يختٌ فضائي لإجازة بيزوس ولا أوكسجين لمشافي الأرض
لوك ساڤاج لوك ساڤاج

يختٌ فضائي لإجازة بيزوس ولا أوكسجين لمشافي الأرض

فقط في بلد نُخبه الحاكمة باتوا مفصولين بشكل كلي عن الشعب، يمكن لرحلة فضاء لشخص مثل بيزوس أن تمنح سبباً للتهليل، بدلاً من اعتبارها فساداً أخلاقياً وتداعياً مؤسساتياً كما هي عليه.

ترجمة : قاسيون

قال توم ليرر ذات مرة، بأنّ السخرية تحوّلت واقعاً عندما تم منح هنري كيسنجر جائزة نوبل للسلام. باللهجة نفسها، لطالما وجدت صعوبة متزايدة في إيجاد طرق خلاقة جديدة للكتابة عن النهب الذي أدّى إلى اللامساواة الأمريكية، ولنشوء طبقة المليارديرية الذين استطاعوا إثراء أنفسهم بشكل فاحش بينما مئات آلاف البشر تمّ القضاء عليهم بوباء قاتل. كيف تحديداً يمكن لك وصف مثل هذه الأمور دون أن تكون فجّاً وثقيل دم؟

 يصبح أناسٌ في الدول الأثرى في العالم جوعى بالمعنى الحَرفي للكلمة، بينما يخلق الاقتصاد بشكل غريب مليارديرية جدد، ويجعل المليارديرية الموجودين أكثر ثراءً. سبعة ملايين إنسان على وشك مواجهة الطرد من منازلهم، في الوقت الذي قام فيه أثرى رجل في العالم للتو بشراء «يخت» خاص تعادل تكلفته ٥٠٠ مليون دولار، وهو مبلغ يعد بمثابة «الفراطة» لشخص مثل بيزوس.

 تَصادف أنّ الأمريكيين مدينون بقرابة ١٤٠ مليار دولار كتكاليف علاجية، وهو المبلغ الذي كان بالإمكان اقتطاعه من الضرائب المفروضة على ثروة بيزوس، في الوقت ذاته الذي تبقى فيه ثروته الصافية ٦٤ مليار أو أكثر بقليل. لكن من يفعل ذلك؟ الكونغرس! رغم أنّ سماء مدن أمريكا الشمالية لم تعد ظاهرة بسبب ضباب حرائق الغابات، لا يستطيع الكونغرس المهيمَن عليه شركاتياً والتائه في بازار السياسة أن يتخذ حتى خطوات متواضعة بخصوص التغير المناخي.

 ليس علينا إلّا جمع تكاليف بضع رحلات فضاء للأثرياء، لنرى بعدها ماذا نواجه. أظهر نظام أمريكا الاقتصادي الشرير عورته أكثر من مرّة، لكنّ المشكلة في كونه يصرّ على فحشه وسط أزمات المناخ الخانق والوباء المميت. وما يزيد من الفحش هي الآراء الرسمية وغير الرسمية التي تتحفنا بها وسائل إعلام الشركات، والتي تصرّ على اعتبار ما قام به المليارديرية إنجازاً عاماً كبيراً يجب التهليل له.

قال الناطق باسم البيت الأبيض عن لهو بيزوس لعشر دقائق في الغلاف الجوي: «الولايات المتحدة هي أوّل بلد تحظى بشركة خاصة تحمل أشخاصاً إلى الفضاء. هذه إحدى لحظات الاستثنائية الأمريكية. هكذا نرى الأمر. براعة شركائنا التجاريين هي من ستساعدنا في الاستمرار في التقدم إلى المرحلة التالية من اكتشافات أمتنا للفضاء. يخلق الاستثمار في الفضاء الأعمال، ويمكنه أن يحسّن الحياة هنا على الأرض من خلال مراقبة المناخ والتحسينات الطبية من بين أشياء أخرى كثيرة».

 أظهرت إحدى التحليلات بأنّ المساحة الإعلامية التي أفردتها الشبكات، بما فيها المئتي دقيقة التي طُلب منا فيها أن نشاهد تخليد انطلاق بيزوس، تساوي أو تزيد عن المساحة التي أفردتها هذه الشبكات لتغطية تغيّر المناخ طوال العام الماضي. فعل الملياردير كلّ ما بوسعه لوسم إجازته على أنّها رحلة استكشافية للصالح العام، الرواية التي لم تجد كثيراً من المقاومة على هذه الشبكات.

 من المنطقي إذن أنّ وسائل الإعلام الوطنية ذاتها التي يمكنها رفض فكرة مثل التأمين الصحي العام الشامل باعتبارها «حلماً يسارياً كاذباً»، تمكنت من إيجاد الكثير من الوقت لتبثّ مزاج الهذيان الجنوني حول نقل الصناعات الثقيلة إلى الفضاء، الذي تحدّث عنه بيزوس عند عودته.

 إن مشهد أغنى رجل أعمال في العالم وهو يرتدي بذلة زرقاء ويطلق نفسه في صاروخ على شكل قضيب، هو بالفعل هزليٌّ بشكل سخيف. ومع ذلك، في الأجواء الوطنيّة والعالميّة الحاليّة، جاءت هذه الحلقة من العرض السخيف مع جرعة إضافية من مكونات «أدب العالَم الفاسد» من تهليلات وسائل الإعلام الأمريكية والقيادة السياسية. فقط في بلد نُخبه الحاكمة باتوا مفصولين بشكل كلي عن الشعب، يمكن لرحلة فضاء لشخص مثل بيزوس أن تمنح سبباً للتهليل، بدلاً من اعتبارها فساداً أخلاقياً وتداعياً مؤسساتياً كما هي عليه.

 لم تكن رحلة استمتاع جيف بيزوس، مثلها في ذلك مثل رحلة ريتشارد برانسون قبلها، إنجازاً بشرياً مذهلاً، بل وصمة عار أمريكية فريدة. أما في مجتمع أقل تخديراً بالمشاهد الإعلاميّة، وأقل تصميماً على التمسك بأساطير الحنين إلى الاستثناء القومي، كان هذا ليبدو واضحاً. لكننا اليوم نشهد بارونات الذهب الأمريكي وهم يأخذون نهبهم إلى الغلاف الجوي، وجميعنا مدعوون للتصفيق!

 

بتصرّف عن: Jeff Bezos’s Vanity Space Flight Was a Uniquely American Disgrace

آخر تعديل على السبت, 24 تموز/يوليو 2021 15:23