وثيقة مزورة وإشاعة تَشغل الجهات العامة.. «المتة المسمومة» قضية لم تغلق بعد

وثيقة مزورة وإشاعة تَشغل الجهات العامة.. «المتة المسمومة» قضية لم تغلق بعد

بدأت القصة حينما نُشر على مواقع التواصل الاجتماعي صورة لوثيقة قيل إنها صادرة عن «الشركة العامة لمرفأ طرطوس»، تحمل الرقم 527 بتاريخ 16/5/2013، تحذر بشدة من «قيام جماعات مسلحة بتسميم كمية كبيرة من مادة المتة بالزرنيخ بغية توزيعها من منطقة يبرود في ريف دمشق إلى جميع المحافظات»

وجاء في هذه الوثيقة ذات الرقم 527، أن الشركة العامة لمرفأ طرطوس تطلب من الجهات كافة «إبلاغ العاملين العسكريين والمدنيين باتخاذ كل الإجراءات اللازمة لمنع إدخال (بيع أو شراء)، هذه المادة حرصاً على السلامة، والإبلاغ عن أية حادثة في حينها».

وثيقة مشبوهة

ويلاحظ في هذه الوثيقة، أنها لم تذكر الجهة التي تمت مخاطبتها، عدا عن أنها غير ممهورة بأي توقيع أو ختم، وأنها أوردت ذكر «العسكريين» رغم أن القضية قضية عامة لا تحتاج لذكر مسميات من هذا النوع، ما أثار الشكوك لدى بعض المراقبين، حيث وجد فيها بعضهم «حركة مقصودة من التجار للتلاعب بسعر المادة وتمرير أصناف جديدة، كون مادة المتة  مستهلكة وبشكل كبير في سورية».

وفعلاً، كان أول إجراء قام به مرفأ طرطوس، هو النفي المطلق لعلمه بهذه الوثيقة والمعلومات المتعلقة بتسميم مادة «المتة» بالزرنيخ المسرطن، وقالت مصادر من داخل المرفأ في تصريحات صحفية إن «دور المرفأ يقوم على استقبال السفن القادمة إلى سورية والتأكد من هويتها ونوعية البضاعة التي على متنها، وأن معرفة صلاحية المواد مهما كان نوعها الموجودة على متن السفن ليس من اختصاصه، وأن المرفأ ليس من صلاحياته إصدار بيان كهذا».

مدير صحة طرطوس ياسين إبراهيم، زاد الموضوع تعقيداً في تصريحاته الصحفية، حيث أكد «وجود معطيات تشير الى احتمال صحة الشائعات التي يتناقلها الشارع حول وجود مادة سامة في المتة»، مشيراً إلى «وصول مريضين إلى مشفى الباسل في طرطوس يعانون من الإسهال والتقيؤ، ربما يكون سببها المتة».

صحة طرطوس تزيد الأمور تعقيداً

وتابع ابراهيم حينها، في حديثه لأحد المواقع الالكترونية، أن «وجود مادة سامة في المتة، قد لا تظهر أعراضها فوراً وربما تحتاج فترة طويلة»، لكنه شدد على ضرورة «نشر تحذير لكل المواطنين للامتناع عن شراء المتة، إلى حين معرفة نتائج تحليل عينات منها، والتي تحتاج من 3 إلى 4 أيام حتى تظهر بوضوح» وأضاف أنه «ستقوم مديرية الصحة بنشر بيان رسمي حول النتائج، سواء كانت نتائج التحليل سلبية أو إيجابية».

حديث صحة طرطوس، زاد المشكلة تعقيداً، وقد فهمه البعض بأنه تأكيد مبطن على وجود مواد سامة في المتة فعلاً، وخاصة في ظل تأكيد مدير صحة طرطوس على أن المسؤول عن توزيع المتة في سورية من منطقة يبرود قد اختفى منذ بداية هذه الشائعات.

الشركة تكذب الصحة

وحول الأحاديث التي دارت بأن المسؤول عن توزيع المتة التابعة لشركة تعبئة «كبور» هو حالياً مختفٍ عن الأنظار، نشرت الشركة بياناً صحفياً في 18/5/2013 تضمن تكذيباً لحديث مديرية الصحة في طرطوس عن موزعي المتة، وجاء فيه أنه «تم الادعاء أن موزعي المتة متوارون عن الأنظار حسب كلام مدير صحة طرطوس، وعند زيارتنا لمدير صحة طرطوس نفى ذلك...». تطمينات الشارع السوري، بدأت من البيان الصادر عن شركة «كبور» ذاته، الذي تضمن تكذيبات حول حديث مدير صحة طرطوس، حيث أكد البيان أيضاً على أن معمل الشركة في يبرود يقوم برقابة صحية بأحدث الآلات الخاضعة لإشراف وزارة الصناعة ودون أن تمسها الأيدي.

تكذيب رسمي يبين أن تحليل العينات سبق الوثيقة

وفي 19/5/2013، صدر كتاب رسمي من «مرفأ طرطوس» مختلف تماماً بالشكل والمضمون عن «البرقية» المشكوك بها السابقة، حيث كان هذا الكتاب موجهاً إلى مديرية التجارة الداخلية بمحافظة طرطوس، وقد كان ذلك أول دليل ملموس ورسمي قد يقود إلى تكذيب «إشاعة المتة المسممة».

وفي نص هذا الكتاب ذي الرقم 1093، والذي حصلت صحيفة «قاسيون» على نسخة منه، جاء فيه أنه «إشارة إلى كتابكم رقم /3972/ تاريخ 15/5/2013 المعطوف على كتاب محافظ طرطوس رقم 856/س/10/11 تاريخ 14/5/2013، موضوع اختبار عينة متة عدد 6 لبيان تلوثها بالمعادن الثقيلة خاصة مادة الزرنيخ، فقد تم اختبار العينات المرسلة.... وتبيّن خلو العينات المختبرة من أي من هذه المعادن».

وفي قراءة لهذا الكتاب، يتبيّن أن طلب محافظ طرطوس بتحليل عينات من المتة خوفاً من تلوثها بمادة الزرنيخ، كان بتاريخ 14/5/2013، أي قبل يومين من صدور البرقية التي وصفها مرفأ طرطوس بشكل غير مباشر أنها «مزورة» بتاريخ 16/5/2013، أي أن تحليل عينات المتة كان سابقاً لانتشار الوثيقة المشبوهة، ما قد يشير إلى أن إشاعة ومخاوف تلوث مادة المتة كانت قديمة، حيث قال بعض الأهالي لـ«قاسيون» إنهم «تخوفوا من شراء هذه المادة منذ شهر نيسان الماضي بسبب إشاعات تناقلها العوام، ازدادت حدتها عند تزوير وثيقة مرفأ طرطوس».

عينات نتائجها قيد التحليل

مصادر مسؤولة في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، أكدت لصحيفة «قاسيون» أن «مرفأ طرطوس فعلاً قام بتحليل 6 عينات من علب المتة المشبوهة، وكانت النتائج مطابقة للأصول وخالية من أية مواد مسرطنة، في حين قامت مديرية التجارة الداخلية في طرطوس بسحب 12 عينة للتحليل، والمديرية في حماة قامت بسحب 6 عينات، وطرطوس سحبت 5 عينات، وحتى الآن لم تصل للوزارة أي نتائج من هذه التحليلات سواء سلبية أو ايجابية». وأكدت المصادر أن «مديرية التجارة الداخلية في دمشق سحبت 6 عينات للتحليل، وكانت هذه النتائج مطابقة للأصول وخالية أيضاً من أي مواد مشبوهة، لكن نتائج التحليل لم تصل بعد إلى الوزارة بشكل رسمي». وشهدت أسواق طرطوس ودمشق وريف دمشق واللاذقية إضافة للعديد من المحافظات السورية الأخرى، انقطاعاً لمادة المتة فترة هذه الإشاعة، إضافة إلى تخوف كبير حتى اليوم من احتمال وجود مواد سامة فعلاً داخلها، خاصةً أنه لم تصدر تطمينات رسمية من وزارة الصحة أو التجارة الداخلية تؤكد خلو المادة من التلوث في جميع المحافظات. وأدت هذه الإشاعة إلى رفع سعر علبة المتة في الأسواق المحلية، حيث وصل إلى 250 و 300 ليرة سورية، في حين مازال سعرها المدون على العلبة 75 ل.س، بينما أكدت شركة «كبور» في بيان لها أن «سعر المتة في بلد المنشأ (الأرجنتين) يساوي 4.7 الى 5 دولار لكل 1 كغ للمستهلك أي بسعر العبوة 176 – 185 ل.س ويمكن التأكد عن طريق السفارة السورية في الأرجنتين أو بأية طريقة أخرى».