المخبوء في كيس الدراهم الإماراتي لتركيا..؟

المخبوء في كيس الدراهم الإماراتي لتركيا..؟

في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعيشها الاقتصاد التركي اليوم، والمتجلية بشكل أساسي في انخفاض قيمة الليرة التركية، تحاول بعض القوى من داخل تركيا وخارجها تعديل الاتجاهات التركية المستجدة، سياسياً واقتصادياً، كجزء من عملية ضغط لا يمكن إدراك تفاصيلها دون الخوض في الضغوطات الدولية التي تتنازع تركيا وليس فقط في ضوء التحضيرات لانتخابات العام القادم.

في هذا السياق، تبدو تصريحات أردوغان بشأن التقارب مع الإمارات جزءاً من التجاوب التركي مع الضغوطات السياسية والاقتصادية التي تمارس من مختلف الدول والتحالفات الدولية والاقليمية.

فحين يقول أردوغان: «الآن وقعنا اتفاقيات بقيمة 11 مليار دولار مع الإمارات، وسأزور هذا البلد في النصف الأول من شباط»، وأن «العلاقات مع الإمارات ستذهب إلى مستويات متقدمة جداً، ولدينا خطط واعدة في هذا المسار»، فمن الواضح أن هذه الرشوة الإماراتية قد جاءت في الوقت المناسب ولهدفٍ محددٍ ليس بعيداً عن محاولات استقطاب تركيا بعيداً عن روسيا والصين اللتين استطاعتا بدورهما تقديم بدائل جدية عن الضغوط الأميركية والغربية في مجالات عديدة، ليس أولها السلاح وليس آخرها الطاقة.

إن إشارة الرئيس التركي إلى إمكانية إجراء زيارة لدولة البحرين والتقارب مع القاهرة وكذلك مع الكيان «الإسرائيلي»، بما سيكون: «في مصلحة شعوب المنطقة» وفقاً لتعبيره، يكثف جانبين معاً: محاولات استقطاب غربية بعيداً عن روسيا والصين وشكلياً باتجاه مصر ومجموعة الدول المطبعة، وعملياً باتجاه الكيان الصهيوني. والجانب الآخر هو الطبيعة شديدة البراغماتية للسلطات التركية التي يبدو أنها تستوعب ما يجري من تحولات وتستمر في محاولة اللعب مع الجميع وعلى الجميع، ضمن اتجاه استراتيجي يبدو ميالاً نحو الشرق وإنْ لم يكن هذا الاتجاه قد تثبت بشكل حاسم حتى اللحظة...

هذان الجانبان معاً هما بلا شك بين الأسباب الأساسية التي تدفع الرئيس التركي للإعلان أن بلاده ستتخذ خطوات لتحسين العلاقات مع السعودية ومصر و«إسرائيل» على غرار تلك التي اتُخذت في الأسابيع الأخيرة مع الإمارات، وذلك بعد سنوات مما يشبه القطيعة التامة والعداء المعلن.

وكانت العلاقات التركية الإماراتية قد شهدت توتراً متصاعداً خلال السنوات الماضية على خلفية قضايا عدة على رأسها دعم تركيا لقطر وملفات ليبيا وسورية واليمن والاتهامات المتبادلة بالتجسس وإبرام السلطات الإماراتية اتفاق تطبيع مع الكيان الصهيوني.

«العراب» الإماراتي

ليس خفياً أن دولة الإمارات تلعب دور العراب الغربي الأمريكي- «الاسرائيلي» مع جميع دول المنطقة، وتركيا ليست إلا واحدة من الدول المستهدفة في مسلسل الترهيب والترغيب الذي تتولى الإمارات جانبها الترغيبي.

يأتي ذلك كله في ظل الوضع الداخلي التركي الذي يتفاقم مع انهيار الليرة التركية؛ حيث تراجعت الليرة التركية أمام الدولار، وارتفع التضخم في تركيا بأكثر من المتوقع إلى 21.31% على أساس سنوي في الشهر الماضي، وهو أعلى مستوى له في ثلاث سنوات. يشار إلى أن الليرة التركية فقدت أكثر من 44% من قيمتها أمام الدولار هذا العام في ظل قيام المركزي التركي بخفض أسعار الفائدة الرئيسية، في معاكسة واضحة لطلبات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.

وعلى خلفية انهيار العملة «قَبِل» الرئيس التركي استقالة وزير المالية والخزانة، لطفي علوان، وكان أردوغان قد أمر بفتح تحقيق في تلاعب محتمل بالعملة. وفي توقعات لمآلات الوضع الاقتصادي المتراجع، كانت وكالة "فيتش" الدولية للتصنيف الائتماني قد رفعت توقعاتها بشأن نمو اقتصاد تركيا هذا العام من 9.2% إلى 10.5%، لكنها غيرت نظرتها المستقبلية للبلاد من «مستقرة» إلى «سلبية».

العصا ثم الجزرة

في الوقت الذي يبحث فيه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونظيره التركي مولود تشاووش أوغلو التعاون الإقليمي بين روسيا وتركيا، والوضع في سورية وليبيا وأوكرانيا، وينسقان جهود البلدين على المسارات الإقليمية، وضمناً في شأن القوقاز، يعلن مجلس أوروبا، إطلاق إجراء «تأديبي» بحق تركيا على خلفية رفضها الإفراج عن المعارض عثمان كافالا، وذلك في خطوة لم يسبق أن استخدمت إلا مرة واحدة في تاريخ المنظمة، في ضغط سياسي واضح ضمن تقاسم الأدوار بين ترغيب وترهيب.

ربما بات توزيع الأدوار هذا، طريقة معتمدة اتجاه دول المنطقة جميعها، ولا تختلف الرسمة بين بلد وآخر إلا في التزمين والتفاصيل الصغيرة: فتبدأ الخطة باستغلال الأزمات الاقتصادية الموجودة أساساً في البلد المطلوب إخضاعه، والمصنوعة بيد سلطات ذلك البلد بالمقام الأول وبالتنسيق المباشر أو غير المباشر، العلني أو السري، مع مراكز النهب الغربي، ويتم استغلال تلك الأزمات عبر حوافزٍ هي في جلّها خلبية من وجهة نظر الإنتاج الحقيقي والنمو الفعلي للبلدان المعنية، لكنها تؤمن سيولة للفاسدين الكبار يصرّفون أمورهم بها، وبين تهديدات بالعقوبات وبالإجراءات السياسية وضمناً التخريب الداخلي. وتتقاسم الأطراف سياسات ترغيب خليجي تبرز ضمنه الإمارات هذه الأيام (يتخذ شكل أعطيات مالية لا تُخرج البلد من أزمته الاقتصادية، ولكن تمنح السلطات المعنية بعض هوامش الحركة)، وترهيب غربي أوروبي- أمريكي- «إسرائيلي»، للوصول إلى تحقيق سياسة أهم مفرداتها الابتعاد عن الشرق المتمثل بروسيا والصين وكل التحالفات التي ينخرطان فيها، وإثبات الولاء للغرب اقتصادياً وسياسياً من خلال التطبيع مع الكيان الصهيوني وإشراك القارة العجوز في تنفيذ جزء من الاستثمارات التي تمولها دول الخليج العربي بحيث يكون قطبا العملية هما «حمامة السلام» الصهيونية وكيس الدراهم الإماراتي.