الأموال الرّوسيّة المجمَّدة: الغرب بمواجهة القرار الصَّعب!
أحمد علي أحمد علي

الأموال الرّوسيّة المجمَّدة: الغرب بمواجهة القرار الصَّعب!

منذ بدء ما أسمتْه روسيا «العمليّة العسكريّة الخاصّة» في أوكرانيا في فبراير/شباط من العام الماضي 2022، دارت الأحاديثُ الغربيّة حول فرض عقوباتٍ على روسيا وتجميد أصولها الماليّة، ولم يَطُل الحديث حتى فرض الاتحاد الأوروبي ومجموعة الدّول السبع الصناعيّة الكبرى عقوباتٍ غير مسبوقة على روسيا، جمّدوا عبرها حوالي نصف احتياطات روسيا الأجنبية التي تقدّر بنحو 300 مليار يورو (327 مليار دولار) من بين عدّة إجراءات أخرى.

وبعد تجميد الأصول، تطوّرت المسألة وصولاً لطرح أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي مشروعَ قانونٍ يمنحُ الرئيس الأمريكي جو بايدن حقّ مصادرة هذه الأصول المجمّدة في الولايات المتحدة ونقلها إلى كييف، بعد انتهاء العملية العسكريّة في أوكرانيا، وجاء ذلك تحت غطاء تقديم المساعدة الإضافيّة لأوكرانيا وتلبية احتياجاتها في عمليّة إعادة الإعمار. كما دعا مشروع القانون لإنشاء «آليّة تعويض دوليّة مشتركة مع الشركاء الأجانب» حسب صيغة البيان الصادر يوم 15 حزيران/يونيو الفائت.

وكان ذلك بمثابة تمهيدٍ للطريق أمام زعماء الاتحاد الأوروبي، الذين أثاروا القضيّة بصورة جماعيّة قبل أيام في بروكسل ليكون السؤال المطروح على الطاولة: هل يمكن استخدام هذه الأموال دون انتهاك القانون الدوليّ أو الإضرار بالمكانة الدوليّة لليورو؟

ووسط المخاوف التي أبدَتْها بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، والبنك المركزي الأوروبي (ECB) من كون ذلك قد يهزّ الثّقة في اليورو باعتباره ثاني أكبر عملة احتياطيّة في العالم؛ تمثّلت إحدى الأفكار المطروحة في الاجتماع المشار إليه بسحب الفائدة النّاتجة عن الأصول الرّوسيّة مع ترك الأصول نفسِها كما هي. وأتى ذلك مع إرسال إشاراتٍ بكونه يعدّ «أفضل طريقة» لاستخدام هذه الأصول وفقاً لقوانين الاتحاد الأوروبي والقانون الدوليّ بعد تصريحات صادرة عن نائب وزير الخارجية البريطاني، ليو دوكرتي. حينها أفادت تلك التَّصريحات بأنّ بريطانيا والحلفاء الغربيّين «عاجزون حتى اللحظة عن إيجاد وسيلة قانونيّة لمصادرة الأصول الروسيّة المجمّدة».

في المحصّلة، جرى عمليّاً تأجيل البتّ بالمسألة تحت ستار التساؤلات المطروحة حول مدى قانونيّتها، ووعدت المفوضيّة الأوروبية باقتراح طريقة للاستفادة من الأصول المجمّدة في غضون أسابيع. وفي الحقيقة، يخفي هذا الستار وراءه وجود عدم إجماعٍ أوروبيّ على المسألة التي ستحمل ردودَ فعلٍ روسيّة لا تناسب الدول الأكثر تضرّراً من المعركة الجارية الآن في أوكرانيا كما يبدو، ولذا فإنّ التورُّط بمسائل من هذا النوع قد يحمل جحيماً ليس بمقدور هذه الدول تحمّله، وهي بالغنى عنه الآن أمام ما تقاسيه.

إنّ ما يدور في أذهان بعض الدول الأوروبية، أمام إفلاسهم وعدم قدرتهم على الاستمرار بعمليات دعم أوكرانيا من أموالهم، هو تقديم الدعم من المال الروسي المجمّد، وهذه القضيّة سلاحٌ ذو حدّين في حقيقة الأمر، لأنّ عدم استخدام الأموال الروسية يعني استمرار الدعم من مصادره الحالية أيْ من جيوبهم، وهذه مشكلة، فيما يمثّل استخدامُ المال الروسي مشكلةً أخرى قد تكون أعظم بالنسبة لهم أيضاً، لأنّ روسيا لن تقف مكتوفة الأيدي أمام سلوك من هذا النوع، وسيكون ردُّها عليه قاسياً بالضرورة.

المشكلة الأكبر التي قد تواجه الغربيِّين أمام سلوكٍ من هذا النوع، هو ما يمثّله من تهديدٍ إضافيٍّ للنظام المالي العالمي الذي يسيطرون عليه حتّى اللحظة؛ فهو يفتح الباب واسعاً أمام المخاوف الكبرى والمحقّة ممّا قد يطال أيَّ مال تفكّر إحدى الدول بوضعه في المصارف الغربيّة مع وجود احتمالات تجميده والسيطرة عليه، وقد تكون تبعات هذا بالنتيجة إحجاماً عن الإيداع في هذه المصارف، الأمر الذي يعرّض الدولار لأضرار إضافيّة كبيرة مضافة إلى الضربات التي يتلقّاها في عالم اليوم.

إنّ اتّخاذ الغربيِّين لقرارٍ نهائيٍّ باستخدام هذه الأموال يعني أنّهم قد بدأوا بالتصويب على أقدامهم، مسبّبين لأنفسهم أضراراً كبيرة وكارثيّة، ولذا فإنّ المسألة برمّتها هي مسألةٌ معقدّة بالنسبة لهم، ومن غير الممكن أن تعبر بسهولةٍ في ظلّ إحداثيّات العالم الجديد وتوازناته السياسية والاقتصادية الجديدة، التوازنات التي تعمل القوى الصّاعدة فيها على تدمير الدولار وإنهاء منظومة الاستغلال العالَمي القائمة على أساسه.