السيد سامي كليب، رأفةً بنفسك وبنا
ايهاب زكي ايهاب زكي

السيد سامي كليب، رأفةً بنفسك وبنا

سأعتبر نفسي طفلاً يلهو على شاطئ الخبر الصحفي، وأصدق كل ما جاء في مقال الإعلامي سامي كليب في جريدة الأخبار اللبنانية، عن الدور الساحق الماحق والمكتسح لأبومازن في إدارة الصراع الدائر في سوريا وعليها، بمشاركة جهابذة السياسة الدولية وعتاولة القانون الدولي، معاذ الخطيب وهيثم مناع ولؤي حسين وأحمد الجربة ، حيث أن هذه الثلة المباركة والقديرة هي من تدير ذلك الملف بكل حنكة واقتدار، وأنه لا دور لتركيا ولا للسعودية ولا لقطر، ولا لفرنسا ولا لبريطانيا، وأوباما بأمريكته العظمى مجرد طفل مثلي ، 

ولكنه يختلف عني كونه مستمعٌ جيد ومطيع لأبومازن، فيقول له فليترشح الأسد فينصت أوباما مقتنعاً أو مرتعباً، ولا أخفيكم سراً فقد شعرت بشديد الوضاعة وأنا أقرأ تلك الأسرار في ذلك المقال، حيث أن طفولتي دفعتني للتصديق فهانت عليَّ نفسي، فقد كنا نظن أننا في حرب كونية تُشن على أمتنا، فإذا بسامي كليب يضعنا أمام حقيقة أننا كنا ملهاةً لبعض الإمعات.

فمقال السيد سامي كليب يسخر من عقولنا، ولا ضير من ذلك إن أوتي تلك القدرة، فلا موانع في الحلبة على كيفية تسجيل النقاط إلا الضرب تحت الحزام، والمقال يضرب في الرأس، أي في الإطار القانوني، وهنا لا أشكك بالفعل فيما أتى به المقال من معلومات أو وثائق، أو بالأحرى وثيقة، ولكنه أتى في صياغة انعزالية الطابع ومعزولة السياق، فحينما تقرأ أن جنيف2 كان نتاج العقل الأسطورة للاستراتيجيين العمالقة في “التحالف المدني الديمقراطي” ، لا بد وأن تصبح طفلاً بشكلٍ إضطراري ، فتستقبل الأمر ببراءة الأطفال،حتى لا تثور في رأسك الأسئلة البسيطة والصعبة في آن، فتصل لمرحلة اعتبار أن الله مجرد أسطورة أيضاً،بمعنى أنك ستصل حد الكفر، لأنك ستصل إلى قناعة تامة بأن الصراع في سوريا هو مجرد صراعٍ على السلطة، بين نظامٍ متشبث بالحكم سطوةً ومعارضة راغبةً فيه، فتفجرت الرغبة والسطوة حرباً طاحنة،وليس للحرب أي وجوه أخرى ، وحينها سنكون أمام خيارين ، إما أن نصدق معاتيه الشاشات بأن الصراع محلي على السلطة ونكفر بالنظام وإما أن نصدق معاتيه الشاشات بأن الصراع محلي على السلطة ونكفر بالنظام.

ثم يزيدنا المقال من الشعر أبياتاً فيقول أن اتفاق السلاح الكيماوي كان بمبادرة من هيئة التنسيق ممثلة بشخص رجاء الناصر،وهنا سأستعيض عن طفولتي بريشة بيضاء أعلقها فوق رأسي حتى يتسنى لصاحب المقال تحريكها وقتما يشاء، وأصدق أن رجاء الناصر كان يمتلك مفاتيح مخازن الأسلحة الكيماوية، وأنه أوقف زحف الجيوش وجلى غبار سنابك خيلها،وقد أنقذ مقترح هيئة التنسيق روسيا من ورطتها وتخبطها، وأنقذ الولايات المتحدة من مغامرة غير محسوبة العواقب، وأنقذ “النظام السوري” من تدمير شامل واقتلاعٍ كامل، ولكن المفارقة العجيبة أن اللواء على مملوك قام بإهداء أبومازن نسخة نادرة من القرآن الكريم غير المنقوط،ومثلها للسفير الروسي في لبنان كما يقول سامي كليب، وهذا يُعتبر إنكاراً لصاحب الفضل الأول والأخير على النظام وعلى روسيا وعلى أمريكا رجاء الناصر وهيئته، حيث هم من تمخض عن تلك المبادرة ، فهم من يستحقون الهدية لا من تسلق المبادرة وأعطاها طابعاً دولياً، إلا إذا كانت الهيئة تسلمت المبادرة من اللواء المملوك شخصياً فرأى أنها لا تستحق أي هدية سوى السماح لها بممارسة نشاط معارض وقت الحرب.

ويرجع الكاتب اهتمام أبومازن بالأزمة السورية لشغفه بسوريا حيث عاش فيها، وهذه براءة يحسده عليها ذئب يوسف، ” ما علينا” ، فأبو مازن الذي لا يستطيع الخروج من مقره بالمقاطعة بدون إذن (إسرائيلي)، لكنه يستطيع أن يصنع كل هذه التشابكات الدولية لأنه يملك من أوراق القوة ما تعجز الأسطر عن حصرها، ليس ابتداءً بالنفط والغاز وليس انتهاءً بالترسانة العسكرية الهائلة، وطبعاً لا ننسى ما بينهما من اقتصادٍ ضخم يبدأ بالصناعات الحربية والثقيلة ولا ينتهي بتصدير التكنولوجيا الدقيقة لكل العالم،وما يتوسط ذلك من مخزون عالمي من القمح والأرز،أو أنه صنعها خفيةً عن أعين اللاعبين الدوليين،حيث أنه يمتلك أعتى الأجهزة الاستخبارية،وأبومازن الذي لا يريد إغراق (إسرائيل) باللاجئين، والذي لن يسمح بأن يطلق أحدٌ رصاصة على شقيقته (إسرائيل) يريد لدمشق أن تنتصر لأنها عون للقضية الفلسطينية، ورغم أني لا أعرف أي قضية بالضبط يقصد أبومازن، ولكن لو نزعنا الريشة قليلاً نستطيع أن نكتشف أنها قضية الحياة مفاوضات.

أبومازن الشخص الذي تباهى بأنه لم يحمل مسدساً يوماً، وهيثم مناع الذي تباهى بأن ملهمه السياسي هو أبومازن،كانا يديران حرب “اللهو الخفي”، بعيداً عن “الكبينيت” والبيت الأبيض والإليزيه و10 داونينغ ستريت وحتى عن كواليس مجلس الأمن، وحتى القرارات التي اتخذتها جامعة الأعراب وعلى رأسها تعليق عضوية دمشق في جامعتهم، كان المالكي وزير خارجية أبومازن يرفع يده بالموافقة كنوعٍ من التمويه على خطة “اللهو الخفي”،وحتى سامي كليب وهو يحاول اقناعنا بأن المعارضة تدور في الأفلاك الاستقلالية ، ينقل مقترح لؤي حسين لأبو مازن عن تشكيل وفدٍ معارض، وكما يقول اللؤي يتم تشكيل الوفد باشراف بعثة الأخضر الإبراهيمي في دمشق والرئيس أبومازن، وهنا بالضبط شعرت أني أطلت كثيراً رغم أن نِصاب المرافعة لم يكتمل، ولكني أود أن أقول نصيحة للمرموق سامي كليب، لماذا لا تقل لنا الأمر بشكلٍ شفافٍ ومباشر، بأن هناك محاولات لمقايضة دمشق بالقدس، وأن العرب لن يحصلوا على كلتاهما، فليختاروا بين وقف النزف في دمشق بشراً وحجراً وحضارةً، وإما أن توافق دمشق بكل محورها من طهران إلى بيروت على خريطة كيري لطريق ضياع فلسطين، فهذا شرف الكشف لا عار السبق والتلميع والتمرير، وأما من يريد كلتاهما فليحتمل، ومن يريد أحداهما فلن يطول الوقت به حتى يخسر الثانية والثالثة وحتى جزر القمر.

السيد سامي كليب، رأفةً بنفسك وبنا 

المصدر: بانوراما الشرق الأوسط