Middle East Eye: قيصر يعيق القطّاع الصحي، وعلى أوروبا الابتعاد عن العقوبات الأمريكية
 كمال علم*  كمال علم*

Middle East Eye: قيصر يعيق القطّاع الصحي، وعلى أوروبا الابتعاد عن العقوبات الأمريكية

ترجمة قاسيون

 

مضى الآن شهر على إعلان وزير الخارجة الأمريكي مايك بومبيو عن بدء تطبيق عقوبات قانون قيصر في 17 حزيران الماضي

كان هناك عدم تطابق واضح في الأولويات الأمريكية بين وجهتي نظر بومبيو والرئيس الأمريكي دونالد ترامب تبعاً لإشارة السفير الأسبق إلى الأمم المتحدة جون بولتون في كتابه الجديد. كان ترامب مهتماً أكثر بالرهائن أكثر من اهتمامه بما يقوله بومبيو وبولتون بشأن سوريا. لكن وبغض النظر عن السياسة خلف قانون قيصر، فهو يؤذي السوريين العاديين الذين يعانون بالفعل وسط انهيار الاقتصاد اللبناني. ويمكن لحالة الرعاية الصحية أن تشكل مثالاً ممتازاً على ذلك.

الأزمة المالية والسياسية

قبل وقت طويل من تطبيق قانون قيصر، انهار الاقتصاد السوري بفعل الإجراءات التقشفية، وذلك بالاشتراك مع اقتصاد الحرب الذي زاد بشكل كبير من سوء الظروف المعيشية للسوريين العاديين. السوريون يعانون الأمراض قبل الآثار الحالية للحرب، ومن ضمنها السرطان والسكري والأمراض التي عادت للظهور بعد أن تمّ استئصالها مثل شلل الأطفال، والتي اختفت من جديد.

الوضع الحالي سيئ، بل وأسوأ حتى ممّا كان متوقعاً بعد تسعة أعوام من القتال. لقد تفاقمت الأزمة السياسية والمالية في لبنان المجاور، إلى جانب وباء فيروس كورونا العالمي.

وفي الوقت الذي ساعدت فيه المساعدات الصحية الإماراتية والكويتية المستشفيات في دمشق، فهي ليست كافية على الإطلاق. لقد كرر ديفيد بيزلي، مدير برنامج الغذاء العالمي، بأنّ العالم يجب أن يساعد السوريين في سوريا بوصفها المكان الأمثل لمقارعة الأزمة ككل.

قبل الحرب، كان القطاع الصحي السوري مصدر حسد في الإقليم، وفقاً لملاحظات منظمة الصحة العالمية. استطاع 1.6 مليون لاجئ عراقي في سوريا أن يستخدموا الرعاية الصحية عالية المستوى. وفي هذا الخصوص، وصفت تحليلات مؤسسة بروكينغز مدى البيئة الترحيبية التي وجدها هؤلاء في سوريا.

تعاملت سوريا بالفعل مع الحربين في العراق ولبنان، ونظامها الصحي اعتنى باللاجئين العراقيين واللبنانيين والفلسطينيين أفضل من أيّ دولة عربية أخرى. ولطالما كان نظامها الصحي مرتبطاً بالاقتصاد الأوسع.

خارج الخدمة

العقوبات المالية تعيق المدفوعات المخصصة للواردات الصحية – وهي عقبة هائلة رغم ادعاء المسؤولين الغربيين بأنّ قانون قيصر لا يؤثر على تحويلات الرعاية الصحية. أمّا القصة في الواقع فهي مختلفة، وبعيدة جداً عن مفكري مراكز البحث المرتاحين في واشنطن أو لندن.

أعاد الأطباء التأكيد على صعوبة حتّى الحديث مع الموردين، وذلك بسبب خوفهم من العقوبات وعدم قابلية إجراء المدفوعات. الكثير من المستشفيات ومراكز الرعاية الصحية خارج الخدمة وتحتاج لإعادة تأهيل عاجل. في حين أنّ بلدان مثل الإمارات وإندونيسيا والكويت قدمت بعض المساعدة، فإنّ قانون قيصر يهدد الآن بإيقاف أيّ تعاون دولي.

معدات التشخيص، مثل التصوير بالرنين المغناطيسي وماسحات CT، معطلة أو تفتقد لقطع غيار حيوية. هناك نقص في منافس الهواء ومعدات المختبرات. أخبرني أطباء القلب بأنّ المناظير والقثاطر القلبية والدعامات القلبية، ومعها مرافق غسل الكلى، تعاني جميعها بسبب العقوبات. حتّى المستشفيات الخاصة التي يمكنها تحمّل تكلفة إصلاحها لم تعد قادرة على ذلك، فالشركات لا تريد بيعهم المعدات المطلوبة بسبب خوفها من أن تطالها العقوبات.

أثّرت العقوبات على المعدات الرئيسية والأدوية بما يخص توريدها وتصنيعها واستيرادها. ترفض البنوك فتح حسابات استيراد رغم الحاجة العاجلة لها من أجل البضائع الصحية، وذلك وسط الخوف من تأثير العقوبات على أعمالها.

ترفض شركات التأمين منح خدماتها، وعندما تفعل تكون التكاليف غير قابلة للتحمل. وقد أدّى وضع سوريا على قائمة المناطق شديدة الخطورة إلى رفض شركات الشحن نقل المعدات الطبية إليها. ترفض الشركات الكبرى إرسال المعدات والأدوية وسيارات الإسعاف بل وحتى أغذية الأطفال.

الابتعاد عن الولايات المتحدة

لا تقتصر الرعاية الصحية على العلم التطبيقي والعملي، بل تتعلق أيضاً بالأبحاث الحيوية. لا يمكن للأطباء الذهاب إلى المؤتمرات الإقليمية بسبب القيود على الفيزا، أو الاشتراك بالمجلات العلمية لكونهم لا يستطيعون دفع رسوم الاشتراك تبعاً للقيود المالية. أخبرني معظم الجراحين بأنّهم يعملون وفقاً لأبحاث ما قبل الحرب، ويعانون من محدودية وصولهم للنشرات الطبية على الإنترنت.

هناك تساؤلات كبيرة حول الجدوى من العقوبات واستمراريتها على المدى الطويل، بما في ذلك من الحلفاء الأوربيين. يقول البعض في أوروبا بأنّ الوقت حان ليبتعد الاتحاد الأوربي في سياسته تجاه سوريا عن الولايات المتحدة. لاحظ عادل مالك البروفسور في جامعة أكسفورد والخبير في الاقتصادات العربية، وجود وفرة من الأدلة على فشل العقوبات في تحقيق هدفها، بل وتعزيز مصالح النظام بدلاً من ذلك.

الرعاية الصحية السورية تعاني. إنّ لهذا دوراً إقليمياً يتجاوز الدولة السورية، وكما هو الحال مع جميع الأمور المتعلقة بالحرب الجارية، عندما تعاني سوريا، تعاني بقية الإقليم.

كمال علم: محلل مختص في التاريخ العسكري المعاصر في الشرق الأوسط. كان عضواً في معهد الخدمات المتحدة الملكي ما بين 2015 و2019. وهو الآن عضو في معهد كفاءة الدولة السياسية ومحاضر في عدد من الكليات العسكرية على طول الشرق الأوسط.

المصدر: Caesar Act sanctions are crippling Syria's beleaguered health sector