ليس لنا سوى الأمنيات
عبدي يوسف عابد عبدي يوسف عابد

ليس لنا سوى الأمنيات

قال بابا نويل في نفسه: «لقد أوليت أحبائي أطفال العالم فائق الاهتمام، ولن أتخلى عنهم، ولكن ماذا بشأن سكان العالم الثالث؟ علي أن أحرك أمانيهم وأطّلع على أحوالهم».

التقى بطريق المصادفة مواطناً عربياً، حياه بمودة:

كل عام وأنت بخير يا أخي في الإنسانية!

وأنت بألف خير يا وجه الخير!

ما هي أمنياتك للشعوب العربية بمناسبة بزوغ فجر العام الجديد؟

إنها أمنية واحدة، تختصر كل الأماني، حاول أن تكتشفها بذكائك؟

ضحك بابا نويل وقال:

معروفٌ أن حرية الكلام والرأي والفكر في عالمكم مقيدة، فما رأيك أن تتمنى حرية الكلام وقانون صحافة ديمقراطياً، يجعل من ضمير الكاتب رقيباً وحسيباً على نشاطه؟

يوجد أهم من ذلك، لأنه لا يُسمن ولا يغني من جوع.!

ما رأيك في أن تتمنى قانون انتخابات عادل، يكون الناجحون كنواب، معروفين بصدقهم ونزاهتهم قبل إجرائها، وجرأتهم وتنفيذ وعودهم وعهودهم بعدها؟

يوجد ما هو أهم منه، لأنه لا يلبي الطلب!

إذاً تريد ديمقراطية واسعة للشعب العربي في سائر مجالات نشاطه؟!

حتى هذه الأمنية أيضاً لا تفي بالغرض!

حينئذ قال بابا نويل بانزعاج:

حيرتني يا بني، إن الأماني التي طرحتها لك، هي عماد النظم الديمقراطية في كل العالم. فما هي الأمنية الأهم في العالم العربي. اذكرها وخلصني لأقابل غيرك؟

هي إلغاء الأحكام العرفية والقوانين الاستثنائية التي ابتلت بها شعوب العالم الثالث وبينها شعوبنا العربية، التي تشكل الدساتير والقوانين والأعراف والتقاليد، وتجعل من أولي الأمر وأجهزتهم الأمنية، حكاماً مطلقي الصلاحية، حسب ما تمليه عليهم رغباتهم ومصالحهم الشخصية!

رد بابا نويل:

يقول الكثيرون من الحكام إنهم لا يستعملونها ولا يلجؤون إليها!

إن مجرد وجودها هو استعمال لها. إنها سيف ديموقليس مسلط على رقاب شعوب العالم الثالث، تراقب حركاته وتحصي أنفاسه. هي أشبه بقصه ذئب جحا!

وما قصة هذا الذئب؟

كلف أحد الولاة جحا بتربية خروف في إسطبل مليء بالعلف من كل أنواع العشب والحبوب، شرط أن لا يسمن ويزداد وزنه، وإلا...

احتار جحا وتنغصت حياته لهذا الشرط القاسي غير القابل للتنفيذ، فاهتدى بعد العناء في تفكير عميق، إلى جلب جرو ذئب، وربطه داخل الإسطبل في مواجهة الخروف، وتعمد أن يجوِّعه فراح يجرجر نفسه ليتخلص من وثاقه، والخروف يتراكض خوفاً من جهة إلى أخرى، فيفقد مفعول الغذاء الذي تناوله.

الآن ألست معي في أن جميع القوانين الديمقراطية مهما كانت واسعة وعادلة هي حبر على ورق بوجود الأحكام العرفية، وتقر معي بأن إلغاءها هو أهم وأكبر أمنيات شعوب بلدان العالم الثالث كي تتحرك بإرادتها وتبدي رأيها في كل ما يهم وضعها ومصيرها وموقفها من الأحداث الجارية؟!