أوباما يطالب عباس بـ"المجازفة" والمفاوضات مشرعة أمام احتمالات مفتوحة
حلمي موسى حلمي موسى

أوباما يطالب عباس بـ"المجازفة" والمفاوضات مشرعة أمام احتمالات مفتوحة

عُقد يوم أمس اللقاء المقرر بين الرئيس الأميركي باراك أوباما والرئيس الفلسطيني محمود عباس في ظل تراجع التقديرات بأن يكون لقاءً حاسماً. واختلفت التقديرات، وفق تسريبات متناقضة، حول ما إذا كان أوباما قد مارس ضغطاً على عباس لقبول الورقة الأميركية أم أنه حثه فقط على مواصلة المفاوضات مع إسرائيل. وقد تلقى عباس التأييد يوم أمس من تظاهرات للفلسطينيين في عدة مدن في الضفة الغربية حثت على الصمود وعدم الخضوع للضغوط. ورد الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز على تصريح وزير الدفاع موشي يعلون، المشكك بدور الرئيس الفلسطيني، بالتأكيد أنّ الرئيس عباس «شريك حقيقي للسلام».

وأعلن المتحدث الرسمي باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة بعيد انتهاء الاجتماع في واشنطن، أمس، أنّ «الرئيس أوباما لم يعرض الاتفاق الإطار على الرئيس عباس رسمياً»، موضحاً أنّ «أوباما والجانب الأميركي عرضا مجموعة من الأفكار المتعددة على الجانب الفلسطيني والرئيس عباس»، لافتا إلى أنّ «اللقاءات ستستمر خلال الأسابيع المقبلة». وما يسمى بـ«الاتفاق الإطار» يحدد الخطوط العريضة للتسوية السلمية بين إسرائيل والفلسطينيين ويتفاوض عليه وزير الخارجية الاميركي جون كيري مع الطرفين لإقناعهما بمواصلة المفاوضات بعد 29 نيسان، وهو الموعد المحدد أصلا لانتهاء العملية التفاوضية.
ونقل أبو ردينة أنّ عباس «شدد لأوباما على ضرورة إتمام إطلاق دفعات الأسرى وتجميد الاستيطان والتوصل إلى حل على أساس إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود عام 1967 عاصمتها القدس الشرقية». وقال إنّ «النقاشات والحوارات ما زالت مستمرة حول مجمل الأفكار التي تبادلها الطرفان».
وكان الرئيس الأميركي باراك أوباما قد قال للرئيس الفلسطيني أثناء لقائهما في البيت الأبيض، أمس، انه يتعين عليه وعلى القادة الإسرائيليين اتخاذ «قرارات سياسية صعبة» والإقدام على «مجازفات إذا أردنا إحراز تقدم». وتأتي هذه الدعوة بعد أسبوعين على دعوة مماثلة كان قد وجهها أوباما إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أثناء لقائهما في واشنطن.
وأشاد أوباما، أمام الصحافيين في المكتب البيضاوي في البيت الأبيض، بعباس باعتباره مسؤولاً «نبذ على الدوام العنف وسعى باستمرار إلى حل ديبلوماسي وسلمي يتيح الوصول إلى دولتين تعيشان جنباً إلى جنب بسلام وأمن». وأضاف الرئيس الأميركي أنّ «مثل هذا الهدف من الصعب بلوغه بالتأكيد، ولهذا السبب استغرق الأمر عقوداً قبل أن نصل إلى ما نحن عليه» اليوم، مضيفاً «لكننا نبقى على قناعة بأن هنالك فرصة» للوصول إلى دولة فلسطينية تقام وفق تسوية على الأراضي بين الجانبين على أساس «حدود العام 1967 مع تبادل متفق عليه على الأراضي».
من جهته، قال عباس «ليس لدينا وقت لنضيعه لأنه ضيق جدا، خاصة أننا نعيش في الشرق الأوسط بظروف صعبة للغاية، ونأمل أن تستغل هذه الفرصة للوصول إلى سلام». وفي وقت لم يتطرق عباس مباشرة إلى مطلب إسرائيل باعتراف الفلسطينيين بإسرائيل كـ«دولة يهودية»، أشار إلى أنه «منذ العام 1988 نمد أيدينا لجيراننا الإسرائيليين من أجل سلام عادل، ومنذ ذلك الوقت اعترفنا بقرارات الشرعية الدولية وكان ذلك موقفاً شجاعاً من القيادة في ذلك الوقت، وفي العام 1993 اعترفنا بوضوح بدولة إسرائيل».
وأكد الرئيس الفلسطيني مواصلة العمل «من أجل حل قائم على أساس الشرعية الدولية وحدود العام 1967، ليحصل شعبنا على دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وحل عادل ومتفق عليه لقضية اللاجئين». وتابع أن «هناك اتفاقاً بيننا وبين الإسرائيليين من خلال الوزير (جون) كيري حول قضية الأسرى، ونأمل أن يتم الإفراج عن الدفعة الرابعة في التاسع والعشرين من آذار الحالي، وهذا سيعطي انطباعاً بجدية المساعي التي نبذلها ككل لتحقيق السلام».
وقد عقد لقاء أوباما - عباس في ظل تزايد المخاوف الأميركية من انهيار العملية التفاوضية جراء تصلب رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تجاه قضايا الحل النهائي. ومع ذلك، فإنّ عدة مسؤولين أميركيين كانوا قد سرّبوا أنباء تفيد بأن أوباما سيضغط على عباس لقبول اتفاقية الإطار بغرض تمديد المفاوضات. ويستند المسؤولون الأميركيون في تسريباتهم إلى مجريات الاتصالات المكثفة التي تديرها واشنطن مع الطاقم الفلسطيني الموجود هناك والذي يضم كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات ومدير الاستخبارات العامة اللواء ماجد فرج.
ونقلت صحف إسرائيلية عن مسؤولين أميركيين قولهم إن أوباما سيخبر عباس أنه إذا ما تفجرت المفاوضات وعاد الفلسطينيون إلى خطوات أحادية الجانب في الأمم المتحدة، فإنّ الولايات المتحدة ستقف إلى جانب إسرائيل وتحاول منع هذه الخطوات. وشدد مسؤول أميركي على وجوب «أن يفهم الفلسطينيون أن الطريق الوحيد للوصول إلى دولة مستقلة وذات سيادة سيكون من خلال المفاوضات مع إسرائيل». كما أن أوباما سيبين لعباس مكاسب الفلسطينيين من التسوية سواء على صعيد الدولة أو الازدهار الاقتصادي.
لكن «واشنطن بوست» نقلت عن مسؤولين أميركيين آخرين قولهم إنّ أوباما ليس في وارد الضغط على عباس لأنه يرى فيه «فرصة للسلام»، فيما يرى في نتنياهو «عقبة أمام السلام». وقارنت الصحيفة بين استقبال أوباما العاصف لنتنياهو، في بداية الشهر الحالي، بمقابلة مع وكالة «بلومبرغ» واستقباله الهادئ للرئيس عباس. وأشارت إلى أن أوباما تحدث عن مستقبل أسود وعقوبات قد تتعرض لها إسرائيل فيما لم يتم تسريب شيء تهديدي للفلسطينيين.
ومع ذلك، أشارت مصادر إسرائيلية إلى أنه برغم استمرار المساعي الأميركية لنيل موافقة كل من الإسرائيليين والفلسطينيين على اتفاقية الإطار، إلا أنهم، بسبب الفجوات الكبيرة بين الطرفين، باتوا على استعداد للقبول فقط بتمديد مهلة المفاوضات حتى من دون اتفاق إطار. فمثل هذا التمديد يحول دون إشهار فشل المساعي الأميركية ويضمن وقتاً أكبر لتكثيف الاتصالات بهدف التوصل إلى صيغة اتفاق. وتخشى الإدارة الأميركية على وجه الخصوص من أن فشل المفاوضات سوف يعني رفض إسرائيل الإفراج عن الدفعة الرابعة من المعتقلين المقرر تحريرها في نهاية الشهر الحالي.
وثمة من يشير إلى أنه مثلما هناك خلاف داخلي في إسرائيل والسلطة الفلسطينية حول التسوية، فإنّ الإدارة الأميركية نفسها تعاني أيضا من خلاف داخلي. وهذا ربما يفسر التسريبات المتناقضة حول الضغوط. فأنصار إسرائيل في داخل الإدارة يعتقدون أنّ وزير الخارجية الأميركي جون كيري وصل درجة عالية من التفاهم مع نتنياهو حول أغلب، إن لم يكن كل، بنود اتفاقية الإطار. وقد لخص كيري موقف نتنياهو بأنه «نعم ولكن»، في حين أن موقف الرئيس عباس حتى الآن من هذه البنود هو «لا ولكن». غير أن الرئيس الأميركي وبعض كبار المسؤولين في مجلس الأمن القومي الأميركي يعتبرون أن «ليمونة الفلسطينيين لم تعد تعطي عصيراً» لذا لا مبرر للضغط مجدداً عليها. ولذلك فإنه من أجل عدم إفشال المفاوضات ينبغي أن تكون الصيغة متوازنة وإلا فإنها لن تنجح.
عموماً، تريد إسرائيل وأميركا تمديد المفاوضات، وهو ما لا تعارضه السلطة الفلسطينية التي لمّح رئيسها إلى أن قبول ذلك مشروط بالإفراج عن مزيد من المعتقلين الفلسطينيين وتجميد الاستيطان ولو بصمت. وقد يشكل هذا المخرج الحل الأنسب والأقل ضرراً للأطراف جميعها برغم أنه يحتاج إلى مزيد من الجهد الأميركي لإقناع نتنياهو بقبول تجميد الاستيطان ولو ضمنياً.

السفير اللبنانية