الاحتفال بالحرب.. لماذا مات جنود أمريكا؟(1/2)
باول كريغ روبرتس باول كريغ روبرتس

الاحتفال بالحرب.. لماذا مات جنود أمريكا؟(1/2)

«يوم الذكرى» هو يوم الاحتفاء بمن مات في الحرب، وأصبح كما الرابع من تموز، يوماً للاحتفاء بالحرب نفسها. لا يريد من خسر عائلته أو أعز اصدقائه في الحرب أن يذهب موتهم سدى. وأصبحت الحرب اليوم مجموعة من الأفعال المبجلة قام بها جنود نبلاء يقاتلون لنصرة قيم الحق والعدالة. وحسب الطريقة الأمريكية، تذكرنا الخطب الوطنية بما ندينه لأولئك الذين قدموا حياتهم كي تظل أمريكا حرة.

ترجمة : جيهان الذياب

 

إن القصد من وراء تلك الخطب حميد، لكنها في الوقت نفسه تخلق واقعاً مزيفاً يدعم المزيد من الحروب. فالحروب التي خاضتها أمريكا لم تتعلق يوماً بالحرية، بل على العكس، قامت تلك الحروب بسحق حقوقنا المدنية، وجعلتنا غير أحرار على الإطلاق.

أصدر الرئيس «لينكولن» أمراً تنفيذيا باعتقال وحبس محرري ومراسلي صحف الشمال، كما أغلق 300 صحيفة في الشمال وقام بسجن 14000 معتقل سياسي. وقام باعتقال أحد نقاد الحرب، كليمنت فالنديام ممثل الشعب عن ولاية أوهايو، وتم نفيه إلى الحلف.

وكما استخدم الرئيس الأمريكي السابق، وودرو ويلسون، الحرب العالمية الأولى لقمع حرية التعبير، استخدم الرئيس، فرانكلين روزفلت، الحرب العالمية الثانية لاعتقال 120000 مواطن أمريكي لأن أصولهم اليابانية ووضعتهم في خانة المشتبه بهم. وخلص البروفيسور، سامويل ووكر، إلى أن الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن استخدم عبارة «الحرب على الإرهاب» لشن اعتداء غير محدود على الحريات المدنية الأمريكية، وجعل من نظام بوش الابن السياسي الخطر الأكبر الذي واجهته الحريات الأمريكية في تاريخها.

 

العذر الأنسب للطغيان

دمَّر لينكولن للأبد حقوق الولايات، لكن تعليق المثول أمام القضاء والحجز على حرية التعبير اللذين استمرا طوال حروب أمريكا الثلاث الكبرى، تم رفعهما بعد انتهاء تلك الحروب. واستمرت عملية نقض الدستور التي بدأت أيام الرئيس بوش إلى عهد الرئيس أوباما، وقد تمت شرعنتها من قبل الكونغرس والنظام الإداري. وبعيداً عن الدفاع عن الحريات، يبدو أن الذين ماتوا في «الحرب على الإرهاب» قد ماتوا لأجل استمرار عملية الاعتقال غير المحدود للمواطنين الأمريكيين دون أي أساس قانوني، بالإضافة إلى قتل الأمريكيين عند الاشتباه بهم فقط، دون محاسبة قانونية أو دستورية. وأصبح الاستنتاج هنا واضحاً، فلم تقم حروب أمريكا بحماية حرياتنا، بل على العكس، دمرتها. وكما قال ألكسندر زولنستين: «إن دولة الحرب لا تفيد إلا في كونها العذر الأنسب لطغيانٍ يحكمها».

شكَّل انشقاق الجنوب تهديداً لإمبراطورية واشنطن، لكنه لم يمثِّل تهديداً للشعب الأمريكي (كما هو الحال مع الألمان في الحرب العالمية الأولى، والألمان واليابانيين في الحرب العالمية الثانية)  وقد وضح المؤرخون ذلك بشكل كامل، فلم تشعل ألمانيا الحرب العالمية الأولى، ولم تدخل الحرب تحت نوايا توسعية. كما أن طموح اليابان كان في آسيا فقط. ولم يرد هتلر الحرب مع فرنسا وبريطانيا، بل كانت أهدافه التوسعية تتركز على المقاطعات التي سلبت منه في الحرب العالمية الأولى في خرق لضمانات الرئيس ويلسون. وبالتالي اتجهت طموحات ألمانيا الرئيسية إلى الشرق، ولم يكن هناك أي نية لاجتياح الولايات المتحدة الأمريكية. لقد هاجمت اليابان ميناء بيرل هاربور على أمل إزالة العائق أمام نشاطاتها في آسيا، ولم يكن عملاً استباقياً استهدف اجتياح أمريكا.

وبالتأكيد، لم تشكِّل الدول التي خربتها أمريكا أيام بوش وأوباما أي تهديد عسكري للولايات المتحدة الأمريكية. لقد كانت حروباً استخدمتها مجموعة من الطغاة لتكوين دول على شاكلة دولة «الشتازي» الأمنية الألمانية المتواجدة حالياً في أمريكا.

 

الحرب لمصلحة رأس المال

يبدو الأمر صعب التصديق، لكن الحقائق واضحة، فقد تم خلق الحروب الأمريكية لزيادة قوة واشنطن، ولرفع أرباح أصحاب البنوك ومصنعي الأسلحة وثروات الشركات الأمريكية. قال جنرال البحرية الأمريكية، سميدلي باتر: «لقد أديت خدمتي تحت كامل الرتب من الملازم إلى الجنرال، وخلال هذا الوقت، أمضيت تلك الفترة كحارس أنيق للشركات الكبرى، لوول ستريت، وأصحاب البنوك. باختصار، لقد كنت أداة ابتزاز بيد الرأسمالية».

يبدو من المستحيل الاحتفاء بقتلى الحرب دون تبجيلهم، ويبدو من المستحيل تبجيلهم من دون تبجيل الحروب التي شاركوا فيها. لقد بقيت أمريكا طوال سنوات القرن الواحد والعشرين في حالة حرب، لم تكن ضد جيوش جرارة تهدد الحرية الأمريكية، بل كانت ضد المدنيين من نساء وأطفال وعجزة في القرى، كانت حرباً ضد حرياتنا نحن، ويطالعنا المهتمون بهذه الشؤون بحقائق تضمن استمرار هذه الحروب لعشرين أو ثلاثين سنة أخرى، قبل أن ننتهي من «الخطر الإرهابي».

لكن هذا هراء بالطبع، فلم يكن هناك أي خطر إرهابي قبل أن تصنعه واشنطن من خلال هجومها العسكري، وغير المبرر على العديد من الدول. نجحت واشنطن عن طريق مجموعة من الأكاذيب حول الحرب إلى حد تجاوزت فيها حدود الغطرسة.

لقد وضعت الولايات المتحدة نفسها في مواجهة مع روسيا من خلال إسقاط السلطة في أوكرانيا، وهي مواجهة قد تنتهي بشكل سيئ لواشنطن، وربما للعالم أجمع، تبدو أمريكا اليوم كصبي متنمر ضرب طفلاً صغيراً في الحضانة، ويظن الآن أنه قادر على هزيمة رجل ضخم.

 

استحضار «التفوق» لتمرير وطأة الحروب

لقد دمر بوش وأوباما سمعة الولايات المتحدة الأمريكية من خلال إصرارهما على الأكاذيب والعنف تجاه شعبهما، والعالم يرى في واشنطن اليوم تهديداً رئيسياً. حيث أظهرت استطلاعات الرأي بأن معظم الناس حول العالم يرون في الولايات المتحدة الأمريكية و«إسرائيل» التهديد الأعظم على السلام، والدول التي تصنفها الولايات المتحدة كـ «دول مارقة» وضمن «محور الشر» مثل إيران وكوريا الشمالية تقع في أسفل سلم التهديد، ويبدو واضحاً بأن العالم لايصدق الدعاية الأمريكية، فقد أصبحت أمريكا و«إسرائيل» هي «الدول المارقة».

الأيديولوجيات مهمة في صناعة الحروب، وتنعكس عقيدة هتلر التي تتحدث عن «تفوق» الألمان العرقي بوضوح في عقيدة المحافظين الجدد الأمريكية. فاليهود المستوطنون في فلسطين (أي الغزاة) يطالبون بـ «حقهم» في أرض مأهولة من قبل غيرهم لملايين السنين.

لا تلاقي مذاهب التفوق «الإسرائيلي» والأمريكي على الآخرين أصداء إيجابية عند الآخرين، وعندما أعلن أوباما في خطاب له بأن الأمريكيين شعب مميز، أجابه بوتين: «خلقنا الله سواسية».

كما اكتسبت «إسرائيل» العديد من الأعداء على حساب توسع مستوطنيها، ونجحت في عزل نفسها عن العالم، ويعتمد توسعها المستمر بشكل كامل على رغبة وقدرة واشنطن على حمايتها، أي أن قوتها مشتقة من قوة واشنطن.

 

ماذا عن الاقتصاد الأمريكي؟

أما قوة واشنطن، فهي قصة أخرى، فالاقتصاد الأمريكي كان الاقتصاد الوحيد الفعال بعد الحرب العالمية الثانية، عندما أصبح الدولار عملة عالمية، وهذا ما أعطى واشنطن تفوقاً على كل العالم، وأصبح الدافع الأكبر لقوة أمريكا. ومع صعود الدول الأخرى، تحولت أمريكا إلى دولة إمبريالية.

ولمنع الدول الأخرى من الصعود، طبَّقت أمريكا عقيدة بريجنسكي وولفوويتز، التي تقول باختصار: لكي تبقى أمريكا قوةً عظمى عليها أن تتحكم بأراضي أوراسيا، ويجب أن يتم ذلك بـ «سلام» عبر استمالة روسيا إلى الإمبراطورية الأمريكية: «إن روسيا ضعيفة الاستقرار يسهل نقل الإمبريالية اليها»، أي بكلام آخر، لابد من تقسيم روسيا إلى دويلات صغيرة يتم شراء سياستها بالمال الأمريكي. طرح الرجل «استراتيجية جيوسياسية لأوراسيا»، رأى فيها أن «روسيا الكونفدرالية» والصين هما جزء من إطار أمني ممتد عبر القارة، على أن يدار عبر واشنطن كقوى عظمى وحيدة في العالم.

تساءلت مرة أمام زميلي بريجنسكي: «إن كان العالم متحالف معنا، ضد من نتحالف؟». وقد فاجأه السؤال، لأني أظن بأن الرجل ما زال في أيام الحرب الباردة حتى بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، ففي منطق الحرب الباردة كان من المهم الحفاظ على اليد الطولى، وإلا قد يفقد المرء وزنه كلاعب فعال. إن السياسة الوحيدة الي تعرفها واشنطن هي الرغبة بالتفوق على الآخرين.

 

*باول كريغ روبرتس: الأمين المساعد لوزارة الخزانة الأمريكي سابقاً ومحرر في صحيفة وول ستريت جورنال 

معلومات إضافية

ترجمة:
شيرين الذياب