لماذا يخشى الغرب إلى هذا الحد من رئاسة روسيا لمجموعة البريكس؟

لماذا يخشى الغرب إلى هذا الحد من رئاسة روسيا لمجموعة البريكس؟

نشرت مجلة «نيوزويك» مقالاً لنائب وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، غريغوري زرزان، يدعو للتفكير في مصير الدولار كعملة عالمية، حيث حذّر زرزان سلطات «أمريكا القوية» من أنه لا ينبغي لها الاستخفاف بتوسع مجموعة البريكس التي يرى فيها تعزيزاً كبيراً لأحد التهديدات الرئيسية للأمن المالي وللهيمنة العالمية، حسب وصفه.

ويصف كاتب المقال مجموعة «بريكس بلس» بأنها «آلية إطلاق» لقنبلة اقتصادية موقوتة محتملة: «هذا تحالف من الدول التي قد تحاول قريباً استبدال الدولار الأمريكي كعملة احتياطية في العالم... ونجاحها سيعني تدني نوعية الحياة لجميع الأميركيين».

ويشير كاتب المقال، القاطع في أحكامه، إلى انضمام مصر وإثيوبيا وإيران والسعودية والإمارات إلى التحالف الذي تكرهه واشنطن، وهو ما يجعل من هذا التحالف قوة جدية.

وتمثل دول البريكس الموسعة 45% من سكان الكوكب، و33% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، و40% من إنتاج النفط العالمي. وإذا توصلت هذه الدول إلى اتفاق وبدأت ليس فقط في بيع النفط، بل وكذلك القمح والذهب والسلع الأخرى (مقابل عملاتها التي قد تنشئها)، فإن هذا سيصبح تهديداً مباشراً للدولار والولايات المتحدة نفسها.

ففي نهاية المطاف، كما كتب كاتب المقال: «ليس لدى الدول المعادية لنا أي سبب آخر لتطوير بديل للدولار غير الرغبة في تقويض قوة الولايات المتحدة». وبمعونة العملات الوطنية، سيدعمون العجز التجاري والميزانية الضخمة على المدى الطويل في الولايات المتحدة، بل وسيؤمّنون بديلاً للدول التي تبحث عن بدائل للنظام المصرفي الأمريكي.

وإذا خلقت مجموعة «بريكس بلس» عالماً مالياً بديلاً، فإن قيمة الدولار ستنخفض، مما يؤدي إلى ارتفاع أسعار الفائدة وارتفاع الأسعار، مما يزيد من صعوبة خدمة الدين الحكومي الأمريكي، الذي يبلغ حالياً أكثر من 34 تريليون دولار. ولتجنب انهيار النظام المالي، سيتعين على الولايات المتحدة أن تقترض المزيد وتزيد أسعار الفائدة على الأوراق المالية «إلى أن يصبح العجز عن السداد احتمالاً حقيقياً». وسيؤدي هذا إلى اضطرار الولايات المتحدة إلى التضحية بمكانتها الفريدة.

يتم إنشاء نظام عالمي جديد بسرعة كبيرة، حيث ترغب المزيد والمزيد من الدول في الابتعاد عن الدولار إن أمكن، وهذا سيضر بالاقتصاد الأمريكي. وعلى هذه الخلفية، تشعر النخبة الغربية بالقلق بشكل متزايد من رئاسة روسيا لمجموعة البريكس في عام 2024.

جدير بالذكر أن رئيس الدولة المستضيفة هو الذي يحدد جدول الأعمال الرئيسي للمجموعة، ويوجه عملها في اتجاه معين. وقد حدد الرئيس الروسي الأهداف التي ستسعى روسيا إلى تحقيقها كرئيس لمجموعة البريكس، فبصفتها رئيساً لمجموعة البريكس، ستعمل روسيا بكل الطرق الممكنة على تعزيز تنفيذ استراتيجية الشراكة الاقتصادية لبريكس حتى عام 2025، وخطة العمل للتعاون الابتكاري للفترة 2021-2024، وضمان أمن الطاقة والغذاء، وزيادة دور البريكس في السياسة النقدية والمالية الدولية، وتطوير التعاون بين البنوك، وتوسيع استخدام العملات الوطنية في التجارة المتبادلة.

ولا تقترح روسيا في الوقت الحالي التخلي عن الدولار والتحول إلى عملة موحدة مشابهة لليورو المستخدم في الاتحاد الأوروبي فوراً، بل تتحدث عن شيء آخر؛ وهو إنشاء وحدة حسابية تُستخدم حصرياً في التجارة الخارجية وتحفيز المدفوعات بالعملات الوطنية. وفي المستقبل، إذا تمكنت الدول المشاركة من الاتفاق، فيمكن اعتبارها عملة لأنشطة التجارة الخارجية. فمن خلال الحد من تأثير الدولار على الاقتصاد، يصبح بوسع الدول التي لا تتفق مع السياسات الأمريكية أن تقلل من اعتمادها عليه.

وقد أكد وزير المالية الروسي أنطون سيلوانوف أن دول البريكس تناقش إمكانية إنشاء وحدة حسابية مشتركة بديلة للدولار. ووحدة الحساب الجديدة «يمكن أن تعبّر عن تكلفة إمدادات السلع الأساسية، وعن مقاييس لبعض السلع حتى لا تعتمد على عملة واحدة أو مركز الإصدار ذاك [إشارة إلى الولايات المتحدة]، الذي ليس من الواضح كيف يصدر هذه الأوراق النقدية».

وأحد المقترحات المبتكرة لوزارة المالية الروسية هو إصدار أصل مالي رقمي - عملة مستقرة - على أساس سلة معينة من عملات دول البريكس. لكن هذا الاقتراح يحتاج إلى دراسة جادة. هناك الكثير من التفاصيل والأسئلة التي «ستحتاج إلى مناقشتها مع شركائنا» وفقاً لتعبير وزير المالية الروسي.

أي أن العملة المستقرة لن تكون عملة جديدة بالمعنى الكامل للكلمة، مثل الدولار الآن للمدفوعات الدولية، الذي يعطي تفضيلات مالية هائلة للولايات المتحدة. بل يتم التفكير في بدائل تؤسس لنظام عالمي لا يقوم أحد فيه «بإطعام» قوة مهيمنة جديدة.

وقد أكد بوتين أن بلاده «ليست بحاجة إلى إنشاء عملة جديدة، بل إلى لوجستيات مالية جديدة!». ومن الواضح الآن - وفقاً للتقديرات الروسية - أن تركيا ودول الخليج ستكون على استعداد لاستخدام وحدة الحساب التي اقترحتها روسيا فوراً.

من الممكن مقارنة الوحدة الحسابية التي يتحدث عنها سيلوانوف بوحدة النقد الأوروبي، التي كانت مستخدمة في الفترة 1979-1998. ففي تلك الفترة، تم قبول وحدة نقدية أوروبية بسهولة كوسيلة دفع غير نقدية لمعاملات التجارة الخارجية. وكانت تستخدم لتسوية الحسابات مع البنوك التجارية والمركزية. حيث أزال هذا التناقضات بين الدول الأوروبية لاحقاً.

في تشرين الأول، وقبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية في تشرين الثاني، من المقرر أن تعقد قمة مجموعة البريكس في كازان. وإذا كان من الممكن بحلول هذا الوقت الاتفاق على جميع القرارات المتعلقة بنظام المدفوعات الجديد، فسيواجه الرئيس الأمريكي الجديد المهمة الصعبة المتمثلة في إخراج البلاد من مستنقع الديون الذي قادته إليه سياسات بايدن وأسلافه.

 

آخر تعديل على الثلاثاء, 13 شباط/فبراير 2024 16:24