حقّ العمل والعلم ولقمة العيش.. والموافقات الأمنية!

حقّ العمل والعلم ولقمة العيش.. والموافقات الأمنية!

وصلت إلى «قاسيون» شكوى من معلمين ومدرسين وطلاب في دير الزور لسان حالها ينطق بمضامين المثل الشعبي القائل «قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق»، ويضيف عليه «نحن ضدّ الاثنين معاَ»..

وقد سبق لـ«قاسيون» أن طرحت في أحد الأعداد منذ فترةٍ قريبة مسألة الهيمنة الأمنية  على كلّ مفاصل الدولة والمجتمع، وتحديداً عبر بوابة الموافقات الأمنية المتعددة المشارب والجهات، والمخالِفةً للدستور والقانون اللذين يضمنان للمواطنين حقوقهم، ومنها حق العمل وحق العلم. بل وصلت الأمور أن التغلغل الأمني دخل في الأمور العائلية، وأصبح بديلاً عن القضاءوالأعراف والتقاليد الاجتماعية الايجابية، ويترافق ذلك مع فسادٍ واضح ومحسوبيات ومعارف تضيّع الحقوق من أصحابها!

ومن جوهر الشكوى يتضح أن هذه العقلية الأمنية المهيمنة سادت بشكل كبير منذ الثمانينيات، واستمرت، ومازال الكثير من المواطنين يعانون منها حتى الآن، حيث نُقِل وفُصِل العديد من العمال والمعلمين والطلاب، وقد أعيد إنتاجها وممارستها بشكلٍ مكثف في الفترة الأخيرة تجاه المشاركين في الحركة الاحتجاجية الشعبية، كأداة قمعٍ، ومُنِع العديد من العاملين في دوائرالدولة من العودة لعملهم، ومن يصرّ عليها مؤكد أنّ هدفه ليس مصلحة الشعب والوطن، وإنما المحافظة على هيمنته ومكاسبه الكبيرة التي يجنيها متجاهلاً انعكاساتها الاجتماعية والسياسية، وهو بذلك يزيد من التوتر ويعمق الأزمة التي يشهدها الوطن، متوافقاً مع من يعرقل الإصلاح والتغيير، من أصحاب الحلّ القمعي الأمني بدلاً من الحل السياسي الديمقراطي الذي ينقذالوطن والشعب من الحريق والتقسيم الذي يستهدفهما من الداخل والخارج.

لجأ إلى «قاسيون» العديد من المعلمين والمدرسين الذين كانوا سابقاً موقوفين أمنياً وأخلي سبيلهم بعفوٍ رئاسي أو بموجب قرار محكمة، وصدر قرار بإعادتهم إلى العمل وإلغاء كف اليد الحكمي من رئاسة مجلس الوزراء رقم 9497/1 تاريخ 24/11/2004 وكذلك كتاب وزارة التربية إلى وزارة الإدارة المحلية رقم 1578/2 تاريخ 3 تموز 2005 الذي يتضمن موافقة رئاسةمجلس الوزراء لتفويض المحافظين بإيجاد شواغر في الجهات العامة لهم، وكتاب محافظ دير الزور رقم 11514/د تاريخ 2/11/2005 إلى مديرية التربية بدير الزور الموافق على إلغاء كف اليد الحكمي وإجراء المقتضى بالسرعة الكلية.

هذه السرعة الكلية مضى عليها ستّ سنواتٍ ولم تنفَّذ تحت حجج واهية، وأولها الحصول على الموافقة الأمنية التي لم يحصلوا عليها للآن، وتتنافى مع العفو الرئاسي وقرارات القضاء ورئاسة مجلس الوزراء ووزيري التربية والإدارة المحلية والمحافظ، علماً أنّ قوائم الأسماء التي تضمّ أكثر من أربعين اسماً وقرارات إعادتهم موجودة في مديرية التربية، ولدينا نسخةعنها، وشواغرهم بالأصل موجودة ومازالت ذاتياتهم موجودة أيضاً، وقد عاد البعض منهم إلى العمل بعد جهودٍ خاصة، وهم قلّة لا يتجاوزون أصابع يدٍ واحدة. وفي المحافظات الأخرى ومنها جارتنا محافظة الرقة عادوا جميعاً، ومن جهةٍ أخرى هناك العديد من العاملين الذين لم يعودوا إلى عملهم نتيجة مشاركتهم في المظاهرات، ولم يصدر بحقهم أي حُكمٍ قضائي، وعلى سبيلالمثال يوجد ثلاثة عمال في السجل المدني بدير الزور، وغيرهم كُثر.

وهنا نتساءل ببساطة: السرعة الكلية مضى عليها ستّ سنواتٍ ولم تُنفَّذ هذه القرارات، تُرى كم ستستغرق في السرعة العادية؟ أو في ظلّ الروتين الحكومي؟! مؤكد أن أغلبهم سيكونون قد رحلوا عن هذه الدنيا مرضاً وقهراً ونتيجة الأوضاع المعيشية الحالية، إذا استمر التعامل ذاته، ناهيك عن معاناة أسرهم وأطفالهم، بالإضافة لحرمان الوطن من خبرات وقدرات نحن بأشدالحاجة لها.

أمّا المثال الآخر أنّ بعض مدراء المدارس والمعاهد أصبحوا كالجهات الأمنية، يقومون بمعاقبة وفصل من يشارك من الطلاب في المظاهرات الاحتجاجية، حتى خارج أوقات الدوام، وبناءً على تقارير بعض المندسين، بل ويستدعون لهم الجهات الأمنية ويهددونهم بها!

إنّ حقّ العمل يكفله القانون والدستور، فكيف إذا أكده القضاء؟ لذا نطالب  مديرية التربية بدير الزور بتنفيذ قرارات عودة المعلمين والمدرسين إلى عملهم. وكذلك حقّ العلم، لذا نطالب أيضاً بإلغاء الهيمنة الأمنية في الدولة والمجتمع ومنها المدارس والسماح للحركة الطلابية أن تعبر عن ذاتها ومطالبها في الإصلاح والتغيير الديمقراطي السلمي، كي تساهم في الحياةالسياسية للبلاد، وخاصةً أن تاريخها النضالي الوطني في الخمسينيات تاريخ مشرف، ويجب محاسبة كلّ من يعرقلها أو يقمعها، لأنه يعتدي على الحقوق وعلى كرامة الوطن والمواطن التي هي فوق كلّ اعتبار.