أبعاد السجال الأميركي حول تنفيذ خط أنابيب النفط الكندي

أبعاد السجال الأميركي حول تنفيذ خط أنابيب النفط الكندي

بعد طول انتظار، اصدرت وزارة الخارجية الاميركية تقريرها حول الآثار البيئية المترتبة على انشاء خط انابيب يحمل النفط الرملي الخام من كندا الى مصافي اميركية في ولاية تكساس مطلة على مياه خليج المكسيك؛ اشاد به وزعم صلاحيته وعدم اضراره بالتوازن البيئي الأمر الذي تفنده وتعارضه منظمات اهلية ومراكز علمية متعددة. تدخل الخارجية الاميركية له صلة مباشرة بالأبعاد الدولية نظرا لان الأمر يمس حقوق واراضي دولة مجاورة. امهلت الخارجية اصدار قرارها النهائي الى 7 آذار المقبل كي تتيح الفرصة للمواطنين التعبير عن ميولهم حول الأمر، بصرف النظر عن ان حصيلة التوجهات غير ملزمة لها.

 يبلغ طول الخط، المكنى “كي ستون اكس ال – Keystone XL،” نحو 1179 ميلا (1898 كلم) تصل قدرته على حمل 830،000 برميل نفط يوميا، بكلفة اجمالية تقدر بنحو 5.4 مليار دولار. واذا ما اضيف اليه حجم النفط المستخرج من باطن الاراضي الاميركية فان المحصلة العامة تعد باستمرارية استقلال الاقتصاد الاميركي في مجال امدادات الطاقة لعدة عقود مقبلة.

التجاذبات والاصطفافات السياسية رافقت المشروع منذ ولادته، خاصة وانه سيمر وسط اراضي زراعية شاسعة تقع في منتصف الاراضي الاميركية التي تعد الخزان الغذائي، نباتيا وحيوانيا، للبلاد والتي تشهد نشاطا للمنظمات والهيئات المناهضة لاستغلال التوازن البيئي لخدمة اغراض الشركات الغذائية والصناعية الكبرى. التقنيات المتوفرة لاستخراج النفط الرملي والصخري، رغم حداثتها، لا توفي بالحدود الدنيا للحد من الغازات المنبعثة الملوثة للبيئة، خاصة وان كندا، الدولة المنتجة، ملزمة عالميا بتخفيض معدلات التلوث العام بنحو 17% مع حلول عام 2020.

في هذا السياق تجدر الاشارة الى ما افاد به احد المفتشين السابقين لخط الانابيب لصالح شركة “بكتل” العملاقة، مايك كلينك، والذي اوضح ان الشركة الكندية المشرفة على الخط، ترانس كندا، تختصر مراحل ومحطات الانشاء وتقلص النفقات مما يعرض الخط بأكمله الى “تراكم كارثي يقترب من لحظة الانفجار؛” عززه تقرير اميركي صادر في آب 2011 يحذر فيه من تلوث المياه الجوفية في ولاية نبراسكا نتيجة الانشاءات الضخمة للخط، فضلا عن تزايد الحوادث العرضية في الاراضي الكندية الناجمة عنه.

في الشق المقابل، تعوِّل الاستراتيجية الاقتصادية الاميركية على المشروع كنقطة مركزية في بلوغها الاكتفاء الذاتي في مجال انتاج وتسويق الطاقة والاستغناء عن استيراد النفط من اسواق المنطقة العربية، بشكل اساسي. ومن المتوقع ان تتصدر مسألة “الاكتفاء الذاتي” في مجال الطاقة ستتصدر برامج الحملات الانتخابية المقبلة نهاية العام الجاري، بل ستشكل احد عوامل فوز اي من الفريقين السياسيين وسيطرته على مجلسي الكونغرس.

المدير المساعد لمنظمة “نادي سييرا” للحفاظ على البيئة، كيت كولاروللي، اوضحت ان المصادقة على انشاء خط الانابيب سيترك تداعيات سلبية على مرشحي الحزب الديموقراطي سيما وان الجدل الدائر “يوفر فرصة كبرى (للحزب) للترويج لسياسات من شأنها حماية التحولات المناخية وتعزز بنية القاعدة الانتخابية للحزب الديموقراطي في حال اقدم الرئيس اوباما على رفض المضي بمشروع كي ستون اكس ال.”

النائبة في الكونغرس عن الحزب الديموقراطي لولاية اريزونا، ماري لاندرو، التي سيخترق خط الانابيب اراضي ولايتها اصطفت مبكرا الى جانب فريق اتمام الخط بالزعم ان “الوقت قد حان لانجازه،” مؤكدة سلامته وصداقته للبيئة دون تقديم المبررات الموضوعية. مؤشرات المناخ الانتخابي في الولاية تشير الى تراجع شعبية لاندرو امام خصمها المرشح عن الحزب الجمهوري الذي تفوق عليها بنسبة 44% مقابل 40%.

شركات النفط الكبرى، ومن خلال عدد من المنظمات المحسوبة عليها، مثل تحالف مستهلكي الطاقة، اوعزت لعدد من الممثلين الجمهوريين في الكونغرس اصدار مذكرة تحث فيها الاوساط السياسية على دعم المشروع بالزعم ان “اغلبية الشعب الاميركي – نحو 56% كما ورد في احدث استطلاع للرأي اجرته يومية يو اس ايه تودايه” تؤيده. (28 كانون الثاني 2014) الاحصائيات الاولية تشير الى ان حجم الفريق المناهض للخط لا يتعدى نسبة 35% من الاميركيين والذي يجاهر بمخاوفه من الاضرار البيئية المترتبة عن حوادث سكب النفط والغازات الضارة المنبعثة.

في الجانب القانوني الصرف، برزت مسألة أحقية الدولة في مصادرة الممتلكات الخاصة لاغراض المنفعة العامة، الاراضي الشاسعة التي سيمر بها خط الانابيب، واقدم عدد من المواطنين على مقاضاة الدولة، خاصة في ولاية تكساس، مما حدا بالمرجعيات القضائية الطلب من شركات الانشاء تقديم مزيد من الوثائق والحجج دعما لاستيلائها على الاراضي قيد البحث، الأمر الذي ينذر باطالة أمد الحصول على موافقة نهائية قريبا.

واصدر عدد من الهيئات المدنية ومراكز الابحاث الجامعية دراسات متعددة تفند فيها مزاعم شركات انشاء الخط القائلة بتوفير فرص عمل كبيرة، اذ اشارت دراسة اصدرتها جامعة كورنيل ان “تقديرات الشركة لم تكن دقيقة” في هذا الصدد، وستسفر عن توفير عدد متواضع من فرص العمل الدائمة. الفريق المؤيد للمشروع ما فتيء يردد ان توقعاته تشير الى انشاء نحو 42،100 فرصة عمل في مجالات متعددة، وعوائد صافية للخزينة الاميركية تقدر بنحو 2 مليار دولار.

البعض يلفت النظر الى تدفق السيولة المالية على الاقتصاد كنتيجة مباشرة للمشروع، والبعض الآخر يعتبره فرصة سانحة لرفد خزائن التمويل والتبرعات من انصار حماية البيئة. وصرحت احدى الخبراء بالشؤون المالية، بيتسي تايلور، بالقول ان “الفرص الكبرى السانحة تشير الى تدفق مزيد من الاموال،” بل ان احدهم استعد بتحمل تكاليف النقل والمواصلات لحافلات تقل نشطاء مناهضين لقرار الحكومة للتظاهر في واشنطن. كما ان “نادي سييرا” المذكور استطاع جمع مبلغ معتبر ينوف عن مليون دولار في ظرف زمني لم يتجاوز ستة (6) اسابيع لدعم حملة نشاطاته المناوئة لانشاء الخط؛ فضلا عن انضمام اعداد كبرى من المواطنين للقوائم البريدية الخاصة بالمنظمات البيئية المتعددة.

سبر اغوار تقنية استخراج النفط الصخري، حديثة العهد، تستدعي التعرف على كنه كل ما يتعلق بعملية الاستخراج وتحقيق مستويات الاحتياط المطلوبة، وتوافقها مع مزاعم تعزيز استقلالية الاقتصاد الاميركي عن استيراد النفط التقليدي، لا سيما من منطقة الخليج العربي.

 

مخزون النفط من المصدر الكندي

 

تتميز الصخور الكندية باحتوائها خليط من الرمل والطين والماء مشبعة بطبقة نفطية شديدة اللزوجة تشبه القطران، بكميات كبيرة، كما هو الامر ايضا في اراضي كازاخستان وروسيا. مصر الفرعونية، على سبيل المثال، استخدمت مادة القطران المذكورة لحفظ المومياء؛ وشاع استعمالها في منطقة بلاد الرافدين وحضارتي السومريين والبابليين ايضا.

تنبهت مبكرا شركة “سنكور” الكندية (شركة استخراج النفط الاصطناعي) لآفاق العوائد الاقتصادية من المخزون النفطي، وشرعت في الاستثمار مبكرا في تقنيات متطورة استغلتها لاستخراج مخزون مقاطعة البرتا مترامية الاطراف وتبلغ مساحتها نحو 140،000 كلم2؛ وللشركة الفضل في تصدر الدور الريادي في هذا المجال. الشركات النفطية التقليدية، ان صح التعبير، اقلعت عن الاستثمار في التقنية المذكورة نظرا للكلفة الاضافية المترتبة على استخراج النفط الصخري/ الرملي وتسييله مقارنة بالمخزون المتوفر عالميا الذي يقدر بنحو 2 تريليون برميل من النفط الفحمي – من مركب الهيدروكربون. تشير التقديرات الاولية الى ان حجم الاحتياط العالمي من النفط الصخري يعادل نحو 100 مليار برميل.

توصل العلماء الى اكتشاف النفط الصخري/ الرملي منذ قرنين من الزمن، عام 1719، بيد ان استنباط تقنيات ملائمة لاستخراجه لم تتوفر الا حديثا، والتي تستند الى تقنية الحقن بالبخار لتسييل العنصر اللزج وفصله عن حبيبات الرمل، مما يؤدي الى انبعاث غازات اضافية في البيئة تعادل 12 ضعفا لانتاج برميل واحد من النفط الحفري. وتم انتاج ما يعادل نحو 450 برميل نفط صخري يوميا خلال الحرب العالمية الثانية، بعد توصل عالم الكيمياء كارل كلارك الى وسيلة استخراج النفط عام 1925 خلال عمله البحثي في مقاطعة البرتا الكندية، مسجلا براءة اختراعه في العام 1929.

احدى ميزات تقنية استخراج النفط الصخري بالوسائل الحديثة هي قدرتها على عزل عنصر الكبريت الضار خلال العملية، مما يضفي نقاءً على مادة النفط اعلى من المعدلات المتوفرة في النفط الحفري.

استخراج النفط الصخري تقتضي الحفر بطريقة افقية وضخ البخار المكثف على درجة حرارة عالية للوصول الى المكونات اللزجة المطلوبة كي تنساب الى ابار اخرى عميقة حيث يجري تجميعها وضخها عموديا عبر انابيب توصلها الى المنشآت الخاصة بذلك. الترسبات الترابية والرملية تبقى حبيسة في مكانها الاصلي مما يخفف من كلفة التخلص منها اثناء اعمال التنقية.

تدل التقديرات الراهنة على ان الاحتياط الكندي من النفط الصخري/ الرملي يضعه في المرتبة الثانية عالميا بعد مخزون شبه الجزيرة العربية. ومع التقدم المطرد لتقنيات الاستخراج، قد يرتفع معدل الاحتياط الكندي الى ما يعادل 300 مليار برميل؛ وبلوغ الانتاج اليومي معدل 5 مليون برميل مع حلول عام 2030.

تستند معارضة المنظمات البيئية لخط الانابيب الى انبعاثات عالية من غازات الكربون من الاراضي الكندية، اكدت وزارة الخارجية الاميركية صدقية مخاوفها بذكرها تزايد معدلات انبعاث الغازات الضارة الناجمة عن الوقود الصخري بنسبة 17% مقارنة بالوسائل الاخرى. ولم يخفِ تقرير الخارجية نية الحكومة الاميركية في المضي قدما باستخراج النفط بمنآى عن قرارها بالموافقة على انشاء خط الانابيب من عدمه. الدراسات العلمية المتعددة تشير الى ان استخراج النفط من الصخور الكندية سيزيد معدلات انبعاث غاز الكربون بنسبة 0.01% على المستوى العالمي؛ اي بكلمة اخرى ان حجم الغازات الاضافية ضئيل وذو مستوى متدني.

تقرير وزارة الخارجية سالف الذكر يشير الى ان معارضة انشاء الخط ستزيد من معدلات انبعاث الغازات الضارة نظرا لاستخدام وسائل نقل بديلة، بالقطارات والسفن، تفوق النسب والتقديرات الناجمة عن خط الانابيب.

 

تكسير الصخور لاستخراج النفط

 

ادى تطور تقنية استخراج النفط الى التعرف على مصدر اضافي للطاقة يكمن في معدلات الزيت الصخري او الرملي، لاسيما في بواطن جبال ولايتي داكوتا الشمالية والجنوبية الغنية بالزيت. وتعوّل شركات النفط الاميركية على استخدام خط انابيب “كي ستون” لايصال استيرادها لمصافي النفط المطلة على خليج المكسيك.

تعود جهود استخراج واستخدام الزيت الصخري الى القرن السابع عشر، بعد التعرف على المكونات العضوية وتسخيرها لانتاج الطاقة، ابتداء بصناعة النفط المستحدثة في سكوتلندا، عام 1859، بالتزامن مع بدء الحفر في بئر النفط الاولى في ولاية بنسلفانيا الاميركية، وجهود اخرى متعددة. استخراج الوقود الحجري استمر مطلع القرن الثامن عشر، ومع حلول عام 1881 بلغ مجمل انتاج الوقود الحجري نحو مليون طن سنويا، وهبط معدل الانتاج تدريجيا في سكوتلندا، باستثناء سنوات الحرب العالمية الثانية، الى ان توقف نهائيا عام 1962. على الشاطيء المقابل من المحيط الاطلسي، واصلت كندا جهود استخراج الوقود الحجري منذ منتصف القرن الثامن عشر في مقاطعة نيو برنزويك المحاذية للحدود الاميركية وايضا في مقاطعة اونتاريو المجاورة. في العصر الراهن، تبرز استونيا في بحر البلطيق من الشطر الشمالي للقارة الاوروبية كأحد اكبر منتج ومستهلك للوقود الحجري.

جهود الولايات المتحدة لاستخراج الوقود الحجري واجهت بعض الصعوبات في الازمنة الغابرة، ولقيت بعض النجاح مع حلول القرن العشرين الذي شهد بروز عدد من شركات النفط واستخراج المخزون من الوقود الحجري لثبوت ترسبات من خليط النفط والماء بالقرب من نهر كولورادو الشهير. واسفرت عن مردود متواضع استمر منذ عام 1980 لحين عام 1991 عندما اقفلت شركة “يونوكول” ابوابها بعدما بلغ ضآلة ما استخرجته نحو 4.5 مليون برميل طيلة الفترة الزمنية.

استخراج النفط من الوقود الحجري يتم عبر وسيلتين: التعدين والاكسدة العالية. التعدين ينطوي على التنقيب في باطن الارض وتحطيم الصخور الكبرى وحرقها في افران معدة لدرجات عالية من الحرارة خالية من عنصر الاكسجين بغية التخلص من الغازات وتكثيف مادة الزيت، وتكريرها.

في حال الاكسدة، يتم تكسير الصخور المشبعة بالزيوت الهشة بطبيعتها بوسائل الضغط العالي، هيدروليك، ينتج عنها شفط الزيوت وتكريرها. يعارض تلك العملية نشطاء ومنظمات الحفاظ على البيئة نظرا للترسبات الناجمة عن انحلال عناصر كيميائية متعددة وتسربها الى مخزون المياه الجوفية، بيد ان الصخور المشبعة بالزيوت تحول دون ذلك. هشاشة الطبقة الصخرية تُيسِّر عملية التكسير وتخفف من معدلات الضغط العالية وتأثيراتها على الطبقات المجاورة. تجدر الاشارة الى تباعد الطبقات الصخرية المشبعة بالزيوت عن طبقة المياه الجوفية، اذ توجد الاولى في اعماق سحيقة تبلغ بضع الاف الامتار بينما تقع المياه الجوفية في مديات لا تتعدى مئات الامتار.

انضمت الادارة الاميركية الى جهود الترويج للتكسير الصخري واستخراج النفط مؤخرا، اذ صرح وزير الداخلية (البيئة) كين سالازار، منتصف الاسبوع، ان عملية التكسير بالضغط الهيدروليكي تعتبر آمنة، مناشدا شركات النفط والطاقة بذل جهود لتوعية الرأي العام بسلامة العملية وخلوها من المخاطر.

احتياط الولايات المتحدة الثابت من الوقود الصخري يبلغ نحو 62% من مجمل الاحتياط العالمي، مما يعادل ما ينوف عن 600 مليار برميل من النفط المستخرج؛ مقارنة بنحو تريليون برميل من مخزون النفط العالمي. هذه الارقام تدفع الى القول ان الولايات المتحدة مقبلة قريبا على تبوأ مرتبة منتج اساسي للنفط في المدى المنظور.

 

النفط المستخرج من الفحم

 

مكانة الولايات المتحدة المتقدمة في مخزون الطاقة يعززها ايضا الاحتياط الهائل من الفحم الحجري، والذي تتيح التقنية المتطورة الراهنة استخراج النفط من داخله بيسر وكلفة متدنية.

وسائل استخلاص النفط من الفحم الحجري توصل اليها العالمين الالمانيين فراز فيشر وهانز تروش في العقد العشرين من القرن المنصرم. يتلخص جهد فريق الثنائي الالماني بالقدرة على تحويل خليط الهيدروجين واكسيد اول للكربون الى سائل عضوي بعد اخضاعه لعملية تفاعل كيميائية. الاراضي الالمانية تحتوي على احتياطي كبير من الفحم الحجري، مما وفر للبلاد مصدرا داخليا لانتاج الطاقة استغلته ابعد استغلال في بناء مرافق الدولة وصناعاتها المتميزة.

واثبت الوقود الاصطناعي المستخرج اهميته وحيويته خلال الحرب العالمية الثانية، اذ وصلت معدلات انتاجه لما ينوف عن 124،000 برميل نفط ينتجه 25 مصنعا، فضلا عن معدلات زيوت التشحيم المرافقة للوقود.

لم يغفل الجانب الاميركي الانجاز الالماني في استخراج الوقود الاصطناعي، وعقد العزم على استنساخ التقليد اميركيا بغية تقليص حجم الاعتماد على مصادر الطاقة الاجنبية. واستُغِلت الكفاءات العملية الالمانية لانتاج وقود الديزل في منشأة بولاية داكوتا الشمالية، عام 1949. وتصاعد معدل الانتاج باضطراد للسنوات الخمس المقبلة ليصل الناتج الى 1،5 غالون تلبية لمتطلبات الجهود الحربية. وقد اغلقت المنشأة عقب اكتشافات النفط الخام في ولاية تكساس فيما بعد، نظرا لتدني كلفة انتاجه بالمقارنة.

اقامت الولايات المتحدة بضعة مصانع تجريبية لاستخراج الوقود من الفحم الحجري، بيد ان جهودها اللازمة اخفقت في استغلال القدرات التقنية، الامر الذي يعزز مخاوف المتشككين باستمرارية اعتماد الولايات المتحدة على مصادر الطاقة الاجنبية.

 

مستقبل قطاع الطاقة الاميركي

 

خط انابيب “كي ستون” بمفرده لن يحسم مكانة الولايات المتحدة المتقدمة في انتاج الطاقة نظرا لتعدد عناصر الموارد الطبيعية لديها والتطورات التقنية المتصاعدة التي ستؤدي لتقليص كلفة الانتاج مستقبلا.

الاطراف الاميركية المتضررة من الموارد الجديدة تشمل الشركات النفطية الكبرى، التي استثمرت مواردا وطاقات ضخمة في استخراج النفط من المنطقة العربية، والتي اخفقت في التقاط اللحظة المناسبة للاستثمار اميركيا واستخراج الوقود الصخري على الرغم من وفرة المعلومات لديها. وتشمل قائمة المتضررين من خط انابيب “كي ستون” احد اكبر المستثمرين، وارين بافيت، الذي استثمر نحو 34 مليار دولار عام 2009 لامتلاك شبكة خطوط نقل السكك الحديدية العملاقة، بيرلينغتون نورذرن سانتا فيه، التي تنقل حاليا امدادات النفط الكندي وانتاج ولايتي داكوتا الى المصافي الاميركية، ولا يبدي بافيت حماسا لتبني وسيلة نقل منافسة لممتلكاته.

استطلاعات الرأي تشير بوضوح الى تأييد اغلبية الاميركيين لانشاء خط الانابيب المذكور بالرغم من اعتراض القوى المعنية بالمحافظة على البيئة، والتي تمثل اقلية بالنسبة لمجموع القوى الاخرى.

مسألة مستقبل قطاع الطاقة يعد جذر اهتمام الجمهور في المدى البعيد، ويتجاوز ثمة اعتراضات وتباينات حول استكمال انشاء انبوب لنقل النفط. الموارد الاميركية الذاتية لامدادات الطاقة معززة بكميات معتبرة من النفط الكندي تفرض تراجع معدلات اعتماد الولايات المتحدة على نفط الخليج العربي، والتي كانت “السعودية” تحتل المرتبة الثانية في مستوردات الطاقة الاميركية، ويشكل عنصرا ضاغطا لها لايجاد اسواق جديدة بديلة للسوق الاميركية. وهنا تبرز الصين والهند كاكبر الاسواق للنفط المستورد من منطقة الخليج التي تتجه سياسات دوله بثبات الى الاسواق الاسيوية لتعويض تراجع الاسواق الغربية التقليدية.

تقليص اعتماد الولايات المتحدة على نفط الخليج يترجم ايضا بتراجع اهتمام السياسة الاميركية في مجمل المنطقة العربية، ولا نقول انسحابها من هناك، بل سيستمر القلق الاميركي من مستقبل الملف النووي الايراني خشية امتلاكه تقنية انتاج اسلحة نووية. كما ستستمر السياسة الاميركية في وتيرة انخراطها الراهنة للابقاء على تدفق النفط عبر مضيق هرمز دون توقف.

في هذا الصدد، سيطغى عنصر المقاربات العامة المشوبة بالحذر في السياسة الاميركية التي تتجه انظارها نحو الشرق الاسيوي مع احتفاظها بمستوى التزاماتها الراهنة للحيلولة دون اندلاع اشتباكات من شأنها زعزعة استقرار اسواق واسعار الطاقة على المستوى الدولي. بيد ان الثابت في السياسة يشير الى تراجع اولويات انغماس اميركا في قضايا المنطقة نتيجة تقلص مستوى الحاجة الملحة لنفط الشرق الاوسط.

  

المصدر: مركز الدراسات الأميركية والعربية

آخر تعديل على الإثنين, 10 شباط/فبراير 2014 22:35