«تسويات» ريف دمشق... خطوة على الطريق الصحيح

«تسويات» ريف دمشق... خطوة على الطريق الصحيح

انطلقت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬التسويات‭ ‬في‭ ‬ريف‭ ‬دمشق،‭ ‬بعضها‭ ‬لاقى‭ ‬نجاحاً‭ ‬مقبولاً،‭ ‬كتسوية‭ ‬برزة،‭ ‬وبعضها‭ ‬فَشِلَ،‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬مخيّم‭ ‬اليرموك،‭ ‬بينما‭ ‬تسويات‭ ‬أخرى‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬في‭ ‬خطواتها‭ ‬الأولى،‭ ‬وتصطدم‭ ‬بالكثير‭ ‬من‭ ‬المعيقات‭ ‬والتفاصيل‭ ‬المعقّدة‭. ‬تمكّنت‭ ‬التسويات‭ ‬الناجحة،‭ ‬أو‭ ‬القريبة‭ ‬من‭ ‬النجاح،‭ ‬من‭ ‬إعادة‭ ‬مئات‭ ‬النازحين‭ ‬إلى‭ ‬بيوتهم،‭ ‬وتأهيل‭ ‬البنى‭ ‬التحتيّة،‭ ‬ونزع‭ ‬فتيل‭ ‬الصراع‭ ‬على‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الجبهات؛‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬تنجزه‭ ‬الانتصارات‭ ‬العسكرية‭ ‬البحتة،‭ ‬خلال‭ ‬الفترة‭ ‬الماضية،‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬سُمّي‭ ‬عمليات‭ ‬‮«‬التطهير‮»‬‭.‬

 

منذ‭ ‬حوالي‭ ‬شهر،‭ ‬أقلع‭ ‬قطار‭ ‬التسويات‭ ‬في‭ ‬ريف‭ ‬دمشق‭ ‬ولم‭ ‬يتوقف،‭ ‬أولى‭ ‬محطاته‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬برزة،‭ ‬شمال‭ ‬شرقي‭ ‬دمشق،‭ ‬البلدة‭ ‬التي‭ ‬شهدت‭ ‬التسوية‭- ‬النموذج،‭ ‬والتي‭ ‬تردّد‭ ‬صداها‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬المجاورة‭ ‬في‭ ‬البداية،‭ ‬القابون‭ ‬وحرستا‭ ‬وجوبر،‭ ‬ثمّ‭ ‬في‭ ‬عمق‭ ‬الغوطة‭ ‬الشرقيّة‭ ‬الملتهب،‭ ‬حيث‭ ‬يجري‭ ‬التحضير‭ ‬لتسويات‭ ‬مماثلة‭ ‬في‭ ‬كفربطنا‭ ‬وجسرين‭ ‬وسقبا‭. ‬وتعثّر‭ ‬مسار‭ ‬التسويات‭ ‬غير‭ ‬مرّة‭ ‬في‭ ‬الريف‭ ‬الجنوبي،‭ ‬في‭ ‬ببيلا‭ ‬وبيت‭ ‬سحم،‭ ‬بسبب‭ ‬المتشددين‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬النظام،‭ ‬وتعنت‭ ‬المسلحين‭ ‬المتشددين‭  ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المناطق‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬والذين‭ ‬يسعون‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تعطيلهم‭ ‬لمسار‭ ‬المصالحات‭ ‬إلى‭ ‬اتخاذ‭ ‬المدنيين‭ ‬كدروع‭ ‬بشرية‭..  ‬

أما‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬‮«‬إعادة‭ ‬الأمن‭ ‬والأمان‮»‬‭ ‬أو‭ ‬‮«‬التطهير‮»‬،‭ ‬فيفنّده‭ ‬عدم‭ ‬عودة‭ ‬المدنيين‭ ‬إلى‭ ‬المناطق‭ ‬والبلدات‭ ‬التي‭ ‬هُزم‭ ‬فيها‭ ‬المسلّحون،‭ ‬مثل‭ ‬سبينة‭ ‬وحجيرة‭ ‬والبويضة‭ ‬والذيابية‭ ‬والحسينية،‭ ‬في‭ ‬جنوبي‭ ‬دمشق،‭ ‬ودير‭ ‬السلمان‭ ‬والعتيبة‭ ‬وجربا،‭ ‬في‭ ‬العمق‭ ‬الجنوبي‭ ‬للغوطة‭ ‬الشرقية،‭ ‬فعلى‭ ‬كل‭ ‬مدخل‭ ‬من‭ ‬المداخل‭ ‬المحيطة‭ ‬بكل‭ ‬تلك‭ ‬البلدات‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬قنّاصة‭ ‬المسلّحين‭ ‬يوظّفون‭ ‬كل‭ ‬رصاصة‭ ‬لديهم‭ ‬لنفي‭ ‬المزاعم‭ ‬التي‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬سيطرة‭ ‬الجيش‭ ‬عليها‭..‬

برزة‭ ‬النموذج

ليست‭ ‬التسوية‭ ‬في‭ ‬برزة‭ ‬هي‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬ريف‭ ‬دمشق،‭ ‬فقد‭ ‬سبقتها‭ ‬‮«‬مصالحة‭ ‬قدسيّا‮»‬‭ ‬بحوالي‭ ‬ستّة‭ ‬أسابيع،‭ ‬ويسجّل‭ ‬لهذه‭ ‬الأخيرة‭ ‬أنّها‭ ‬حطّمت‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الحواجز‭ ‬والمعيقات‭ ‬في‭ ‬طريق‭ ‬التسويات،‭ ‬فمهدت‭ ‬الطريق‭ ‬أمام‭ ‬التسويات‭ ‬اللاحقة،‭ ‬يقول‭ ‬أبو‭ ‬نبراس،‭ ‬من‭ ‬قدسيا،‭ ‬لـ«قاسيون‮»‬‭: ‬‮«‬عندما‭ ‬أنجزت‭ ‬المصالحة،‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬طرح‭ ‬فكرة‭ ‬التعاون‭ ‬بين‭ ‬المسلّحين‭ ‬والجيش‭.‬

ولكن‭ ‬أي‭ ‬شخص‭ ‬مطّلع‭ ‬على‭ ‬الوضع‭ ‬في‭ ‬قدسيا‭ ‬يعرف‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬كان‭ ‬ممكناً،‭ ‬ومنذ‭ ‬وقتٍ‭ ‬طويل،‭ ‬فمعظم‭ ‬المسلّحين‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬البلد،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬أنّ‭ ‬قدسيا‭ ‬تضم‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬200‭ ‬ألف‭ ‬مواطن‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يُحاصروا‭ ‬بجريرة‭ ‬هذا‭ ‬الطرف‭ ‬أو‭ ‬ذاك‮»‬‭. ‬أما‭ ‬في‭ ‬برزة،‭ ‬فقد‭ ‬جرى‭ ‬اتفاق‭ ‬بين‭ ‬وجهاء‭ ‬البلدة‭ ‬والجيش،‭ ‬قبل‭ ‬نحو‭ ‬شهر،‭ ‬يجري‭ ‬بموجبه‭ ‬تسليم‭ ‬الأسلحة‭ ‬الثقيلة‭ ‬فقط‭ ‬التي‭ ‬لدى‭ ‬المسلّحين‭ ‬إلى‭ ‬الجيش،‭ ‬وتعيين‭ ‬المسلّحين‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬كعناصر‭ ‬من‭ ‬‮«‬جيش‭ ‬الدفاع‭ ‬الوطني‮»‬،‭ ‬وإطلاق‭ ‬سراح‭ ‬المعتقلين‭ ‬لدى‭ ‬الأجهزة‭ ‬الأمنيّة،‭ ‬وإعادة‭ ‬تأهيل‭ ‬البنى‭ ‬التحتية،‭ ‬وتولّي‭ ‬الشرطة‭ ‬مهام‭ ‬إدارة‭ ‬المنطقة‭ ‬وحفظ‭ ‬أمنها‭.‬

وجرى‭ ‬تطبيق‭ ‬معظم‭ ‬هذه‭ ‬البنود،‭ ‬وشهد‭ ‬الأسبوع‭ ‬الماضي‭ ‬عودة‭ ‬المئات‭ ‬من‭ ‬أبنائها،‭ ‬إلّا‭ ‬أنّ‭ ‬عوائقَ‭ ‬جديّة‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬قائمة،‭ ‬يقول‭ ‬م‭. ‬علي،‭ ‬أحد‭ ‬العائدين‭ ‬إلى‭ ‬برزة،‭ ‬لـ«قاسيون‮»‬‭: ‬‮«‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬أنّ‭ ‬التسوية‭ ‬تواصل‭ ‬تقدّمها،‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬المخاوف‭ ‬تسري‭ ‬بين‭ ‬الأهالي‭ ‬من‭ ‬انفراط‭ ‬عقد‭ ‬التسوية،‭ ‬نتيجة‭ ‬الإبقاء‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬القضايا‭ ‬عالقة‭ ‬بلا‭ ‬حلّ‮»‬،‭ ‬ويشبّه‭ ‬علي‭ ‬قضية‭ ‬بعض‭ ‬المعتقلين‭ ‬لدى‭ ‬الأجهزة‭ ‬بالقنبلة‭ ‬الموقوتة‭ ‬التي‭ ‬تهدد‭ ‬نجاح‭ ‬التسوية‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬يجرِ‭ ‬إبطال‭ ‬مفعولها‭..‬

القابون‭ ‬على‭ ‬خط‭ ‬التسويات

ما‭ ‬إن‭ ‬شاع‭ ‬خبر‭ ‬نجاح‭ ‬التسوية‭ ‬في‭ ‬برزة،‭ ‬حتى‭ ‬بادر‭ ‬وجهاء‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المناطق‭ ‬إلى‭ ‬محاولة‭ ‬تطبيق‭ ‬النموذج‭ ‬في‭ ‬بلداتهم،‭ ‬البداية‭ ‬في‭ ‬القابون،‭ ‬حيث‭ ‬طلب‭ ‬وجهاؤه‭ ‬بتكرار‭ ‬تجربة‭ ‬برزة‭ ‬في‭ ‬حيّهم،‭ ‬إلا‭ ‬أنّ‭ ‬العوائق‭ ‬الناجمة‭ ‬عن‭ ‬خصوصية‭ ‬الحي‭ ‬بدأت‭ ‬بالظهور،‭ ‬تقول‭ ‬إحدى‭ ‬المصادر‭ ‬المطلعة‭ ‬على‭ ‬تفاصيل‭ ‬الاتصال‭ ‬المذكور‭ ‬لـ‭ ‬‮«‬قاسيون‮»‬‭: ‬‮«‬الإشكال‭ ‬الأساسي‭ ‬تمثّل‭ ‬في‭ ‬كون‭ ‬عمق‭ ‬حي‭ ‬القابون‭ ‬مفتوحاً‭ ‬على‭ ‬مناطق‭ ‬وبلدات‭ ‬أخرى،‭ ‬مثل‭ ‬حرستا،‭ ‬فكان‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬تحديد‭ ‬البقعة‭ ‬الجغرافية‭ ‬من‭ ‬الحي‭ ‬التي‭ ‬ستخضع‭ ‬للتسوية‮»‬،‭ ‬إلا‭ ‬أنّ‭ ‬الرد‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬المخاوف‭ ‬جاء‭ ‬من‭ ‬حرستا‭ ‬ذاتها،‭ ‬التي‭ ‬أعلن‭ ‬بعض‭ ‬زعماء‭ ‬المسلّحين‭ ‬فيها‭ ‬نيتهم‭ ‬عقد‭ ‬تسوية‭ ‬مع‭ ‬الجيش‭. ‬تلا‭ ‬حرستا‭ ‬في‭ ‬الانضمام‭ ‬إلى‭ ‬مسار‭ ‬التسويات‭ ‬حي‭ ‬جوبر،‭ ‬الذي‭ ‬يتمتع‭ ‬بخصوصيّة‭ ‬أن‭ ‬معظم‭ ‬مسلّحيه‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬الغوطة‭ ‬الشرقية‭. ‬وواصلت‭ ‬موجة‭ ‬التسويات‭ ‬اتساعها‭ ‬حتى‭ ‬بلغت‭ ‬عمق‭ ‬الغوطة‭ ‬الشرقية،‭ ‬حيث‭ ‬طالب‭ ‬وجهاء‭ ‬كفربطنا‭ ‬وجسرين‭ ‬وسقبا‭ ‬بتسوية‭ ‬مع‭ ‬الجيش‭. ‬

حتى‭ ‬الآن‭ ‬لم‭ ‬تفضِ‭ ‬المفاوضات‭ ‬والاتصالات‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬المذكورة‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬خطوة‭ ‬على‭ ‬الأرض،‭ ‬لذا‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬من‭ ‬المبكر‭ ‬تحديد‭ ‬النقطة‭ ‬التي‭ ‬وصلت‭ ‬إليها‭ ‬تلك‭ ‬التسويات،‭ ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬تلمّسه،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬سير‭ ‬العملية،‭ ‬أن‭ ‬الاتجاه‭ ‬العام‭ ‬لدى‭ ‬أهالي‭ ‬ومسلّحي‭ ‬تلك‭ ‬المناطق‭ ‬يسير‭ ‬نحو‭ ‬التسويات،‭ ‬ونبذ‭ ‬العنف‭. ‬وأنّ‭ ‬هؤلاء‭ ‬كانوا‭ ‬بانتظار‭ ‬نموذج‭ ‬حقيقي‭ ‬من‭ ‬التسويات،‭ ‬أو‭ ‬شبه‭ ‬حقيقي،‭ ‬كنموذج‭ ‬برزة،‭ ‬كي‭ ‬يقدموا‭ ‬على‭ ‬تسوياتهم‭ ‬الخاصة‭.‬

الريف‭ ‬الجنوبي‭.. ‬واقع‭ ‬مختلف

شهدت‭ ‬بلدتا‭ ‬ببيلا‭ ‬وبيت‭ ‬سحم،‭ ‬في‭ ‬الريف‭ ‬الجنوبي،‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الخطوات‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬التسوية،‭ ‬إلا‭ ‬أنّها‭ ‬فشلت‭ ‬بمعظمها،‭ ‬أما‭ ‬ما‭ ‬نجح‭ ‬منها‭ ‬فقد‭ ‬صُدّر‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬‮«‬استسلام‮»‬‭ ‬الجماعات‭ ‬المسلّحة،‭ ‬وتسليم‭ ‬أسلحتها‭ ‬للجيش‭ ‬السوري،‭ ‬يروي‭ ‬أحد‭ ‬المواطنين‭ ‬حال‭ ‬التسويات‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المناطق‭ ‬لـ«قاسيون‮»‬‭: ‬‮«‬جبهة‭ ‬النصرة‭ ‬وبعض‭ ‬الفاسدين‭ ‬في‭ ‬الأجهزة‭ ‬الأمنيّة‭ ‬هم‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬يعمل‭ ‬على‭ ‬إفشال‭ ‬التسويات‭ ‬في‭ ‬الريف‭ ‬الجنوبي،‭ ‬فالأولى‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬تتلقّى‭ ‬إمداداتها،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬وجود‭ ‬الثانية،‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬بدورها‭ ‬مستفيدة‭ ‬من‭ ‬بيع‭ ‬كيلو‭ ‬الرز‭ ‬بـ‭ ‬12000‭ ‬ليرة‭ ‬سورية‭ ‬للجائعين‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬البلدات‮»‬‭. ‬ويشرح‭ ‬المواطن‭ ‬كيف‭ ‬يجري‭ ‬إفشال‭ ‬تلك‭ ‬التسويات‭: ‬‮«‬إما‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬افتعال‭ ‬الاشتباكات‭ ‬قبل‭ ‬انجاز‭ ‬إحدى‭ ‬خطوات‭ ‬التسوية،‭ ‬كإدخال‭ ‬معونات‭ ‬غذائية‭ ‬إلى‭ ‬إحدى‭ ‬تلك‭ ‬البلدات‭ ‬مثلاً،‭ ‬أو‭ ‬نشر‭ ‬الإشاعات‭ ‬بين‭ ‬الأهالي‭ ‬وإطلاق‭ ‬تحذيرات‭ ‬كاذبة‭ ‬من‭ ‬إحدى‭ ‬خطوات‭ ‬المصالحة‭ ‬وتصويرها‭ ‬على‭ ‬أنّها‭ ‬مكيدة‭ ‬من‭ ‬أحد‭ ‬الأطراف‭ ‬للآخر‮»‬‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يودي‭ ‬بالجهود‭ ‬الخيرة‭ ‬في‭ ‬الطرفين‭ ‬التي‭ ‬تعمل‭ ‬لإنجاح‭ ‬هذه‭ ‬التسويات‭.‬

‮«‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الأمل‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬قائما‭ ‬بنجاح‭ ‬تلك‭ ‬التسويات‮»‬،‭ ‬يقول‭ ‬أبو‭ ‬أيهم،‭ ‬أحد‭ ‬رعاة‭ ‬التسوية،‭ ‬لـ«قاسيون‮»‬،‭ ‬فيوم‭ ‬الخميس‭ ‬الماضي‭ ‬أعلن‭ ‬مجدّداً‭ ‬عن‭ ‬نجاح‭ ‬التسوية،‭ ‬‮«‬وصحيحٌ‭ ‬أن‭ ‬الأيام‭ ‬خير‭ ‬من‭ ‬يحكم‭ ‬على‭ ‬صدقيّة‭ ‬الطرفين،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬النية‭ ‬متوفرة‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬المبدأ‭ ‬لديهما،‭ ‬لكنّهما‭ ‬يكابران‭ ‬حتّى‭ ‬يكسب‭ ‬كلٌ‭ ‬منهما‭ ‬عدداً‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬النقاط‮»‬‭.‬

‮«‬ضرائب‮»‬‭ ‬باهظة‭.. ‬تفرضها‭ ‬قوى‭ ‬الفساد‭ ‬على‭ ‬الدولة

كان‭ ‬لفشل‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬تجارب‭ ‬المصالحة،‭ ‬وبالأخص‭ ‬ذلك‭ ‬الذي‭ ‬نجم‭ ‬عن‭ ‬تعنّت‭ ‬قوى‭ ‬الفساد،‭ ‬نتائج‭ ‬كارثيّة‭ ‬على‭ ‬الدولة‭ ‬والحياة‭ ‬العامة،‭ ‬ففي‭ ‬داريا‭ ‬تعثّر‭ ‬مسار‭ ‬التفاوض،‭ ‬‮«‬لأن‭ ‬السرقات‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬في‭ ‬أوجها‮»‬‭ ‬يقول‭ ‬أكرم‭ ‬خولاني،‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬داريا‭ ‬لـ«قاسيون‮»‬،‭ ‬فـ«مستودعات‭ ‬المدينة‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬تحتوى‭ ‬على‭ ‬عشرات‭ ‬الألوف‭ ‬من‭ ‬قطع‭ ‬الموبيليا،‭ ‬التي‭ ‬يراها‭ ‬كل‭ ‬طرف‭ ‬كغنيمة‭ ‬وازنة‭ ‬يستوجب‭ ‬الاستيلاء‭ ‬عليها‭ ‬إفشال‭ ‬أي‭ ‬مصالحة‮»‬،‭ ‬وكانت‭ ‬نتيجة‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬أن‭ ‬قام‭ ‬مسلّحو‭ ‬داريا،‭ ‬مع‭ ‬مسلّحي‭ ‬القدم‭ ‬والعسالي،‭ ‬بسلسلة‭ ‬هجمات‭ ‬للسيطرة‭ ‬على‭ ‬طريق‭ ‬درعا‭ ‬الدولي،‭ ‬وذلك‭ ‬لكسر‭ ‬الحصار‭ ‬المفروض‭ ‬عليهم‭ ‬من‭ ‬الجيش‭ ‬العربي‭ ‬السوري،‭ ‬والنتيجة‭ ‬كانت‭ ‬أن‭ ‬توقّف‭ ‬هذا‭ ‬الطريق‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬عن‭ ‬العمل،‭ ‬وتعطلت‭ ‬الحياة‭ ‬العامة،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬توقف‭ ‬حركة‭ ‬البضائع،‭ ‬الترانزيت،‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الطريق‭.‬

مأساة‭ ‬المناطق‭ ‬‮«‬المطهّرة‮»‬

لا‭ ‬حياة‭ ‬في‭ ‬بلدات‭ ‬الحسينية‭ ‬والذيابية‭ ‬والبويضة‭ ‬وحجيرة‭ ‬وسبينة،‭ ‬في‭ ‬ريف‭ ‬دمشق‭ ‬الجنوبي،‭ ‬فبعد‭ ‬‮«‬تطهير‮»‬‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬البلدات،‭ ‬انسحب‭ ‬المسلّحون‭ ‬إلى‭ ‬محيطها،‭ ‬وفرضوا‭ ‬عليها‭ ‬حصاراً‭ ‬معاكساً،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬حال‭ ‬دون‭ ‬إعادة‭ ‬المدنيين‭ ‬إليها،‭ ‬أو‭ ‬إمكانية‭ ‬تأهيل‭ ‬البنى‭ ‬التحتيّة،‭ ‬و«لم‭ ‬يتغيّر‭ ‬مشهد‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬البلدات‮»‬،‭ ‬يقول‭ ‬م‭. ‬قصيباتي،‭ ‬ناشط‭ ‬في‭ ‬الإغاثة،‭ ‬لـ«قاسيون‮»‬،‭ ‬ويضيف‭ ‬‮«‬لدى‭ ‬محاولة‭ ‬فرق‭ ‬الهلال‭ ‬الأحمر‭ ‬إدخال‭ ‬الإغاثة‭ ‬إلى‭ ‬البلدة،‭ ‬تعرضت‭ ‬سيارات‭ ‬الهلال‭ ‬إلى‭ ‬القنص‭. ‬وليلاً‭ ‬سُرقت‭ ‬الخيم‭ ‬والشوادر‭ ‬التي‭ ‬جرى‭ ‬جلبها‭ ‬إلى‭ ‬تلك‭ ‬البلدات‭. ‬فلم‭ ‬تعد‭ ‬الكرّة،‭ ‬لأن‭ ‬الإغاثة‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المناطق‭ ‬الخطرة‭  ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬تجدي‭ ‬أي‭ ‬نفع‮»‬‭.‬

إن‭ ‬هذه‭ ‬التسويات‭ ‬تشكل‭ ‬خطوة‭ ‬في‭ ‬الإتجاه‭ ‬الصحيح،‭ ‬ومن‭ ‬واجب‭ ‬كل‭ ‬القوى‭ ‬الوطنية‭ ‬في‭ ‬النظام‭ ‬والمعارضة‭ ‬دعمها‭ ‬وترسيخها‭.‬