اسكندنافيا ووهم «الطريق الثالث» بين الرأسمالية والاشتراكية
إعداد وتعريب: عروة درويش إعداد وتعريب: عروة درويش

اسكندنافيا ووهم «الطريق الثالث» بين الرأسمالية والاشتراكية

يحاول البعض الإشارة إلى ما يسمى «دولة الرفاه»، التي سادت الغرب عموماً، على أنها طريقاً ثالثاً بين الاشتراكيّة والرأسماليّة، لكنّ هذا مجرد لغو من لا يفقه شيئاً، لا عن «دول الرفاه»، ولا عن كيف تعمل الرأسماليّة، ربّما لا يخلو حديث اليوم عن هذا النموذج للدولة من ذكرٍ للدول الإسكندنافيّة، كونها الدول الأخيرة التي لا يزال فيها بعضٌ من الرفاه، وبأنّ على بقيّة دول العالم أن تحذو حذوها، لكنّ السؤال الحقيقي الذي يجب طرحه هو: هل نموذج الدول الإسكندنافية استثناءً في حقبة الرأسماليّة والأزمات التي تولدها؟

رغم أنّه غالباً ما يتم الحديث عن الدول الإسكندنافيّة ككتلة واحدة، إلّا أن ظروف كلّ دولة منها مختلفة عن الأخرى إلى حدّ ما، ففي حين أنّ القطّاع الصناعي السويدي بات متطوّراً جدّاً بالمقارنة مع جيرانه، وتتبعه الدنمارك في ذلك إلى حدّ ما، فإنّ النرويج تتميّز بثروة نفطيّة وسمكيّة كبيرة، قادرة على تزويد الحكومة بفائض سنوي تُحسد عليه. ولكنّ نظام الرفاه الاجتماعي في هذه الدول متشابه بشكل كبير، وظروف تطوّره وفترة صعوده كذلك، ولهذا يمكن التعامل معها، لغرض هذا المقال، ككتلة واحدة، ناهيك عن كونها تنسّق سياساتها الاقتصادية والاجتماعية في إطار «اتحاد الرابطة النوردية «The Conferderation of Nordic Association  الذي يضمّ إضافة إلى الدنمارك والسويد والنرويج_ وهي الدول الإسكندنافيّة التقليديّة -  فنلندا وإيسلندا.

صعود «دولة الرفاه»
إنّ تاريخ «دولة الرفاه» مرتبط بشكل أساس، بالمساومات الطبقيّة التي جرت بين العمّال وأصحاب رؤوس الأموال، وتطوّرت بشكل كبير في معظم دول أوروبا الغربيّة في الثلاثينيات، أو بعد الحرب العالميّة الثانية مباشرةً، متأثرة بالتوازنات والعلاقات الدولية، بما في ذلك قيام الثورة الروسيّة، ونشوء نظام اقتصادي منافس في وسط وشرق أوروبا، وبالتالي حاجة الرأسماليين في الغرب لحشد دعم طبقتهم العاملة في الحرب الباردة ضدّ الاتحاد السوفييتي.
والذي أعطى «دول الرفاه» تنوعاً من حيث الصيغة، هو: الظروف المتمايزة في كلّ دولة على حدة، ففي إسكندنافيا عامّةً، وفي النرويج خاصّةً كمثال، لم يكن هنالك تاريخياً وجود لطبقات عليا قويّة، لا أثناء حقبة الإقطاع ولا في ظلّ الرأسماليّة. ففي بلد صغير سكانه قليلون، شكّل الفلاحون مجموعة مستقّلة هامّة وواثقة من نفسها، كان يوجد في الثلاثينيات نموّ قوي جدّاً، وتعزيز لدور النقابات والحركة العمّالية، وذلك على أساس تحالف طبقي بين العمّال، الفلاحين، المالكين الصغار، والصيادين المحليين الذين كانوا يملكون قواربهم الخاصّة. كان هذا التطوّر مؤثراً في عدم قدرة الفاشيّة على أن تصبح قويّة أبداً في النرويج، كما أثّر على أنّ «جمعيّة أرباب العمل» قد استطاعت أن تتوصّل إلى اتفاقٍ مع الحركة النقابيّة، ليؤدي ذلك إلى إضفاء طابع رسمي على حلّ توافقي بينهما، في الوقت ذاته، فاز حزب «العمّال» بدعم فعّال لتشكيل حكومة في النرويج. إنّ هذه المساومة بين «جمعيات أرباب العمل» وبين النقابات العمّالية، هي التي سادت في دول إسكندنافيا عموماً، «1935 في النرويج، و1938 في السويد»، باستثناء فنلندا التي كانت قد شهدت حرباً أهليّة، أدّت بها لشكل تطوّر مختلف قليلاً بشكل نسبي، ولكنّ حتّى فنلندا لن تستطيع تجنّب النيوليبرالية بشكل لاحق.
والحقّ، أنّ من يرى السويد اليوم، لا يمكنه أن يتخيّل بأنّها دولة تأخرت في دخول عهد التصنيع، أو أنّ حوالي مليون شخص قد هاجر منها عقب الحرب العالمية الأولى، رغم الأرباح الهائلة التي حقّقها رأس المال السويدي من بيع المعادن والمواد الأخرى للمتحاربين، أو أنّ الأزمة الرأسماليّة العالميّة في الثلاثينيات قد كان لها آثار مدمّرة على رأس المال السويدي. لقد كانت الشراكة التي عقدها رأس المال مع العمّال، هي الطريقة الوحيدة السانحة أمامه، كي يتفادى الانهيار التام أمام السخط العمّالي على الأزمات.
لقد كان تهديد الاشتراكيّة، على المستوى العالمي، هو ما جعل الرأسماليين في أوروبا الغربيّة وكندا، وحتّى الولايات المتحدة بشكل أقل، يتجهون نحو المساومة الطبقيّة. ويجب أن نُبقي في أذهاننا بأنّ «دولة الرفاه» لم تكن أبداً مطلباً من مطالب العمّال قبل نشوئها، بل لم يكن هذا المصطلح موجوداً على الإطلاق، فقد سعى العمّال نحو الاشتراكيّة، حتّى أنّ البعض اعتبر الأزمة الاقتصاديّة العالميّة في الثلاثينيات بمثابة «النفس الأخير لرأسماليّة على وشك الموت»، ولكنّها استطاعت عبر الحرب والمساومات، أن تتعافى وتزدهر اقتصادياً، لحوالي ثلاثين عاماً أخرى، نشأت خلالها «دولة الرفاه».
إنّ «دولة الرفاه» هي نتاج تطوّر تاريخي في لحظة معينة، قاد إلى المساومة بين العمّال ورأس المال، وعليه، فإنّها مجرّد مساومة مصالح، وهذا ما يفسّر وجودها بأشكال وصيغ متنوعة، وهو أيضاً يشرح سبب كونها مليئة بالتناقضات، فهي وإن كانت قد شكّلت تطوراً اجتماعياً هائلاً بالنسبة لمعظم الناس، فهي لم، ولن، تمثّل تحرير الطبقة العاملة، ونحن هنا لا نكون قد قللنا من نضال الطبقة العاملة في أيّة من تلك الدول، فهي بإضراباتها وثقلّها، مثل: سلسلة إضرابات 1931 في السويد- والتي اضطرّ فيها الجيش للتدخل وإطلاق النار وقتل وجرح العشرات - من أجبرت الرأسماليين على المساومة خوفاً من «شبح الشيوعيّة».

سنوات الازدهار التالية للحرب
توسّع رأس المال العالمي بين عامي 1945 و1973 بشكل هائل، حيث كانت نسبة النمو السنوي 4.8% خلال تلك الفترة، كانت هنالك نسب بطالة متدنية بشكل قياسي في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية، لقد بدا الأمر وكأنّ ماركس قد أخطأ التقدير، وبأنّ دورة الانتعاش والكساد قد وصلت نهايتها، فكيف انتعشت الرأسماليّة من أكبر أزمة في تاريخها؟
أولاً: الدمار الواسع الذي حاق بالمدن في الحرب العالمية الثانية، يعني أنّ على دول أوروبا الغربية أن تقوم بإعادة الإعمار، واستثمرت الدولة والشركات الخاصة في البنى التحتية الجديدة، وفي المصانع وفي الآلات وفي المنازل. ثانياً: كان هنالك نموّ كبير في الإنفاق العام في كلّ مكان، سواء أثناء الحرب أو بعدها، لقد وصل الإنفاق العسكري في الولايات المتحدة في عام 1945 إلى نسبة هائلة: 42% من الدخل الإجمالي السنوي، ومن أجل القيام بأعمال الإنشاءات الضروريّة بعد الحرب، كان على مستويات إنفاق الدولة العالية أن تستمر.
عند النظر إلى الرأسماليّة كنظام عالمي، نعلم بأنّ هذا النظام يمكن أن ينفع بعض الرأسماليين أثناء قيامه بتدمير آخرين. إنّ الدول التي لم تتعرّض للدمار بعد الحرب العالمية الثانية، والسويد هي أبرز هذه الدول بعد الولايات المتحدة، حيث لم تكن هنالك حاجة لإعادة الإعمار، كان أمامها فرصة جني كميات أكبر من فائض القيمة المتاح.
لقد أدّى الانتعاش إلى قيام «دولة الرفاه الاجتماعي»، ولكن هل أمكن لذلك الانتعاش أن يدوم؟ لقد بدأت السنوات الذهبيّة تنحسر منذ بداية السبعينيات، وهذا أدّى إلى عودة الصراع الطبقي، فقد انطلقت الإضرابات والاحتجاجات في أنحاء العالم الغربي جميعها، مثل: سلسلة إضرابات «الألوان» في بريطانيا، والتي دامت من 13 تشرين الثاني 1970 وحتّى 8 شباط 1971، وكان هنالك في عام 1971 في السويد وحدها أكثر من ألفين ومائة واثنين وتسعين إضراباً عمّالياً.

الهجوم على «دولة الرفاه»
وصلت سنوات النضال التي اشتعلت في السبعينيات من القرن العشرين إلى نهايتها في بداية الثمانينات، عندما أصبحت النيوليبرالية هي الإيديولوجيا التي تقودها على مستوى العالم مارغريت تاتشر من بريطانيا، ورونالد ريغان من الولايات المتحدة. لكنّ الدول الإسكندنافيّة، وخصوصاً السويد، التي كانت مندمجة في الاقتصاد الرأسمالي العالمي بشكل كبير، استطاعت تأجيل وصول هذه الموجة قليلاً. فقد استمرّ القطّاع العام في النمو في الثمانينيات في إسكندنافيا، مع تحوّل الاقتصاد الإسكندنافي إلى اقتصاد ضرائب، فقد وصلت مساهمة الضرائب في الثمانينيات إلى 51% من الناتج الإجمالي السنوي السويدي، ورغم أنّ بعض هذه الضرائب قد استهدفت رأس المال، حيث زادت ضرائب الشركات، وضرائب تطوير العمّال لتصل إلى 35% من دخل أصحاب العمل، فإنّ العمال أيضاً قد كانوا محلاً للزيادة في الاقتطاع الضريبي، وخاصة لزيادة ضريبة القيمة المضافة.
لكنّ تأخير الموجة لم يعنِ تجنبّها بشكل كلي، فقد أدّت السياسات النيوليبرالية التي اعتُمدت في تحرير القطّاع المصرفي والمالي إلى نتائج كارثيّة، فقد استغلّت الشركات العقاريّة والماليّة الفرصة لجني الملايين من الملكيات التجارية والسكنية، ممّا نتج عنه فقاعة في العقارات قادت إلى انهيار هائل، وإلى أزمة في بداية التسعينيات، قامت الحكومة على إثرها بإنقاذ المصارف التي تهاوت. وأدى ذلك إلى ارتفاع نسب البطالة بشكل هائل، ممّا شكل عبئاً على قطّاع الرفاه العام، وإلى استخدام «النخبة» للأزمة التي سببها القطاع الخاص، كذريعة من أجل تخفيض الإنفاق على المدارس والمستشفيات، وبقيّة أركان دولة الرفاه، ملقية اللوم على القطّاع العام «المنتفخ».
لطالما عملت «النخبة» في إسكندنافيا عموماً، وفي السويد والدنمارك وإيسلندا تحديداً، من أجل خصخصة القطّاع العام مثل مجال الطاقة والاتصالات، وقد منحتهم الأزمات الفرصة للقيام بذلك، وإلى تجريد الطبقة العاملة من أسلحتها عبر التخويف من البطالة. هذا بالإضافة إلى أنّ انهيار الاتحاد السوفييتي، لعب دوراً في تهيئة المناخ الملائم للهجمات الجديدة على القطاع العام في ذلك الوقت. ورغم انتعاش الاقتصادات الرأسماليّة عموماً بعد فقاعة الإنترنت بين 1995 و2000، حيث ضخّ المستثمرون الأموال في الشركات المعتمدة على الإنترنت، على أمل أن تقوم هذه الشركات الغرّة بإنتاج الأرباح، فلم تتحسّن الأوضاع كثيراً، ورغم انتعاش السويد والنرويج وفنلندا بشكل خاص، بسبب توريد المواد الخام إلى ألمانيا وبقيّة الدول، لكنّ رأس المال استمرّ بالتمركز، واستمرت عمليات الخصخصة، ليكون الانتعاش بعد الأزمة سبباً في زيادتها وليس في وقفها.
لقد وصلت في عام 2006 حكومة من ائتلاف يميني للحكم في السويد، لتكون الأولى منذ بداية التسعينيات، ولتفتح الباب على مصراعيه أمام خصخصة كلّ شيء: التعليم والصحّة...إلخ. لقد فقدت دولة الرفاه هنا وجودها الفعلي، وباتت تشكّل عبئاً على الأفقر في المجتمع، فقد تمّ تخفيض الضرائب على الشركات بشكل مستمر، بينما رفعت ضرائب القيمة المضافة، والضرائب على جمع النفايات ووجبات المدارس والمستشفيات...الخ. 
بقيت النرويج، بسبب الفائض المستمرّ الذي توفره لها مصادر الطاقة والثروة السمكيّة، وأيضاً بسبب عدم عضويتها في الاتحاد الأوربي، هي الدولة الإسكندنافيّة الوحيدة، التي لا تزال الطبقة العاملة فيها قادرة على التنعّم بـ«دولة الرفاه» بشكل نسبي، لكنّ الاتجاه القومي المتزايد، وعمليات الخصخصة المستمرة، والنتائج الحتميّة للسير في اقتصاد السوق، يمكنها أن تعرض لنا صورة عمّا سيجري في المرحلة القادمة.

هل يمكن بناء «دولة الرفاه» من جديد؟
يطرح البعض، مسألة العودة إلى «دولة الرفاه»، في ظلّ الديناميكيّة الطبقيّة المعاصرة، وبأنّه يمكن بناء نموذج الدولة هذا في دول الأطراف، من أجل سحب فتيل المواجهة بين الطبقة العاملة ورأس المال...إلخ، لكنّه أمر غير ممكن، فقد انتهى عصر «دولة الرفاه»، أو وصل إلى نهايته على الأقل، فنحن نرى بأنّ ما يجري في الدول الأكثر تضرراً من الأزمات، ما هو إلّا تدمير ممنهج لـ«دول الرفاه». 
إنّ صعود «دولة الرفاه» يعود إلى ظرف تاريخيّ محدد، ولا يمكن نسخ هذا الظرف اليوم، وهو ليس مرتبطاً فقط بالانتعاش التالي للحرب، وقد أصبحت «دولة الرفاه» ممكنة الحدوث بسبب التنظيم الشامل، والقيود التي فُرضت على رأس المال: كمراقبة رأس المال، وتنظيم الأسواق الماليّة، وتنظيم المصارف، وتوسيع الملكيّة العامّة المطّرد في العديد من البلدان، وكذلك الإصلاحات الديمقراطية التي جعلت للناس العاديين تأثيراً أكبر على السياسة، إنّ التغيّر في علاقات السطوة في المجتمع، والتي شهدناها منذ بدء التمدد النيوليبرالي في الثمانينيات، قد ألغى معظم هذا التنظيم، وعليه فإنّ هياكل السلطة التي يمكن لـ«دول الرفاه» أن تقوم عليها قد اختفت ولم يعد لها أيّ وجود.
إنّنا نشهد الآن حصاد الحقبة الرأسمالية، حيث تقوم القوى السياسيّة اليمينيّة بالتخلّص من أفضل أجزاء «دولة الرفاه»، ولكن ليس من جميعها، فهي في النهاية نتيجة مساومة، وهي بالتالي تعكس في أجزاء منها مصالح الرأسماليّة، ولهذا فأيّ كفاح من أجل إعادتها هو دون معنى نسبياً. يجب علينا بكل تأكيد أن ندافع عمّا حققناه من خلال «دولة الرفاه»، ولكنّ مهمتنا طويلة الأمد، وتكمن في إعادة ترميم رؤيتنا عن مجتمع يلبي احتياجات الناس فيه، وأن نعيد بناء استراتيجياتنا لتحقيق ذلك.
يجب أن نكون على يقين، أنّ الرأسماليّة لا يمكن أن تدرك بأنّ حالها ميؤوس منه، فحتّى لو كانت غير قادرة على الخروج من مأزقها، سوف تبذل كلّ جهد ممكن لمنع العمّال من تنظيم أنفسهم لإحداث تغيير في الوضع، وسوف تلجأ في سبيل هذا إلى الحيلة المعروفة، وهي: الفاشية، وستبذل جهدها لدفع البشريّة اتجاه البربريّة، في سبيل منعها من المضيّ قدماً نحو الاشتراكيّة. وتعتمد النتيجة في نهاية المطاف على من في الأرض، لكنّ السيناريو الحالي يفتح المجال أمام العمّال كي يحتكروا المبادرة، من أجل تجنيب أنفسهم الأزمة، والقيام في الوقت ذاته بتعزيز حقوقهم الديمقراطيّة، وللمسير قدماً في مشروع الاشتراكيّة.

الدولة ودورها في الصراع
في ظلّ هيمنة رأس المال المالي العالمي، لا يوجد حلّ للأزمة الرأسمالية التي تؤدي لتفكيك «دول الرفاه»، إنّ الحلّ الوحيد الممكن في الوقت الحالي، والذي يمكن لأيّة دولة في العالم القيام به، هو: أن تلعب الدولة دوراً نشطاً، وحتّى يتمّ ذلك يجب على الدولة الشعبيّة أن تخضع الدولة النيوليبرالية، لكنّ هذا غير ممكن دون إخراج الاقتصاد من دوامة تدفقات رؤوس الأموال العالميّة، ودون ضبطِ رأس المال والتجارة، أي: يجب التوقّف عن عولمة الاقتصاد على الطريقة النيوليبراليّة، والتوجّه نحو النموذج الواعد والأكثر تكاملاً في الشرق. لا يمكن الاعتماد على الشركات الماليّة المرتبطة برأس المال العالمي لتقوم بذلك على عاتقها، فالدولة التي تستند إلى قاعدة طبقيّة بديلة، هي وحدها القادرة على إحداث مثل هذا التغيير، وهذه هي الدولة التي ستعتمد على دعم الطبقة العاملة. عندما يحدث هذا، فلن يتمّ الاكتفاء بـ«دولة رفاه» تعيش في سياق رأسمالي متبدّل، قادر على أن يسلب العمّال مكتسباتهم عند أوّل أزمة، بل سيتمّ الانتقال إلى الاشتراكيّة، وسيكون مثل هذا الاختراق عندها كفيلاً بتجاوز الرأسمالية نفسها.