ارتفاع التضامن الشعبي العالَمي مع فلسطين كمّاً ونوعاً

ارتفاع التضامن الشعبي العالَمي مع فلسطين كمّاً ونوعاً

يصل "الطوفان" إلى أربعينيّته وما يزال قوياً وجارفاً، رغم التضحيات المهولة بل وبسبب هذه التضحيات بالذات – نظراً لأن العدوّ يمثّل ذروة غير مسبوقة لما أفرزته الرأسمالية من قذارة فاشيّة. ويَعِدُ الطوفان بانتصارٍ سيسجَّلُ كأحد أهمّ الأحداث المفصلية بتاريخ الصراع بين معسكر الشعوب وقواها الأكثر تقدّمية من جهة ومعسكر القوى الإمبريالية الفاشية بقيادة واشنطن والصهيونية وحلفائهما الأوروبيين (وخاصةً ورثة هتلر وبلفور) من جهة ثانية. وإذا كان الشعب الفلسطيني البطل هو رأس الحربة اليوم في ملحمة تحرّره الوطنية، فإنّه استطاع بجدارة أنّ يفرض من جديد وبقوة غير مسبوقة، هذا الفرز الصائب الدقيق والقاطع كشفرة، في ساحة الصراع الأممي الطبقي والحضاري العالَمي، حيث شحذ همم المتضامنين بالملايين في القارات الخمس، حتى أخذ نضالهم لعدالة هذه القضية الأممية يرتقي من الكلمة الهاتفة بوقف الإبادة الجماعية في غزة، إلى الفعل العملّي لعرقلة شحنات أسلحة "لإسرائيل" من موانئ بلجيكا وأمريكا وأستراليا.

وهذه الحال، فليس مستغرباً أن تتصدّر الطلائع الأكثر تقدّمية في الطبقة العاملة العالمية جبهات الصراع والتضامن في هذه القضية، فمشاهد التضامن الواسع لدى الشعوب في قلب عدد من أعتى قلاع الرأسمالية، من لندن وواشنطن ونيويورك، إلى باريس وبرلين وسيدني، تشهد على نضجٍ في الوعي الشعبي، الطبقي والأممي، بات يعرف تماماً التلاحم الكبير والمتزايد بين مظلوميات جميع شعوب العالَم وكادحيه سواء الرازحين منهم تحت الاستعمار والاحتلال المباشر بأشكاله القديمة والجديدة في بلدان الأطراف، أو الرازحين في الداخل "الغربي" تحت العواقب المتفاقمة للأزمة الرأسمالية الشاملة وانهيارها الحضاري وعواقب حروبها العدوانية واللانهائية، والتي تقوم اليوم أكثر من أيّ وقت مضى بتمزيق جميع أقنعتها "الديمقراطية" المنافقة و"حقوق إنسانها" الكاذبة، مما ساهم بهذا المفعول الشّافي لوعي شعوبها فأخذ يخّلصها من كثيرٍ من الأوهام والأكاذيب والتشويهات التي هيمنت بها عليهم لعقود طويلة.

اعتراض بحري في أستراليا

منذ أيام قليلة انضمّ عدد من الأستراليين المناصرين للقضية الفلسطينية إلى حركة "اعترضوا القوارب" الدولية للاحتجاج على شحنات الأسلحة المتوجهة إلى "إسرائيل".

ففي يوم السبت، 11 من الجاري، تمّ تنظيم احتجاج في ميناء بوتاني في سيدني، حيث قام عشرات النشطاء المتضامنين بركوب عدد من القوارب المائية الصغيرة التي رفعوا عليها أعلام فلسطين وحاصروا بها سفينة شحن كبيرة تحمل أسلحة كانت تتجهّز للانطلاق إلى الكيان الصهيوني، واستطاعوا منعها من الأبحار وسط هتافات "كلّنا  فلسطين" بحسب مقاطع فيديو متداولة.

ولم يكن هذا التحرك الأول من نوعه مؤخراً في أستراليا، فلقدس سبقه احتجاج مماثل في ميناء ملبورن الأربعاء، حيث استلقى الناشطون أمام الشاحنات التي تحمل "البضائع القاتلة" (أسلحة لشركة الشحن الإسرائيلية "زيم").

وكان أحد أعضاء مجلس الشيوخ الأسترالي عن حزب "الخضر"، ديفيد شوبريدج، قد  قال يوم الثلاثاء 7 تشرين الثاني الجاري، بأنّ "قلة من الناس يعرفون أنّ أستراليا لديها أحد أكثر أنظمة تصدير الأسلحة سرّيةً وغير الخاضعة للمساءلة في العالم". وأضاف شوبريدج في تغريدة: "الحكومة الأسترالية توافق على مئات المبيعات العسكرية لإسرائيل، ونحن ليس لدينا أية فكرة ما هي هذه الأسلحة أو كيف يتم استخدامها... لقد حان الوقت لقول الحقيقة".

عمّال بريطانيون ضدّ الإبادة بغزة

أيضاً في بريطانيا وغيرها، نظّم عمّال ونقابات ونشطاء مظاهرة، في 12 من الشهر الجاري، أمام مقرات شركات تصنيع الأسلحة ومصانعها بسبب تزويدها السلاح "لإسرائيل" لقتل الفلسطينيين، وارتكاب المجازر بالمدنيين والأطفال في غزة. وفي الأسبوع الذي سبقه تمكن المحتجون من إغلاق اثنين من أصل ستة من مداخل شركة BAE البريطانية المصنّعة للأسلحة في كينت، ولمدة ست ساعات. وقال المتظاهرون إنّ "المصنع يوفّر مكونات وقطع تبديل للطائرات الإسرائيلية المقاتلة التي تشارك في قصف غزة". ودعوا إلى "وضع حد لتواطؤ حكومة المملكة المتحدة في جرائم الحرب المرتكبة في فلسطين"، بما في ذلك عبر إنهاء مبيعات الأسلحة "لإسرائيل" والدعوة للوقف الفوري لإطلاق النار. ورفضت وزارة الحرب البريطانية التعليق على ذلك، في حين قال النشطاء في بيان لهم إنّ الصناعات البريطانية توفّر 15% من مكونات الطائرات المقاتلة الشبح F35 التي تُستَخدَم حالياً في قصف غزة.

الاحتجاجات البريطانية أمام شركات الأسلحة ضمّت مئات من العمال في مجال الصحة والضيافة ومعلمين، إضافة إلى مشاركة أكاديميين وفنانين وغيرهم من أعضاء ثماني نقابات عمّالية. وقالت ألكسندا إحدى المعلّمات المشاركات بالاحتجاج أمام مدخل شركة الأسلحة، بحسب ما نقلت BBC: "كمعلمة فإن رؤية 185 مدرسة ومؤسسة تعليمية تُقصف في غزة لهو أمرٌ يدمي القلب حقاً". وأضافت: "نحن هنا اليوم لتعطيل آلة الحرب الإسرائيلية واتخاذ موقف ضد تواطؤ حكومتنا ونحث العمال في جميع أنحاء المملكة المتحدة على اتخاذ إجراءات مماثلة في أماكن معلهم ومجتمعاتهم".

وقالت هاربيت، طبيبة طوارئ: "أنا هنا لأنني إنسانة وقد شهدنا مقتل المئات من أفراد الطواقم الطبية في غزة، ولا يزال بعضهم تحت الأنقاض".

وقالت جنين حوراني، من حركة الشباب الفلسطيني واتحاد كليات الجامعة، إن المظاهرة جزء من "حركة عالمية عابرة للحدود الوطنية" تهدف لإنهاء بيع الأسلحة "لإسرائيل"، وأضافت في تأكيد على الطابع الأممي لهذه التحركات: "كعمّال بريطانيين نقول إننا لا نقبل استخدام العمالة البريطانية في جرائم الحرب التي ترتكب حالياً في فلسطين".

نقابات بلجيكا

في بلجيكا أيضاً، دعت نقابات عمال النقل أعضاءها إلى رفض التعامل مع المعدات العسكرية التي ترسل إلى "إسرائيل". وقالت نقابات ACV Puls وBTB  وBBTK وACV-Transcom في بيان مشترك إنّ عمّال المطار شاهدوا شحنات أسلحة. وجاء في البيان "بينما تجري عمليات إبادة جماعية في فلسطين، يرى العاملون في مطارات مختلفة في بلجيكا شحنات أسلحة في طريقها إلى منطقة الحرب"، مؤكدين بأنّ هذا يعني المساهمة بإمداد الآلات التي تقتل الأبرياء. وأضافوا: "نحن كنقابات نقف من المناضلين من أجل السلام".

في الختام، لا بد من ملاحظة أنّ هذه الموجة الشعبية العالمية المناهضة لجرائم الحرب الصهيونية في غزة، ذات صلة أيضاً باحتجاجات سابقة ضدّ مواصلة دعم حرب الناتو الإمبريالية في أوكرانيا، حيث تدرك الشعوب وكادحوها وقواها الأكثر تقدمية بشكلٍ متزايد الطابع العدواني والكارثي للحروب الإمبريالية التي تشنها واشنطن و"إسرائيل" وحلفاؤهما، وتبشّر بمزيد من الضغوط والتحالفات لإنهائها، وإرساء قواعد العالَم الجديد الذي لا يمكن أن يُكتب له العيش بسلام إلّا بمواصلة القتال بكل الوسائل بما فيها المقاومة العسكرية حتى الهزيمة النهائية للفاشية المعاصرة (وعلى رأسها واشنطن والحركة الصهيونية) وإنهاء  الرأسمالية بوصفه النظام الذي يولّدها.