ملفات المصالحة غياب السياسة.. وحضور الترتيبات
نافذ أبو حسنة نافذ أبو حسنة

ملفات المصالحة غياب السياسة.. وحضور الترتيبات

ما زال حدث التوقيع على اتفاق إعلان إنهاء الانقسام الفلسطيني في غزة، محط اهتمام الأوساط الفلسطينية وغير الفلسطينية، ورغم وضوح الكثير من السياقات التي أفضت إلى لقاء المتخاصمين في القطاع، والتوقيع بسرعة على الاتفاق المذكور، فإن هناك من يواصل البحث عن تفسيرات يركن إليها، لتتابع الوقائع التي قادت موسى أبو مرزوق إلى قطاع غزة ماراً من معبر رفح، وجاءت بعزام الأحمد من الضفة إلى القطاع من خلال معبر بيت حانون.

استمرار البحث في الظروف والأسباب التي أدت إلى اجتماعات غزة، يسهم في إغفال الأسئلة الأساسية المتصلة بإعلان إنهاء الانقسام، فقد تحدث المجتمعون في غزة عن توافق على عدد من الملفات، من بينها الحكومة والانتخابات والمصالحة المجتمعية ومنظمة التحرير، وتشكيل المجلس الوطني.

يعرف الجميع أن ما سيتم العمل عليه فعلياً، في حال سارت الأمور وفق رغبة طرفي الانقسام، هو الحكومة والانتخابات والمصالحة المجتمعية، أما الكلام عن منظمة التحرير وتشكيل المجلس الوطني، فمؤجل إلى أمد غير مسمى، فلا رغبة حقيقية في فتح هذا الملف المعقد، والحقيقة أنه أكبر من طاقة المتخاصمين/ المتصالحين، ويبدو أن الطرفين المتوافقين على إعلان إنهاء الانقسام، لا على معاودة النقاش والبحث في ملفات المصالحة، قد أرادا الإبقاء على الرزمة الكاملة التي جرى التوقيع عليها سابقاً في القاهرة، وبضمنها ملف إعادة بناء منظمة التحرير، إضافة إلى أن التطرق إلى بناء المنظمة والمجلس الوطني، يضفي كثيراً من الأهمية والثقل على الاتفاق.

واقع الحال أننا أمام عملية إجرائية تتصل بتنظيم المشهد في الضفة والقطاع، لا أمام عملية إعادة بناء الوضع الفلسطيني كاملاً، وتحقيق إجابات فعلية على مجموعة كبيرة من الأسئلة، وقد كان لافتاً للانتباه غياب الكلام السياسي الواضح، في اللقاءات والبيانات التي صدرت عنها، والاكتفاء بكلام عام جداً عن الحقوق والصمود وما شابه من حديث غير قابل للصرف الفعلي في أي اتجاه.

أسباب الانقسام وأسباب المصالحة

فهم الرأي العام الفلسطيني طوال سنوات، أن الانقسام الحاصل له أسباب سياسية عميقة، وأن الافتراق الذي دفع الشعب الفلسطيني ثمنه غالياً، بداية بالضحايا نتيجة الاشتباكات المسلحة، وصولاً إلى التآكل الكبير في مكانة القضية الفلسطينية، والضرر متعدد الأشكال الذي لحق بالفلسطينيين في كافة أماكن وجودهم، إنما هو ناجم عن تصادم خيارين كبيرين: خيار التفاوض والاستسلام، وخيار المقاومة لاسترجاع الحقوق الفلسطينية كاملة غير منقوصة.

يمكن الزعم بأن الحديث عن هذين الخيارين جعل الانقسام مفهوماً في كثير من الأحيان، فعندما يتعلق الأمر بالحقوق والثوابت الوطنية، لا يجوز قبول الإجماع على التفريط والتسليم، ويكون الانقسام أفضل لأنه يعني وجود تيار عريض في الشعب الفلسطيني يتمسك بحقوقه الوطنية كاملة، وهكذا لم يكن غريباً، ولوقت طويل تفهم حقيقة افتراق الخيارات، والصراع لتغليب تيار المقاومة، ورفض التنازلات والمفاوضات العبثية، وهنا كانت الدعوة إلى إنهاء الانقسام على أساس برنامج مقاوم.

حدث تغير كبير منذ بعض الوقت أيضاً، لم تعد التخوم واضحة تماماً بين الخيارين المحكي عنهما، أقله بين الطرفين المنقسمين على أساسهما، حدث هذا في الواقع الفعلي، أما على مستوى الخطاب السياسي، فظلت محاولة التأكيد على المضمون السياسي للافتراق قائمة.

وقد شهدنا على مدى سنوات عرضاً طريفاً ومبكياً في آن، ومتكرراً أيضاً، فإن حدث تقارب غاب الكلام السياسي، وحل الحديث عن وحدة الشعب الفلسطيني، وقداسة الوحدة وأهميتها، وانعكاسها الطيب على حاضر الشعب الفلسطيني ومستقبله، وإن تراجع التقارب ودب الخلاف مجدداً، حضر الكلام السياسي بسرعة، وجرى التذكير بافتراق الخيارات، وكذلك الاتهامات بتضييع الحقوق الوطنية، إما عبر المفاوضات والتنازل بحسب أصحاب تيار المقاومة، وإما عبر التذكير "بعدمية الخيار المقاوم"، حسب أصحاب خيار المفاوضات، وإن كان الأخيرون قد أضافوا إلى خطابهم تساؤلات حول الممارسة الفعلية، في الآونة الأخيرة.

هذه المرة أيضاً، غاب الكلام السياسي في ظل التقارب المتسارع، البحث يتركز الآن حول تشكيل حكومة الوحدة أو الوفاق، وهي ستتشكل من "التكنوقراط"، هذا الوصف للحكومة يعفي مجدداً من السؤال عن البرنامج، وكذلك من السؤال عن المواقف السياسية، والإشارة لازمة هنا إلى استعارة مصطلحات تناسب أوضاع الدول القائمة، لا مجرد سلطة وهمية.

وليس واضحاً متى يحين الوقت كي نعرف شيئاً عن المضمون السياسي لاتفاق المصالحة، بمعنى شكل الخيار الذي اعتمده المتوافقون، ما دام الخلاف استعر واستمر على أساس خلاف سياسي حول البرامج والخيارات التي يتوجب اعتمادها وسلوكها، لرسم ملامح المستقبل الفلسطيني.

وبما أن الحكومة تصبح بلا قيمة حين يريد طرفا الانقسام ذلك، سيقال: إن تحديد الخيار السياسي مرتبط بمرحلة العمل على إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية، وبما أن موضوع المنظمة شائك ومعقد، أي أنه مؤجل الآن، فيتوجب الانتظار طويلاً لمعرفة الخيارات السياسية للمصالحة، مصرحاً عنها من طرفيها معاً، فهناك طرف يصر على أن خياره هو الذي تم اعتماده.

ترتيبات

الاهتمام منصب الآن على تشكيل حكومة تحوز مكوناتها موافقة الطرفين، في المعلومات: لا تمانع حماس في تولي رامي الحمدالله، رئاسة الحكومة الجديدة، بدلاً من محمود عباس، ويبدو أن التوافق سيكون سريعاً على بقية الأسماء.

ثم يبدأ التحضير للانتخابات، رئاسية وتشريعية، وسيكون لحماس مرشحها، هذا الخبر ظل بين النفي والتأكيد، وفي الأثناء يجري البحث عن تأمين خمسين مليون دولار، لتمويل المصالحات المجتمعية ودفع الديات.

وفيما يتحدث موسى أبو مرزوق نائب رئيس المكتب السياسي لحماس، عن أن البحث في هيكلة الأجهزة الأمنية مؤجل لما بعد تشكيل الحكومة، تنقل مصادر فلسطينية عن عزام الأحمد رئيس وفد فتح للمصالحة أن الطرفين اتفقا على تولي مصر، إعادة ترتيب الأجهزة الأمنية الفلسطينية في غزة والضفة، ودون توضيح الكيفية أو الآلية التي سيتم اعتمادها لإتمام هذه العملية، ولكن المؤشرات الأولى تؤكد ما صرح به الأحمد، إذ جرى الإعلان في غزة عن ترتيبات لعودة ثلاثة آلاف من منتسبي أجهزة الأمن الفلسطينية إلى القطاع.

وتتداول مصادر فلسطينية معلومات تتعلق بالترتيبات الأمنية على معبر رفح بداية، وفق هذه المعلومات، ستتم العودة إلى الاتفاق القديم، والذي ينص على وجود مراقبين أوروبيين على المعبر، إضافة إلى عناصر من حرس الرئاسة الفلسطينية، على أن يبقى المعبر مفتوحاً على نحو دائم.

ومن الطبيعي أن تأخذ عملية ترتيب الأجهزة الأمنية وقتاً طويلاً، فقد شكلت الحكومة في غزة جهازاً أمنياً كبيراً، وكذلك فعلت الحكومة الثانية في رام الله، لا يقتصر الأمر على إتمام عملية دمج للأجهزة، هناك أولاً اعتماد عمليات التوظيف، أما الموضوع الأكثر تعقيداً فيتصل بوجهة هذه الأجهزة، وكيفية تصرفها تجاه سلاح المقاومة في القطاع مثلاً؟

هذا يعيدنا إلى الأسئلة الأساسية، والمضمون السياسي لاتفاق المصالحة، وهو الذي يشكل اللبنة الأولى لما يمكن البناء عليه، ومن دونه سيكون كل توافق عرضة للانهيار، ولطالما كانت هناك دعوات لأن تبدأ المصالحة، والتفاهم الوطني من نقطة إعادة بناء منظمة التحرير، وليس العكس، الأساس هو بناء المنظمة بوصفها مرجعية وطنية لكل الشعب الفلسطيني، ثم يمكن أن تتحول باقي الملفات إلى تفاصيل فرعية.

لكن هذه المرة أيضاً يتم اختيار طريق جرى تجريبه سابقاً، ولم تكن النتيجة سوى استمرار الانقسام، ما يريده الفلسطينيون هو مصالحة حقيقية، وعلى أسس واضحة، أما إذا كان الأمر متعلقاً بتقاسمات ومحاصصات، فالطرفان يعرفان كيف يقومان بذلك جيداً، ليس هذا ما يبحث عنه الفلسطينيون.

المصدر: الثبات