هيئة التنسيق الوطنية ومؤتمر "جينيف2"، فصامية السياسة
مقداد عبود  مقداد عبود

هيئة التنسيق الوطنية ومؤتمر "جينيف2"، فصامية السياسة

يهدف تحليلي النقدي لرؤية هيئة التنسيق الوطنية، التي قدمها رئيس مكتب الإعلام فيها، منذر خدام، في مقاله في جريدة الأخبار اللبنانية، الإثنين14 تشرين الأول 2013، عن "المعارضة السورية ومؤتمر جنيف2"، إلى كشف الالتباسات في رؤيتها وسلوكها السياسي، اللذين وصلا حدّ الفصامية السياسية، من جهة، ومحاولة تلمّس موقف المعارضة الوطنية الذي يمكن أن يكون استجابة لاستحقاق مؤتمر جنيف2، من جهة ثانية.

يشكل هذا المؤتمر ذروةً، أوصل إليها الصراع في سورية، ومن المفترض أنها تفسح المجال للتوصل إلى نهاية للأزمة، وستكون رهن تغالب القوى الممثلة على الطاولة؛ ستسعى  قوى ما تسمى "الثورة"، أي الائتلاف الوطني أو " ائتلاف الدوحة"، وهيئة التنسيق الوطنية، والهيئة الكردية العليا، إلى إسقاط النظام، للوصول إلى" دولة مدنية ديمقراطية"، كما جاء في وثيقة "رؤية هيئة التنسيق ومشروعها التفاوضي للحل السياسي في سورية"، دون أن يطرحوا يوما الرؤى الفلسفية والأدوات السياسية والبرنامجية التي تفضي إلى ذلك.

 

والنظام بدوره، سوف يسعى إلى المحافظة على سلطته، التي طالما مارست تحكّمها الأحادي الشمولي، بالناس والدولة والمجتمع، تحت اسم الشرعية الثورية، رغم أن ظروف الأزمة وانعكاساتها على المستوى الموضوعي والذاتي، فرضت عليه(النظام) نوعا من الاستعداد لإجراء تغيير في النهج الشمولي الماضي. 

 

أما القطاع الأوسع من المجتمع السوري الذي يميل إلى التغيير الديمقراطي بطريقة سلمية، ربما لن يكون من المشاركين أو من الفاعلين الأساسيين في جنيف، نتيجة رفض أمريكا وعدم تقبل قوى المعارضة الخارجية لهذه المشاركة. إلى ذلك، سينحصر الصراع الحاسم بين الطرفين أي الحلفين المتناحرين على سورية؛ الحلف الغربي، وحلف المقاومة الرافض للإملاءات الغربية.

 

أولى علامات الفصامية في رؤية هيئة التنسيق، هي الازدواجية، فمن جهة، تبذل جهودها لتنسيق مواقف قوى "الثورة" المُعارِضة، في الوقت الذي ترى فيه، من جهة ثانية، أن مردّ تعقيد مشاركتها في "جنيف2"، " يعود إلى طبيعتها كمعارضة، و إلى ارتهان كثير من فصائلها لدول عربية و أجنبية"، كما يقول، منذر خدام. علاوة على ذلك، إذا كان "الخارج" جعل المعارضة" موضع تنازع  إرادات الدول...و سخاء تدفقاتها المالية لها ولإفرادها، والتسهيلات اللوجستية التي قُدمَت لها"، فهل تستطيع أن تكون في هذا المؤتمر، مستقلة عن إرادة الخارج؟ يحق القول هنا، الغاية من هذا التنسيق، هي الالتحاق والتبعية للحلف المعادي لسورية، كدولة ووطن، من جهة ثانية، أليس هدف هيئة التنسيق من التزلف لهذه المعارضة المرتبطة بالخارج، وللحلف الغربي الذي أنشأها، أصلا، هو نيل المكاسب على حساب هذا البلد، ومن خلال جنيف2؟

 

ثانيتها، أن تعطي هيئة التنسيق حكما قطعيا، بأن هناك، فقط، "ثلاث أطر للمعارضة السورية، وهي هيئة التنسيق، والائتلاف الوطني...والهيئة الكردية العليا"، فهذا يكشف عن إقصائية وغطرسة فكرية وسياسية، فهل يستحق أتباع الائتلاف مصطلح "الثوار"، في حين فاتح جاموس وعادل نعيسة اللذين قضيا في المعتقل ما مجموعه حوالي النصف قرن، لايستحقان شرف هذا المصطلح! وهناك تساؤل في الإتجاه ذاته: أليس قدري جميل الذي يناضل من أجل التغيير الجذري الشامل، بطريقة سلمية، في سورية، ويناضل ضد التدخل الخارجي فيها، هو أكثر معارضةً من ميشيل كيلو وبرهان غليون وأحمد الجربا المرتبطين بالنيوليبرالية والرجعية العربية والإخوان المسلمين؟ كيف يكون هؤلاء الذين جاءت بهم السعودية وقطر وأمريكا، معارضين وقادة في "الثورة"، في حين قدري جميل وعلي حيدر، ليسا معارضين، لأنهما وزيران في الحكومة السورية الحالية! الأغرب،حقا، أن رياض سيف والسفير الأمريكي  روبرت فورد، الذي ذهب خلسة إلى حماة ليبارك "الثوار" فيها، هما صديقان وملهمان "للثورة السورية"التي تتمسك بها هيئة التنسيق، والهيئة الكردية العليا. أليس هذا عين الازدواجية والفصامية السياسية؟

 

ثالثتها، للثورة أداة وليس للثورة أداة،هذا هو تناقض آخر يعانيه الموقف السياسي لهيئة التنسيق؛ فإذا كانت"داعش" و"جبهة النصرة" ليسا حامل الثورة، بحسب الإعلان الشكلي للهيئة، وإذا كان "الجيش الحر" تبخّر، بسبب التحاق قسم منه بهذين التنظيمين، وقسم آخر أعاد ارتباطه بالجيش السوري، فأين أداة الثورة"؟  وبالتالي كيف تقوم وأين توجد هذه الثانية؟ ربما،فقط، في تعنت الهيئة ومكابرتها.

 

 

هيئة التنسيق ليست ضد العنف

 

رابعتها، إذا كانت وثيقة مؤتمر الهيئة في 23\9\2012، تؤكد على أن "الجيش الحر" مكون أساسي من مكونات "الثورة"، في الوقت الذي يقوم، فيه، بأشرس المعارك ضد الجيش العربي السوري، كيف يستقيم هذا مع قولها: " تبنّت منذ البداية نهج الحراك السلمي" و رفضت "عسكرة الثورة"، كما يقول خدام ؟ من جانب آخر، عندما ارتكبت "الثورة" مجزرةً بحق عناصر مفرزة الأمن في جسر الشغور في 3 حزيران 2011، لم تقم الهيئة بإدانتها، بل ذهبت إلى تبريرها بالقول: " النظام خلق بيئة ملائمة للعنف المضاد"، كما نصّت وثيقة "رؤية هيئة التنسيق ومشروعها التفاوضي للحل السياسي في سورية".

 

خامستها، تعمل هيئة التنسيق إلى تحقيق الهدف الرئيس"للثورة" عبر مؤتمر جنيف2، وهو "إسقاط النظام بكافة رموزه ومرتكزاته، وقد تم التوكيد على هذا في البند السادس من وثيقتها المذكورة، الذي يهدف إلى" حكومة انتقالية بصلاحيات كاملة"، ويكون رئيسها " شخصية معارضة"، على أن يحتفظ الرئيس" بالمهام البروتوكولية"! وهم يلتقون هنا، مع ائتلاف الدوحة ومع كيري، حيث ذهب إلى أن ترشيح الرئيس الأسد للانتخابات "يطيل أمد الحرب". هم لايقبلون بغير استلام السلطة، وهذا هو شرطهم لإلقاء السلاح، وإنهاء العنف. 

 

على الضدّ من موقف هيئة التنسيق الإقصائي، فإن قوى التغيير السلمي دعتها للحوار على ورقة عمل مشتركة، حول قضايا رئيسة  في الحدث السوري: الخروج من الأزمة، الحوار الوطني الشامل، الموقف من العنف وقواه، و الوقوف ضد التدخل الخارجي. ولقد رفضت الهيئة تلك الدعوة. والمفارقة أنها مستعدة للتنسيق مع " أصدقاء الشعب السوري"، أيّ أمريكا ، بريطانيا، فرنسا، تركيا، السعودية و قطر، ومع ميشيل كيلو الذي يفضل أن " يُقطَع رأسه" على أن يذهب إلى جيف2، طبعا إلا بالشروط السعودية، ولكنها (الهيئة) ترفض الحوار مع قوى سياسية يسارية من صف التغيير السلمي.

 

إلى ذلك، ربما من الحقيقي القول: موقف هيئة التنسيق يعاني من فصامية سياسية، أدت إلى تشويش فهم حقيقة الأزمة في سورية، وساهمت، من حيث تدري أو لا تدري، بكل هذا الدمار والخراب.