخذهم إلى بر الأمان: ( أي الحكومة الأمريكية)، هؤلاء هم من سمعنا أنهم ينضوون تحت اسم المجلس الوطني السوري، وليس المناضلين من العائلات والقرى والمناطق التيدفعت الشهداء على ساحة الوطن مطالبين بالحرية والتغيير الديمقراطي والحياة الكريمة، من هنا نرى أن هذا المجلس الذي يستجر التدخل الخارجي تحت ذريعة حماية المدنيين، ليس مجلساً لتمثيل الشعب، بل مجلس للتمثيل على الشعب».

ـ المواطن (جلال الدين. ل) قال: «لا لكل التدخلات الخارجية، ونرفضها حتى تحت ذريعة حماية المدنيين، فالشعب السوري المناضل الحر وحده كفيل بحل مشاكله، والخروج من الأزمة أقوى وأنضج، محققاً سورية الحديثة الحرة الديمقراطية الكريمة، وهذا هو الرهان الحقيقي الوحيد الذي يجب أن يفوز في النهاية، وفي هذه الأزمة التي يتعرض لها الوطن يجب علينا جميعاًأن نرمي أحقادنا وخلافاتنا الشخصية وراء ظهرنا، فالمطلوب قبل كل شيء سلامة الوطن وأمنه، فأنا مثلاً أمضيت زهرة عمري في السجن، وتحطم مستقبلي وحياتي، ولكنني أكبر من أن أرضى بدمار بلدي لتحقيق ثأر شخصي من السلطة، وارفض أن أجعل من مأساتي الشخصية برنامج انتقامٍ من الوطن يتغلف بثوب الانتقام من جلادي، لهذا فأنا الآن أعض على جرحي،وأشد أزر النضال السلمي، وأتمسك بوحدة الشعب ووحدة الجيش، فهما الضمانة الوحيدة والأكيدة للوحدة الوطنية في سورية، التي ننشدها ديمقراطية مدنية تعددية قوية، وأرفض أن يكون الوطن مطية لافتعال حرب إقليمية أو طائفية، وأرفض أن تأتي طائرات الناتو لتحطم الجيش السوري والبنية التحتية في سورية، وتقتل الأبرياء من نساء وأطفال وشيوخ، تحت ذريعةحماية المدنيين كما فعلت في ليبيا والعراق، وأنا نذرت روحي ودمي للدفاع عن هذا الوطن، وعن هذه المبادئ، والوقوف عندها، والموت من أجلها، مع أن رأسي مطلوب من قبل السلطة الحاكمة، ولكن ليس الآن وقت الحسابات الشخصية، فالوطن أغلى وأهم من كل شيء، لقد دفعنا الفاتورة غالياً، لكننا نريد سورية كريمة حرة، ومواطناً حراً، وديمقراطية حقيقية، لاديمقراطية مزيفة تكون مطية لتدمير واستغلال الشعوب».

 

لا للتدخل الخارجي

ـ المواطن (ح. الشوال) قال: «أنا برأيي أن الحراك الشعبي في سورية لم يرْقَ بعد إلى مستوى انتفاضة شعبية شاملة تؤدي إلى شل جميع مفاصل الحياة الاجتماعية والاقتصادية، استعداداً للتغيير الشامل، بل على العكس نلاحظ وجود أعداد كبيرة من المواطنين يؤيدون، أو على الأقل ملزَمون، أو يمثلون، حتى الآن تأييدهم ودعمهم للنظام، والمشكلة أن الشرخ الاجتماعياستند إلى تناقضات ثانوية تم تأجيجها وإيقاظها حديثاً، عبر وسائل الإعلام وكل المنابر، المحلية والخارجية على حد سواء، الأمر الذي أفرز تناقضاتٍ لعبت على وترها مختلف القوى، داخلاً وخارجاً وجزء من السلطة نفسها أيضاً، هذه القوى الرامية إلى تفتيت الوحدة الوطنية السورية، واستجرار التدخل الخارجي سبيلاً إلى تدمير البلاد من الداخل، عبر حرب أهلية باتتللأسف متوقعة وقاب قوسين أو أدنى، وعليه فإن الموضوع لم يعد مشكلة إسقاط نظام ومحاسبة رموز بعينهم، بقدر ما هو تمزيق مجتمعٍ وإسقاط دولةٍ بكاملها، وهنا فإن المسؤولية للحؤول دون ذلك، تقع على جميع الأطراف، وجميع أفراد الشعب السوري، لوقف العنف والعنف المتبادل، ومنع السقوط والانجرار بالصراع الإثني بسذاجة من يلعب لعبة إثبات وجود، ولكنعلى حساب وطن».

ـ المواطن (بسام ع. د) قال: «إن أكثر المواقف التي تثير استيائي ونقمتي هو الموقف السعودي، فبعد اندلاع الحركة الاحتجاجية في سورية، انتظرت الرياض خمسة أشهر لم يصدر عنها خلالها أية تصريحات أو تلميحات أو مواقف واضحة، ثم صدر بيان رسمي انتقادي نادر، بأسلوب لم نعهده في السياسة الخارجية للسعودية التي لطالما كانت مجرد سياسة إدارة أعمال،وحوافز مالية، ومبادرات غير معلنة، وجاء في البيان عن الملك عبد الله عن عدم قبوله بما يحدث في سورية مطالباً بإيقاف آلة القتل وإراقة الدماء، وتحكيم العقل قبل فوات الأوان، في إشارة إلى لهجة تهديدية، ولو بحثنا عن الأسباب الكامنة وراء إصدار المملكة بياناً كهذا عن التدخل في شؤون الدول الأخرى، وهي معروفة بتحفظها التقليدي، فلربما نجد أنه لتحويلالأنظار عن تقارير حديثة تتحدث عن الدور الناشط الذي لعبته المملكة في دعم هجمات 11 أيلول، حيث تتحدث التقارير أن مسؤولين سعوديين كباراً علموا بالمؤامرة، وأن الرئيس الأمريكي آنذاك استخدم نفوذه لحماية أفراد الأسرة المالكة وممتلكاتهم، أو أن هناك مخططاً تسعى السعودية من خلاله لتحقيق طموحها في «زعامة» العالم العربي، بعد أن استحوذت عليهامصر لفترة طويلة، وحاول العراق لعب هذا الدور في فترة سابقة، ولكن بعد وقوع العراق تحت الاحتلال الأمريكي، والمرحلة المتوترة المضطربة التي تمر بها مصر حالياً، وإشغال الداخل السوري بالنزاعات الإثنية والاضطراب السياسي، والتهديد بالتدخل الخارجي، تلوح في الأفق فرصة زعامة تكتمل في إضعاف سورية، إضافة إلى أن السعودية قد تجد في ذلك ساحةتحارب فيها المد الإيراني، أي أنها قد تكون عملية تصفية حسابات على أرض الغير، ومن ناحية أخرى فإن السعودية قد بدت قلقة وحذرة من السياسة الأمريكية بعد تخليها عن حسني مبارك كحليف لها، وشعرت المملكة أن الإدارة الأمريكية الحالية تهديدٌ لأمن المملكة، فعند نشوب الأزمة السورية هادَنَ السعوديون الأمريكيين، وجاء خطاب الملك تملقاً للأمريكيين، ومؤكداًعلى أن السعودية توافقهم مخططاتهم وتنفذها، وتشارك حتى من وراء الستار بتأجيج الأزمة في سورية وتفاقمها.

 

الوطن.. أولاً وأخيراً!

إضافة إلى العناصر المختَرَقَة في داخل بنية جهاز الدولة السوري، وخاصة في المراكز الرفيعة، هناك الكثير من القوى تتكالب على استقدام التدخل العسكري الخارجي في سورية، تحت عنوان حماية الشعب السوري، والسيناريو الذي يسعون إليه يتمثل بحرب أهلية طائفية مذهبية، يكون مُسبِّبها ومُقدِّمتها استخدام العنف المفرط من جانب السلطة، والحل الأمني البحتلمعالجة الأزمة الوطنية، ما يعطي الذريعة لاستخدام السلاح في الشارع أيضاً، ويؤدي إلى تصعيد وتيرة نزف الدم الذي سيكون الحجة التي سيمتطيها التدخل الخارجي، وقد يكون هناك تدخل عسكري مصحوب بحصار اقتصادي يدفع ثمنه وفاتورته الشعب السوري وحده، وليس من المستبعد أن تنتقل الحرب من الداخل السوري إلى محيطه الإقليمي، وتتسع دائرة العنف لتصلإلى الخليج الذي تعيش مياهه على صخب التصريحات المناوئة للنووي الإيراني، حيث ستكون الضربة العسكرية لإيران من أقرب نقطة، وتحت ذرائع جاهزة ولحظية.

هذه هي ملامح المؤامرة التي تهدف إلى تفتيت المنطقة وإشعالها بنزاعات وصراعات إثنية، ومن بينها سورية التي يجب أن تكون عصية على كل المؤامرات والمخططات، وإن الشعب وقواه الوطنية وحدهما القادرين على إدارة الدفة في الاتجاه الذي يجب أن تسير عليه لتخرج سورية من أزمتها قوية حرة ديمقراطية تعددية.