في ظل الدستور الجديد.. تجربة الانتخابات البرلمانية.. دروس ونتائج
محمد سلوم محمد سلوم

في ظل الدستور الجديد.. تجربة الانتخابات البرلمانية.. دروس ونتائج

لزمتنا عشرات السنين من النضال السياسي حتى توضحت الصورة وتوفرت النية لدى القيادة السياسية حول أهمية وجدوى العملية الإصلاحية في البلاد، وسالت الكثير من الدماء السورية حتى ترجمت هذه الرؤيا وهذه الصورة إلى قوانين على الورق، فهل تلزمنا عشرات السنين حتى تتوفر النية والقاعدة المعرفية لترجمة هذه الحزمة من القوانين الإصلاحية على أرض الواقع ؟ بالطبع لا...لأن الزمن لن ينتظرنا. !

ففي خضم الحراك الانتخابي، كان الإعلام السوري يركز على مواصفات عضو مجلس الشعب المقبل سواء في المناظرات التلفزيونية أو الندوات أو استطلاعات أراء المواطنين في الشارع. متناسين نقطتين في غاية الأهمية ومن صلب العملية الإصلاحية والتي بنفس الوقت تحدد مواصفات العضو المقبل ومدى مطابقة أوصافه التي اختير لأجلها مع نشاطه داخل المجلس، أولى النقطتين قانون الانتخابات، والثانية دور الإعلام.

قانون الانتخابات: لقد جاءت القوانين الإصلاحية لكي تقونن الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للمواطن السوري، ورسمت خطوطاً عريضة للمواطن والوطن، لكن قانون الانتخابات جاء كمعرقل للعملية الإصلاحية والسياسية في البلاد ومفرغا بقية القوانين من مضامينها، ولأن هذا القانون سيعبر عن مصالح قوى متناقضة سيكون الصراع حوله كبيراً ومتناقضاً، ومنذ البداية عارضنا هذا القانون وعبرنا في أدبياتنا بأنه لا ينتج عنه برلمان جديد ولن تكون مواصفات معظم الأعضاء الجدد أفضل شأنا من السابقين، لأنه يعرقل أي محاولة وصول للبرلمان إلا تحالف قوتين ومعبرا عن مصالحهما وهما : السلطة ورأس المال، وجاءت نتائج الانتخابات الأخيرة لكي تعبر عن صحة موقفنا وقراءتنا، ومع ذلك حققنا اختراقاً بالرغم من أنه ليس بالكبير لكنه ليس بالصفير والأهم من ذلك أسس لمرحلة قادمة في غاية الأهمية، لذلك سيكون عنوان المرحلة المقبلة النضال ليس فقط للمطالبة بتغيير قانون الانتخابات التي إنما المطالبة والعمل على إسقاط النظام الانتخابي المعمول به وتفكيك تلك المنظومة المترابطة المتمثلة بلجان الصناديق وارتباطاتها الحزبية والأمنية والتي أدمنت بعملها الطويل كيفية التحكم بنتائج الانتخابات، فهل من المعقول أن تكون كل اللجان على الصناديق تنتمي لجهة سياسية واحدة وهذه الجهة تخوض الانتخابات كطرف مع بقية الأطراف الأخرى، وهل يصح الخصم حكما ؟

الديناميكية والكتلة الصامتة : إن الواقع مليء بالتركيبات الغريبة، وعلينا كقوة سياسية أصبحت رقما صعبا، إيجاد البرهان على صحة توجهنا من داخل الفوضى هذه ( حسب تعبير غرا مشي )، بالتالي إضافة إلى التحضير المدروس والدقيق للانتخابات، وإضافة للبرنامج المميز والتمويل المدروس والكافي.... علينا اختيار المرشح الذي يتحلى بشخصية واقعية وديناميكية، وبالتالي عليه وعلينا التعامل بديناميكية مع واقع رغم صعوبة إمكانية تغييره لكن ممكن دراسته وتحقيق اختراق فيه يؤسس لنقلة نوعية في المستقبل، ففي معظم بلدان العالم هناك مواطنون اسمهم أثناء الانتخابات ( مقترعون ) وهؤلاء ينقسمون إلى شرائح ذات مصالح ومستوى معرفي حتى لمصالحها متناقضة، فالقسم الأعظم منهم تتجاذبه نزعتان : الأولى مصلحته الذاتية، والثانية مزاجه الخاص، وشريحة أخرى تنتخب على أساس البرنامج الانتخابي الذي تراه مناسبا، وان كانت ليست كبيرة لكنها بامتلاكها قاعدة معرفية يمكن العمل عليها لاتساع دائرتها وتصبح كتلة مؤثرة في نتائج الانتخابات، وهذا يحتاج لعمل مضني ويستغرق فترة زمنية طويلة، والى حين تحقيق ذلك علينا العمل مع الشريحة الأخرى ( الكتلة الصامتة) وأفضل اختراق نحققه هو العمل على الوجدان الشعبي لهذه الكتلة، وشهدت محافظة طرطوس ثلاث نجاحات، لثلاث مرشحين، في ثلاث دورات انتخابية، عملوا على استغلال هذه النقطة وكانت ضخامة الدعاية الشفوية هي السلاح المهم لتحقيق ذلك، مع العلم ان المرشحين الثلاثة يمتلكون قاعدة من الصفات التي تم التأسيس عليها لتحقيق ذلك النجاح المثير للتساؤل.

ميزات المرحلة : صحيح بأن نتائج الانتخابات الحالية لم تكن أفضل من السابق في ظل قانون انتخاب مفصل لمقاس قوى معينة، ونظام انتخابي يسهل عمل ذلك القانون ويحميه، ولجان وضعت لترجمة ذلك على أرض الواقع، لكن الاختراق الذي حققته بعض القوى وخاصة مرشحي الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير، يختلف في هذه المرحلة عن سابقاتها، بأن هذه الكتلة الجديدة في تمثيلها – أولا : تملك أرثاً كبيراً وخبرة في العمل السياسي والمطلبي _ ثانيا :تملك قاعدة معرفية ميزتها عن بقية القوى السياسية الأخرى والأهم من ذلك لاقت قبولا شعبيا مازالت تتسع دائرته باطراد _ ثالثا: لن تبقى هذه الكتلة حبيسة مقاعدها بسبب سياسة الإعلام المتبعة لأنها تملك وسيلة إعلامية مرئية ومسموعة ونشرة ورقية ونشرة الكترونية والأهم من ذلك هناك رؤيا لتطوير الوسائط الثلاثة.

لذلك ستكون هذه المرحلة في غاية الأهمية، مع الخبرة التي كسبناها من استخلاص دروس التجربة، وإمكانية الإظهار الإعلامي للمواطنين عن هذه التجربة المميزة عن القوى التي تتقن تمثيل مصالحها فعلا، سيكون لنا دور كبير ومؤثر في العملية السياسية المطلوبة لإيجاد مخرج آمن للأزمة التي تعصف بالبلاد، والانتقال إلى صيغة سورية المتجددة.