من الذاكرة:نوبة الحراسة

مثل الكثيرين من أبناء الشعب، ولدت في أسرة فقيرة محافظة حريصة كل الحرص على تنشئة أولادها تنشئة دينية، شديدة التعامل بحرص فيما يخص السلوك والأدب والطقوس الدينية، ومنذ كنت طفلاً صغيراً في الخامسة من العمر أقف مع بقية الأسرة في الصباح الباكر لنؤدي صلاة الفجر خلف الوالد الذي يؤمنا،

ويصحبنا معه في الغالب للصلاة في جامع أبي النور المجاور لبيتنا، وكان الوالد أحد تلاميذ إمام المسجد الشيخ  محمد أمين كفتارو، ومن ثم تابع التلمذة للشيخ أحمد ابن الشيخ أمين الذي أصبح فيما بعد المفتي العام للجمهورية العربية السورية، وبحكم الجوار كان الجميع  يعرفون  بعضهم بعضاً فهم  أشبه بأسرة واحدة.

ومن عجيب الأمور أن أحد جيراننا وهو مجنون اسمه عادل، كان كلما التقى بوالدي في الطريق بادره بالقول: «يا أبو علي... من بيتك سيطلع الجيش الأحمر!!»... وكان هذا القول يثير استياء أبي! وعندما صرت يافعاً جذبني الفكر العلمي وقادني إلى صفوف الحزب الشيوعي السوري، وكان وقع ذلك شديداً على والدي، وكذلك على الشيخ الذي علم بذلك.

وتمضي السنون، وفي عام 1985 كنت عضواً في المكتب التنفيذي لمجلس محافظة دمشق، وعند عودة الرفيق خالد بكداش من موسكو بعد مشاركته بالاحتفال بالذكرى الأربعين لانتصار الشعب السوفياتي في الحرب الوطنية العظمى على النازية، كلفت مع الرفيق الدكتور محمد جمعة وزير الدولة باستقبال الرفيق خالد في المطار، وقريباً من سلم الطائرة التقينا الشيخ أحمد كفتارو العائد على الطائرة ذاتها، فبادرته بالتحية قائلاً: الحمد لله على السلامة يا شيخنا الجليل، فرد التحية وقال بلفتة ذكية مشيراً نحو الطائرة: «هَيﹾ الأستاذ خالد وصل وهلق جاية». وفي صالة الاستقبال جلسا معاً يتابعان أحاديث بدآها في الطائرة، ثم نهض الشيخ مودعاً الرفيق الذي هم بالوقوف فوضع الشيخ يده على كتفه قائلاً: «والله ما بتقوم يا أبو عمار». حينها عاودتني الذكريات القديمة فأنا أعرف علاقة المودة القديمة والزيارات المتبادلة بينهما وأضاءت في البال ذكرى تعود لعام 1957 فقد مات أحد أعضاء البرلمان، وكان من الطبيعي أن يجري انتخاب لملء الشاغر، وتنافس وقتها مرشحان اثنان على العضوية هما الشيخ مصطفى السباعي المرشد العام للإخوان المسلمين، ورياض المالكي وهو بعثي وشقيق للشهيد عدنان المالكي. وكانت الانتخابات بالغة الأهمية والتنافس الكبير فهي التي ستعبر عن وجه دمشق الحقيقي... فالمعركة الانتخابية بين خطين متناقضين واضحين، خط الرجعية التي استقطبت كل القوى الدائرة في فلكها من الرأسمالية والإقطاعية والرموز المتحجرة وتوابعها، وخط الوطنية والتقدم الذي استقطب العمال والفلاحين والمثقفين الثوريين وسائر الوطنيين ومنهم الشيح أحمد كفتارو، وحسمت دمشق المعركة بانتصار الوطنية والتقدم، وخسارة الرجعية والتخلف.

وأثارت النتيجة حفيظة الإخوان الذين هددوا بالاعتداء على الشيخ أحمد. وأذكر أن منظمة الحزب في الحي سارعت إلى حماية بيته لمدة جاوزت الشهرين، وكنت أحد المناوبين على الحراسة، وأتذكر من الرفاق المشاركين أحمد وإبراهيم قاسو ومحمد علي وعمر أيوبي ونزار ومحيي الدين جمعة وأبو أديب شحادة وأكرم رسول وعبد الرزاق عرفات وأحمد شعبو وزهير ترياقي وذهني قوطرش وسعيد دالاتي... وسلامة وجزائري و...

سقياً لتلك الأيام المجيدة.