(قوت الشعب) يستهدف للمرة الثالثة!

(قوت الشعب) يستهدف للمرة الثالثة!

 

بعيداً عن الحرب ويومياتها استوقف رغيف الخبز الأسمر القاسي والمتفتت، غالبية السوريين الذين لا زالوا يملكون (ترف) الوقوف على الأفران، في مدن البلاد (الآمنة). لام المنتظرون على الطوابير إدارات الأفران، متوقعين أن سرقة المكونات هي السبب، وأتت الردود من داخل الفرن، بأن السبب هذه المرة هو الطحين والخميرة اللذين تجلبهما الحكومة وليس نحن!!..

الحكومة لم تخف فعلتها، بل أتت التصريحات في الأيام القليلة التالية، وقطعت الشك باليقين، موضحة الدور الحكومي (الواعي) والمقصود في تغيير نوعية الخبز، لينضم الرغيف السوري الجديد إلى قائمة ممارسات الحكومة التقشفية في ظرف الحرب.

الرغيف الجديد أسمر غير قابل للف أو التخزين، سريع التفتت والتلف، كما رصدت كثير من الحالات رائحة حموضة في الخبز، وذلك بحسب تجربة السوريين لمدة تتجاوز 15 يوماً ومن المناطق المختلفة.

وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، التي تُوضع في واجهة كل عمليات رفع الدعم والتقشف بأشكالها (الإبداعية) التي يمارسها أصحاب القرار. خرجت لتفسر وتوضح على لسان وزيرها حسان صفية.

الصحة ومحاربة التهريب..

(أولويات) وزارية!

أعلن الوزير بتاريخ 21-3-2015 بأن سبب تغير نوع الخبز، والأهداف من هذه العملية قائلاً: « تغيّر لون الخبز للأسمر هو نتيجة رفع نسبة الاستخراج من القمح وهو يزيد من فوائد الخبز الصحية، إن هذا الأمر ينهي عمليات تهريب الدقيق والمتاجرة به والتي يقوم بها بعض ضعاف النفوس، مستغلين استيراد الطحين الأبيض في الفترات السابقة وهو ما نسعى للتقليل منه قدر الإمكان»

 أي وبحسب ترتيب المسببات والأولويات في تصريحات الوزير، يبدو أن رفع نسبة استخراج القمح وزيادة النخالة والقشور فيه، ستؤدي إلى (ضرب عصفورين بحجر) بحيث يستفيد السوريون من الفوائد الصحية لقشور القمح والنخالة من جهة، ولا يطمع مهربي الدقيق بالطحين الحكومي الجديد من جهة أخرى، وبالتالي تقضي الوزارة على ضعاف النفوس، و(تعزز صحة السوريين الصامدين)!.

بالتأكيد لا يمكن الأخذ بترتيب المبررات كما يسوقها وزراؤنا في تصديهم للرد عن كل إجراء من إجراءات السياسة الاقتصادية. 

تبينت الأسباب لاحقاً من تصريحات الوزير نفسها، ومن تصريحات أخرى، ليظهر أن الخبز لن يعود كما سبق، والسبب هو (توفير المال العام) ومحاربة المهربين بلقمة عيشنا.

السبب الأول:

إنتاج طحين بنوعية أردأ! 

يتضح اشتراك عاملين في التدهور السريع لنوعية الخبز السوري، الأول إجراء حكومي مباشر، متمثل برفع نسبة استخراج الطحين من القمح، حيث أن مستوى (بياض الطحين) يتحدد بنسبة إدخال القشور والنخالة فيه،

سابقاً كان 20% من القشور والنخالة لا تدخل في تركيبة الطحين، أي كانت نسبة الاستخراج من القمح  80%، تحوله إلى طحين أبيض. أما النخالة فتحول إلى المؤسسة العامة للأعلاف، وتستخدم في صناعة أنواع منها، أو توزع لجهات أخرى.

أما اليوم فقد رفعت الحكومة النسبة، لتنتج كميات أكبر من الطحين،  حيث يستخرج 95% من القمح فيتحول إلى طحين أسمر نتيجة ازدياد نسبة القشور والنخالة فيه. 

وهذا الإجراء يهدف إلى تحقيق وفر في كميات الطحين المنتج محلياً، ولكنه ينتج طحيناً أسمراً، وخبزاً أسمراً.

وبهذه العملية ستوفر الحكومة مقدار 165 ألف طن، وهي نسبة 15% من كميات الطحين المنتجة محلياً في عام 2014 والبالغة 1,1 مليون طن، وقيمتها وفق الأسعار العالمية 50 مليون دولار تقريباً: (300 $ للطن من أنواع القمح الجيدة)، أي ما يبلغ: 10,6 مليار ل.س (بسعر صرف 212 ل.س/$ سعر الصرف للمصرف التجاري لأغراض التدخل) !!

أي أن الإجراء الحكومي، سيوفر 10 مليار ل.س خلال عام يطعمنا به خبزاً أسمر.

ليكون هذا الإجراء الحكومي، هو التعدي الثالث على لقمة عيش السوريين، بعد رفع السعر للمرة الأولى، لتحقق الحكومة  توفير بمبلغ 12 مليار ليرة، ورفعه للمرة الثانية لتحقق قرابة 10-12 مليار ليرة أخرى، ثم تخفيض نوع الخبز لتحقق وفورات بمبلغ10 مليار ليرة جديدة..

السبب الثاني:

استيراد خميرة بنوع رديء

السبب الثاني الذي كشف عنه المسؤولون وتداولته وسائل الإعلام، ووضحه الفنيون والعاملون في الأفران، هو نوع الخميرة الجافة المستوردة، المستخدمة في صناعة الرغيف.

وتأكّد دور الخميرة، من خلال تصريح لرئيس لجنة المخابز الاحتياطية زياد هزاع بتاريخ 28-3-2015، حيث أشار إلى أن مشكلة الخميرة المستوردة هي عدم ملاءمتها  لعملية التخمر الموجودة في مخابزنا، حيث تحتاج إلى وقت تخمر أطول حوالي 3 ساعات، بينما الخميرة السورية تحتاج إلى ساعة أو ساعة ونصف، والوقت الطويل لا يمكن التقيد فيه في المخابز العامة التي تنتج نحو 13 طن خبز  يومياً، أو في المخابز الخاصة التي تنتج ليلاً، وللتوافق مع الخميرة الجديدة يفترض أن يتم زيادة الخميرة المضافة إلى الطحين.

فنوعية الخميرة المستوردة الجافة من الصين بإعلان المؤسسة العامة للسكر، وعن طريق متعهد خاص بطبيعة الحال، لا تتناسب مع ظروف الخبز السورية، وهي جزء مشارك هام في تدهور نوعية الرغيف السوري في عام 2013.

«لفلفة» المسؤولية

اجتمع في وزارة الصناعة وزيرها مع وزير التجارة الداخلية، مع اتحاد الحرفيين وشركة المخابز ولجنة المخابز الاحتياطية، والمدير العام لمؤسسة السكر، ومدير عام شركة سكر حمص، وعدد من المدراء الفرعيين في الوزارتين، في اجتماع نوعي لكل الجهات المسؤولة والمعنية بمسألة تصنيع الخبز. حيث نقلت جريدة تشرين الرسمية بتاريخ 29-3-2015، أن الهدف من الاجتماع هو متابعة نوعية الخبز المنتج، وخرج الاجتماع بمجموعة من التوصيات تركزت حول وضع آليات لضبط ومراقبة عملية استيراد الخميرة وشروطها الفنية، وعملية مراقبتها وتحليلها وتوزيعها.

ليتضح بأن ثغرة استيراد خميرة بنوع رديء أو غير مطابق لمواصفات عملية الإنتاج في سورية، تتشارك في المسؤولية عنها، وزارتي الصناعة والتجارة الداخلية، حيث تقوم المؤسسة العامة للسكر التابعة للصناعة بطلب عروض استيراد الخميرة الجافة من قبل جهة خاصة دون دفتر شروط فنية واضح، ثم تقع المسؤولية على كل من وزارتي الصناعة ووزارة التجارة الداخلية للقيام بعملية تحليل الخميرة المستوردة، واختبارها، ثم شددت الإجراءات على أن تؤخذ معلومات الكميات المتوفرة من شركة سكر حمص، على اعتبارها الجهة المنتجة التي تمتلك المعلومات الدقيقة حول الإنتاج المحلي المتوفر، والذي من المفترض أن تحدد الحاجات الاستيرادية وفقه.

التوصيات توضح الثغرات

توضح التوصيات المذكورة، بأن دفتراً واضحاً للشروط الفنية للخميرة المستوردة ليس موجوداً، وأن عمليات الاختبار والتحليل، إن تمت فإنها لم تكتشف مشاكل الخميرة المذكورة، كما توضّح بأنه من المفترض التحقق من الكميات المنتجة محلياً من الخميرة الطرية في معمل سكر حمص لتحديد حاجات الاستيراد، بالإضافة إلى مشاكل في عمليات التوزيع والاستلام.

توزع المسؤوليات لن يوقع اللوم على أحد، وسيسمح للمسؤولين عن استيراد خميرة غير مناسبة (بالنفاذ بجلدتهم) سواء في الجهات العامة، أو المتعهد المستورد الخاص.

وهنا تسجل عمليات استيراد المواد الرئيسية من قبل القطاع الخاص، مخالفة جديدة تتحمل مسؤوليتها بالدرجة الأولى الجهات المسؤولة عن المال العام المخصص لاستيراد المواد، حيث لا توجد رقابة أو تدقيق على أسعار الاستيراد، وبذريعة الفوضى ترتفع الفواتير إلى مستويات أعلى من السعر العالمي بكثير، وتتوزع المبالغ بين سماسرة المال العام والمستوردين، كما في الحالات الكثيرة المرصودة لصفقات استيراد مواد، مثل الطحين والسكر، يضاف اليوم استيراد الخميرة مثال واضح حول عدم وجود رقابة جدية على نوعية المواد المستوردة.

ماذا فعلتم بمليارات الخبز؟!

وفرت الحكومة من عمليتي رفع سعر الخبز سابقاً أكثر من 34 مليار ل.س، 24 مليار ليرة من المرتين الأولى والثانية عندما رفعت سعر ربطة الخبز بمقدار 10 ل.س كل مرة، بالإضافة إلى أكثر من 10 مليار ليرة سورية حالياً بعد أن وفرت 15% من كميات الطحين.

ما الذي جرى بهذه الوفورات؟! 

هل استخدمت في إنشاء المطاحن الجديدة التي يتكرر التصريح عنها مع شركات إيرانية؟، هل استخدمت لإطلاق مطحنة تلكلخ من جديد وفق ما يصرح عنه حول الاتفاق مع شركة روسية للصيانة؟ لا أحد يعلم.. لأن الحكومة لا تعتبر أنها مسؤولة عن التصريح حول مصير المليارات المأخوذة من المبالغ التي يدفعها السوريون على خبزهم، أو على أي شأن آخر. 

إن الوفورات المحققة تلك قادرة على إطلاق مطحنة تلكلخ المعطلة، على سبيل المثال، أو من الممكن استثمار أجزاء منها لإعادة إنتاج الخميرة الطرية محلياً بشكل كامل.

مطحنة تلكلخ العقد المؤجل..

بحسب التصريحات الحكومية منذ عام 2013 فإن عقداً قد وقع مع شركة روسية لصيانة مطحنة في تلكلخ بطاقة إنتاجية 600 طن يومياً، وقد بلغت قيمة العقد 16,7 مليون يورو. أي بتكلفة تبلغ: 38,5 مليار ل.س بسعر صرف (231 ل.س مقابل اليورو).

هذا العقد لم يدخل قيد التنفيذ، ولم يصادق عليه بعد، حيث أنه في شهر 2-2015 أعادت مديرية المطاحن العامة الإعلان أنها تتشاور مع الطرف الروسي لصيانة المطحنة!!

من الجدير ذكره أن المطحنة المؤجلة تستطيع أن تغطي النقص الحاصل في إنتاج الطحين في سورية اليوم، وتلغي الاستيراد بالكامل.

5,9 مليار ل.س معمل خميرة جديد

بحسب مدير المؤسسة العامة للسكر فإن كلفة معمل للخميرة الطرية في تل سلحب لا تتجاوز 5 مليار ل.س، بطاقة إنتاجية 50 طن يومياً، أي طاقة نظرية قرابة 15600 طن خميرة طرية سنوياً (مع احتساب أربع أيام عطل في الشهر). 

كما صرح أن قرابة 900 مليون ل.س كافية لتنفيذ مشاريع الاستبدال والتجديد والتصنيع في كل شركات السكر ومعامل الخميرة التابعة لها في مختلف المحافظات.

ينبغي الإشارة إلى أن المعمل الجديد مع مضاعفة الطاقة الفعلية لمعمل سكر حمص قادرة على تأمين حاجات إنتاج الخبز من الخميرة الطرية.

إنتاج حاجات البلاد من الخميرة الطرية

بحسب تصريح مدير معمل سكر حمص لقاسيون فإن طن الطحين المستخدم في صناعة الخبز يحتاج إلى إضافة كمية 2% خميرة طرية لإنتاج الخبز، أي يحتاج إلى 20 كغ خميرة طرية.

وبالتالي فإن كميات الطحين المستهلكة في عام 2014 البالغة 1,3 طن طحين، تحتاج إلى 26 ألف طن خميرة طرية.

أنتج معمل سكر حمص 5908 طن من الخميرة الطرية في 2014، بينما تبلغ طاقته النظرية 25 طن في اليوم، أي 7800 طن سنوياً (مع احتساب 4 أيام عطلة شهرياً).

أما معمل تل سلحب الموعود فإذا ما عمل بطاقته القصوى 50 طن يومياً يستطيع إنتاج 60% من حاجات الخميرة الطرية، أي حوالي 15600 طن سنوياً.

فإذا ما توقفت التعطلات في معمل حمص بسبب المازوت والكهرباء أو غيرها، واستخدمت 900 مليون في مضاعفة طاقته الإنتاجية الفعلية إلى 11 ألف طن.

فإن المعمل الجديد في سلحب، مع معمل سكر حمص يستطيعان تغطية حاجات البلاد من الخميرة الطرية لإنتاج الخبز للأفران العامة والخاصة.

هذا إذا ما افترضنا أن المعامل الأخرى في حلب وحرستا وشبعا لن تعود إلى العمل في العام القادم!.

وهذه الاستخدامات للوفورات المأخوذة من سعر الخبز كفيلة بإعادة الخبز أبيض كما كان دون إضافة النخالة والقشور، وبتأمين حاجات الطحين الكاملة محلياً، وإيقاف استيراد الطحين والخميرة الذي يعتبر بوابة سمسرة ونهب.

900$ فوق السعر العالمي..!

لم تعلن أي جهة حكومية عن تكلفة صفقة استيراد الخميرة التي تسببت بجزء من تدهور نوعية الرغيف. إلا أن تصريحات لإدارة المؤسسة العامة للسكر في عام 2013 أشارت إلى أن تكلفة استيراد الخميرة الجافة في عام 2013 كانت 615 ألف ل.س للطن، وهي بسعر صرف 150 ل.س/$ في حينه، كانت تبلغ: 4100 $ للطن.

بينما في بحثنا حول أسعار الخميرة الجافة عالمياً لم نر سعراً يفوق 3200 $ للطن!!، أي بفارق 900 $ في الطن.

هل تملك أي جهة حكومية تفسيراً لهذه الكلف الإضافية؟!

34 مليار   تقشف

تبلغ الوفورات التي حققتها الحكومة من رفع أسعار الخبز لمرتين متتاليتين ومن توفير 15% في الطحين الأسمر الحالي قرابة 34 مليار ل.س. بينما لم تنفق الحكومة أي نفقة إضافية، وتحديداً بعد تراجع  استيراد الطحين في 2014

90 مليار الفرق

بلغ تقدير الفارق بين سعر الطحين المستورد في 2013، من فرنسا، وبين أعلى سعر عالمي للطحين في حينه 325 $ للطن، محققاً فرقاً  255 $ للطن بالحد الأدنى. حيث تم استيراد 2,4 مليون طن.

200 ألف طن عجز

أنتجت المطاحن المحلية مقدار 1,1 مليون طن في 2014، بينما بلغ حجم الاستهلاك المحلي 1,3 مليون طن في 2014 ومنه فإن حاجات الاستيراد لا تتجاوز 200 ألف طن، يستطيع مشروع تأهيل مطحنة تلكلخ بطاقة 600 طن أن يسدها.

4100 دولار استيراد

لا توجد تصريحات توضح كلفة استيراد الخميرة رديئة النوع، ولكن أرقاماً من عام 2013 صرحت عنها المؤسسة العامة للسكر، أشارت إلى أن استيراد طن الخميرة الجافة بلغ 615 ألف ل.س، أي 4100 $ للطن بسعر صرف 150 ل.س/$ في ذلك الحين. بينما أعلى سعر عالمي يسجل للخميرة الجافة 3000 $ للطن.