الرأسمالية والرهان على تطويع العلم
تعريب وإعداد: عروة درويش تعريب وإعداد: عروة درويش

الرأسمالية والرهان على تطويع العلم

تقوم الرأسماليّة باستمرار بتطويع كلّ شيء ليخدم مصالحها، وليؤدي إلى تحقيق الربح الأقصى. فلماذا نتوقّع أن يختلف تعاملها مع النظام التعليمي عن بقيّة الأشياء مثل الطبيعة أو الصحّة أو السكن؟ إنّ ما يهمّ النظام السياسي الذي يعبّر عن مصالح النخب الرأسماليّة، هو: تدوير كلّ شيء في الحياة في فلك تحقيق الربح الأقصى، وهو يتعامل مع المدارس من خلال ذلك، مثلما يتعامل مع الهواء الذي نتنفسه، والمياه التي نشربها.

من هذا المنطلق تبدأ عمليات تحويل التعليم جميعها، نظاماً ومؤسسات، إلى مجرّد أداة لتحقيق الربح المباشر، وإلى تهيئة عمالة مستقبليّة مذعنة ورخيصة. ومن هنا تبدأ عمليات «إصلاح النظام التعليمي» لتصبح متوافقة مع المنظومة السائدة.
إنّ إعادة هيكلة التعليم بحيث «يخدم» الاقتصاد، هي عمليّة هدم التعليم وتفتيته من أجل أن يلائم الشركات التي تجني المال عبر النشاطات الاقتصاديّة. لا تملك هذه الشركات ولاء لأيّ شيء سوى الربح، فهذه هي طبيعتها التي تأسست عليها. يقول مرسيدس شنايدر: «إنّ «الإصلاح التعليمي» يدور بأسره حول ربح الشركات، لكن ليس الربح المباشر فقط، والذي تجنيه شركات مثل: «بيرسون» للنشر، عبر بيع بضائع وخدمات بمليارات الدولارات، فالهدف الحقيقي من إعادة هيكلة التعليم بدافع سوقي، هو: جعل النظام التعليمي بكامله أمراً اقتصادياً، ما يعني تجريد التعليم من غرضه الإنساني بشكل كلّي. ويجب تبعاً لذلك قمع وتوجيه الناشئة ناحية خدمة الشركات بشكل معدّ سلفاً، وناحية احتياجات السوق الشرهة. يكمن أحد العناصر الحاسمة في تحقيق هذا الهدف في كسر روح المدرسين، وتحويلهم إلى مجرّد مدربين للأشياء التي تحتاجها السوق».
الطلاب والعمال ضحايا السوق!
تقوم «النخب» بالتسويق لإجراءات وضع التعليم في خدمة السوق، على أنّها تمثّل مصالح الطلّاب مثلما تمثّل مصالح الشركات، وكأنّ مصالحهما يمكن أن تتقاطع. فأرباب هذه التغييرات يشددون على أنّ الطلاب غير القادرين على توليد الربح لأصحاب العمل، سيعيشون في البطالة، ولهذا يجب على التعليم أن يلبي احتياجات السوق، وبهذا سوف يربح أصحاب العمل والعمّال كلاهما، وسوف تصبح الأعمال أكثر فاعلية على مدى الاقتصاد العالمي.
لكنّ تقاطع المصالح هذا مجرّد ظلّ وهمي يُلقى على كامل العمليّة، حيث الدافع للربح الأقصى يعني أيضاً: أنّ الشركات ستسعى إلى تحقيق «الفاعليّة» الأقصى، وهذا يعني: التقليل من تكاليف العمالة. فكما قال، بيل غيتس، بشكل صريح: «ستقلل التكنولوجيا الطلب على العمالة مع مرور الوقت، وتحديداً في الوظائف ذات المهارات الأدنى». ويقترح غيتس بالتالي: «أن نبقي الحدّ الأدنى من الأجور منخفضاً من أجل إعاقة هذا الاتجاه، وعدم إعطاء الحافز لأصحاب العمل كي يستبدلوا هؤلاء العمّال غير المهرة».
إذا ما دققنا بمصطلح «مهرة» هنا، فيجب أن نعلم بأنّ الطلاب والخريجين «غير المهرة» ليسوا غير جيدين أو غير ملائمين للعمل، ولكنّهم غير ملائمين لـ «الفاعليّة» التي تسعى الشركات إلى تحقيقيها. فالأمر سيكون على هذا النحو، وهو ما بدأنا نرى تطبيقاته العمليّة بكل وضوح: ستركّز المدارس والكليات في الشمال الثري على إشعال المنافسة من أجل تخريج «نخبة» طلابية قادرة على إدارة وسائل الإنتاج المتطوّرة. هذه «النخبة» من الخريجين، بغض النظر عن الظروف القاتمة التي أدّت إلى تشكيلهم، سيكونون هم الوحيدون المخولون بالحصول على أجور عالية نسبياً، أمّا أولئك الذين تسحقهم المنافسة ويتم تصنيفهم بأنّهم «غير مهرة» بناء على متطلبات السوق، سيكون مصيرهم البطالة، ذلك أنّ المدارس والكليات في الجنوب الفقير ستقوم، بسبب هيكلياتها الفقيرة، بتخريج الكثير من هؤلاء العمّال، والذين ستكون الوظائف ذات الأجور الاستغلاليّة المنخفضة، وظروف العمل السيئة من نصيبهم. هذه «اليوتوبيا» النيوليبراليّة التي تدفع نحو عولمة الاستغلال لصالح الأثرياء في العالم، ستحتاج بلا شك لهكذا نظام تعليمي توجهه السوق.
سوق العمل
ربّما ليس بإمكان الإنسان أن يطوّر نفسه إلّا بوساطة التعليم الجيّد، بالمعنى الواسع للكلمة. ولكنّ التعليم في المجتمع الرأسمالي، يهدده على الدوام أولئك الذين يسعون لمنهجة النظام التعليمي، بحيث يلبّي الاحتياجات الضيقة لسوق العمالة. ويبدو هذا واضحاً ووقحاً في الفترة التي بدأت فيها النيوليبراليّة بالانتشار في العالم. وكما قال جيري كوهين: «تحاول النخب أن تزيد من فاعليّة نظامها الاقتصادي عبر تقييد التعليم، بحيث تضمن تزويده لهذا النظام بالعمالة الملائمة والمطلوبة. قال نايجل لاوسون، الذي عمل وزيراً للخزانة البريطانيّة، بين 1983 و1989، بشكل صريح مرّة: «علينا الآن أن نبدأ بتدريب الطلّاب من أجل أن يشغلوا الوظائف بشكل لا يكونون منخرطين فيه بالتكنولوجيا العالية».
إنّ هذا النوع من التعليم، ليس من شأنه أن يحفّز قوى الإبداع لدى الشباب، وأن يوصلهم إلى ذروة الابتكار لديهم. إنّ، نايجل، يدرك بأنّه من الخطر تعليم الشباب كثيراً، لأنّه بذلك سوف ينتج جيلاً مثقفاً بشكل كبير، ولا يلائم سوق الوظائف منخفضة المستوى المتاحة. وقد قال المسؤول عن لجنة التعليم في الكونغرس الأمريكي شيئاً مشابهاً، وأقتبسه هنا: «لقد بدأنا بتخريج أصحاب مطامح لا يمكن أن يتفقوا مع المجتمع، ذلك أنّهم لا يستطيعون إيجاد عمل يتوافق مع إمكاناتهم وتوقعاتهم، ولهذا فنحن لا نفعل أكثر من خلق إحباط له عواقب اجتماعيّة منغصة. ولهذا علينا أن نعقلن الفرص التعليميّة، بحيث يستطيع المجتمع أن يجاري تعليم الناس فيضعه في مكانه الصحيح».
إنّه لأمر مخيف، أن نرى بأنّ هنالك سياسة متعمّدة لتقييد التدفق العلمي، والدفع بالمؤسسات التعليميّة إلى إنتاج قوّة عمل متدنية. إنّهم قلقون ليس من كون الناس لا يستجيبون بشكل إيجابي للتوزيع العادل للفرص التعليميّة على الجميع، عندما تكون متاحة، بل تحديداً كون الناس يستجيبون بشكل جيّد لهذه الفرص. هنالك الكثير من المواهب البشريّة المدفونة لكونها غير قادرة على تطوير نفسها، وذلك لعدم امتلاكهم للحريّة وللوسائل اللازمة لفعل ذلك. لا تسمح الرأسماليّة لنا باستخدام التكنولوجيا التي وصلنا لها، من أجل تحرير أفكار الناس وتزويدهم بالوسائل اللازمة لتطوير أنفسهم، بل تقوم بدلاً من ذلك بحبس الناس في وظائف وأعمال تعيقهم. تعامل الرأسماليّة الناس على أنّهم مجرّد مصادر للربح، وبالتالي فرفاههم وتطورهم يجب أن يكون في هذا السياق فقط.
هل يشبع هذا النموذج؟
وفقاً للأكاديميّة المختصّة بشؤون التدريس، دومينيك ريدفيرن، فقد باتت سياسات السوق النيوليبراليّة هي المنطق السائد في حياتنا منذ عقود. بدأت النيوليبراليّة في الفترة التي تلت انهيار الاتحاد السوفييتي باحتلال الساحة بشكل كلي، وتمّت هيكلة النموذج الاقتصادي كي يوجّه الضربات القاتلة لمجتمعات «الرفاه»، وبات بإمكاننا الآن أن نرى أثره بشكل واضح.
ولفهم هذه الفكرة فسوف نسلّط الضوء على عنصر واحد فيها، وهو: التوسع الدائم الذي لا يشبع. يمكن أن ننظر إلى تجربة الولايات المتحدة الخاصّة بدمج مدارس الفنون من أجل التقشّف في نفقاتها. لقد راقبنا إجراءات الدمج والتقشّف التي تمّت من أجل جعلها فعّالة في السوق لمدّة عشرين عاماً، ويجب أن نسأل: متى ستكون فعّالة بشكلٍ كافٍ؟ ما هو حجم الصفوف المطلوبة لذلك؟ لم نسمع لمدّة عشرين عاماً من الإجراءات «حسناً هذا كافٍ»، أو أنّنا «قاربنا على الانتهاء». بل على العكس، لقد تمّ بعد ذلك كله منع توظيف المزيد من المدرسين والمشرفين، وتمّ رفع الدعم عن الكتب جميعها. لقد خلقت تلك الإجراءات حالة من التشوّه في الأجيال، التي بتنا نشكك في أخلاقياتهم ممّن بلغوا العقد الرابع من عمرهم، فهم الآن يائسون في سعيهم لعيش حياة آمنة مستقرّة متاحة فقط لقلّة قليلة.
علينا أن نسأل أنفسنا: لماذا نحن ملزمون بنظام يشوّه الغرض الرئيس من جامعاتنا وإداراتنا؟ إنّ النيوليبراليّة أو اقتصاد عدم التدخل أو سمّه ما شئت، هو مجرّد فكرة خاطئة سائدة في الوقت الحالي وسوف تمرّ وتنتهي، مثلها في ذلك مثل الفكرة التي كانت تقول: أنّ التدخين يفيد مرضى الربو!
تسليع كلّ شيء
بحسب، باولين دومنيك، فإنّ التسابق نحو تحقيق نتائج اختبارات معياريّة أعلى، رغم نشوئه بادئ الأمر في الولايات المتحدة، هو جزء من التوجّه النيوليبرالي العالمي إلى تسليع كلّ ما هو موجود. وقد فتح التعليم، من خلال جولة جديدة من نزع الملكيّة، الطريق واسعاً أمام تراكم رأس المال، ولا سيما تغلغله في دول الأطراف، مثل: أمريكا اللاتينيّة وأجزاء من روسيا وآسيا وإفريقيا. ويمكننا رؤية مثال على هذا في الاتفاقيّة الدوليّة للتجارة بالخدمات، والتي تُخضع جوانب التعليم جميعها وخدماته للتجارة العالميّة. وينتج عن هذا الاتجاه تسليع التعليم بدءاً من المدرسة الابتدائية، ووصولاً إلى التعليم العالي: الصفوف والمناهج الدراسيّة وامتيازات الجامعات... إلخ. إنّ أسواق التعليم، هي أحدى جوانب الاستراتيجيّة النيوليبراليّة لإدارة الأزمة الهيكليّة للرأسماليّة، وذلك عبر فتح القطّاع العام أمام تراكم رأس المال، فأسواق التعليم العالميّة التي بدأ العمل على فتحها منذ بضعة أعوام بشكل مكثّف هي سوقٌ بقيمة أكثر من 2.5 ترليون دولار.
إنّ المدارس «المستقلّة»، وهي المدارس التي تُدار عبر القطّاع الخاص، وتموّل عبر القطّاع العام، تصلح كمثال على وسائل تسويق التعليم، مهما اختلف اسمها من دولة لأخرى، فرغم أنّ بعض هذه المدارس تديرها منظمات «غير ربحيّة»، فإن السوق تقوم بتوسيع نطاق الامتيازات لمنظمات إدارة المدارس المستقلّة، أو لمنظمات إدارة التعليم الهادفة للربح، والتي تحصل على رسوم مقابل التشغيل. على سبيل المثال: تدير منظمة تدعى «EdisonLearning»، وهي منظمة ربحيّة عابرة للحدود، حوالي نصف مليون طالب في كلّ من الولايات المتحدة وبريطانيا ودبي.
إنّ خطابات وآليات السوق، وممارسات الأعمال الخاصّة بتحسين التعليم، مألوفة جدّاً حول العالم. فالدول تقوم بإعادة هيكلة نظمها التعليميّة من أجل تنمية «رأس المال البشري»، بهدف إعداد طلّاب مؤهلين لنوع جديد من الأعمال وعلاقات العمل. وتقوم منظمات شهيرة ببذل جهود كبيرة لدفع مثل هذه البرامج قدماً، مثل: البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. الاختبارات هي الآليّة الأبرز لتحقيق هذا الهدف، فهي الآليّة التي يتمّ عبرها توجيه المناهج كي تلبي هذا الهدف بكفاءة عالية.
الاختبارات كأداة لهدم التعليم
حسب وين واو، وجيسلين هولار، إنّه لأمر هام أن نلاحظ بأنّ تزايد الاختبارات قد تزامن مع ازدياد المعايير الربحيّة والمواد المرتبطة بها. وهو أيضاً ما ترافق مع الدفع المستمر للتعليم العام اتجاه السوق التنافسيّة، عبر إخضاعه لاختبارات معياريّة عليا. تعتمد تجارة إعادة هيكلة التعليم بشكل كلّي على البيانات التي تنتجها هذه الاختبارات، ذلك أنّها باتت تحدد مصائر الأطفال والمدرسين والإدارات والمدارس والمقاطعات والمؤسسات وتصيّرها مجرّد أرقام. عبر هذه العملية، يتم تسطيح المجتمعات والظروف التاريخيّة، والمسائل المعقدة للسطوة الثقافيّة، وحتّى حياة الناس الروحيّة، وحشرها في نماذج رقميّة تتمّ مراقبتها ومقارنتها وتصنيفها.
لقد باتت الاختبارات المعياريّة أداة يتمّ استخدامها من أجل اتخاذ القرارات الخاصّة وفرضها في التعليم، بدءاً من إيقاف التمويل عن المدارس، ومروراً بتحويل إداراتها إلى القطّاع الخاص، ووصولاً إلى عمليّات تقييم المدارس والمدرسين، حيث أصبحت الاختبارات التعليميّة ونتائجها ضمن الإطار النيوليبرالي، تشكّل مفهومي المعنى والغاية من التعليم كليهما، بحيث تلقي بحجاب على الأشخاص الذين تمثّل هذه الاختبارات مصالحهم. فهل يمكن بعد هذا كله لأولئك أصحاب الجعجعة حول «الفاعليّة» أن يستمروا بتمرير أجندات أسيادهم؟
النظام التعليمي والديمقراطيّة
بحسب، هنري غيروكس، فإن أيّة محاولة لتطوير السياسة الديمقراطيّة، يجب أن تبدأ بتحديد دور التعليم والقيم المدنيّة بوصفها قضايا سياسيّة مركزيّة. التعليم رئيس أيضاً من أجل خلق أفراد قادرين على أن يصبحوا أعضاء مجتمعيين فاعلين راغبين بالكفاح ضدّ الظلم، وبتطوير المؤسسات التي تعدّ جوهريّة في تفعيل الديمقراطيّة الحقيقيّة. إنّ مشروع تحديد معنى ودور التعليم عموماً، والتعليم العالي خصوصاً، هو جزء من الكفاح الأوسع من أجل الحريّة.
يمتدّ التعليم من المدرسة إلى الأجهزة الثقافيّة المتنوّعة، مثل: الإعلام السائد، وثقافات الشاشة البديلة، وثقافة الشاشة الرقميّة. فالتعليم ليس مجرّد تلقين تدريسي، بل هو تمرين أخلاقي وسياسي، ينخرط بنشاط في إنتاج المعرفة والمهارات والقيم، وأيضاً في بناء الشخصيّات ونوع الهويّة، ويشكّل صيغ الفرد ودوره الاجتماعي. تبعاً لذلك فالتعليم يقع في صلب أيّ إدراك للسياسة وللروافع الإيديولوجيّة، التي تشكّل الآليات التي نعتمدها في حياتنا اليوميّة.
تقوم القوى التي تسيطر على السوق عبر الكوكب، باستخدام النظام التعليمي بهدف الاستمرار بإعادة توليد ثقافة الخصخصة والتحرير من القيود الحكوميّة والتسليع، وذلك أثناء قيامها بشنّ الهجوم على المخزون الاجتماعيّ، والحريّات المدنيّة، والتعليم العالي المجاني، والنقابات، والحركات التقدميّة. وتحرص هذه القوى على استخدام سطوتها الإعلاميّة من أجل تقليص إيمان العامّة بما يعرّف بمؤسسات الديمقراطيّة، وتقويض أيّ: فهم للتعليم بأنّه ذو نفع عام، ولصياغة وسائله بهدف تحقيق ذلك.
مهمّة النظام التعليمي الحقيقية، هي: حمل الطلّاب على التفكير بشكل نقدي بشأن مكانهم من المعرفة التي يكتسبونها، وذلك من أجل تحويل وجهة نظرهم في العالم بشكل جوهري، عبر النظر إلى المعرفة السياسيّة بشكل جدّي. إنّه النظام الوحيد القادر على وصل المعرفة والمسؤوليّة الاجتماعيّة والكفاح الجمعي مع بعضهم البعض بشكل متّسق. ويمكن الوصول إلى ذلك عبر كشف المخاطر التعليميّة ومعالجتها في عمليّة كفاح مستمرّة. والاستراتيجيات التي يمكنها تحقيق نتائج لهذا الكفاح، هي عبر خلق المزيد من الفضاءات العامّة العادلة والمتساوية داخل وخارج المؤسسات التعليميّة. وهذه هي النقطة الجوهريّة والأساسيّة التي تفرّق نظاماً تعليمياً سوقيّاً عن نظامٍ تعليميّ اجتماعي.

التعليم العام حلٌ

هل يجب النظر إلى التعليم بوصفه ممارسة أخلاقيّة وسياسيّة، أم هو مجرّد عمليّة تدريبيّة؟ بتبنينا لأحد هذين المفهومين، نكون قد وضعنا على المحك المعنى والغرض الذي يجب على المدرسين أن يضمنوا تحقيق النظام التعليمي له. وباعتمادنا على نظام تعليمي اجتماعي، يصبح الغرض هو: خلق فضاء عامّ للمواطنين القادرين على ممارسة السلطة على حياتهم. يحتاج هذا الأمر نظاماً تعليمياً نقديّاً، مبنيّاً حول تنظيم الكفاح من أجل القيم والعلاقات الاجتماعيّة ضمن السياقات المتنوعة، يكون الهدف النهائي منه هو: إنتاج طلّاب قادرين على التفكير النقدي، ومراعين للآخرين، ويقدمون على المخاطرة، ويمكنهم تخيّل مستقبل عميق وبعيد، ينخرطون فيه بوصفهم مواطنين قادرين على العيش في ديمقراطيّة حقيقيّة. ولكن كيف للمدرسين أن يساهموا في إنتاج هكذا طلّاب، عندما يتمّ قطع التمويل عن مؤسسات التعليم، ويعاقب الطلّاب بكمّ هائل من ديون رسوم التسجيل، ويصبح الاختيار والمنهج والتطبيق موجوداً لخدمة أصحاب المليارات. لن يتمّ هذا دون محاربة نماذج الحكم الرأسمالي_ النيوليبرالي، التي قوضت التعليم العام.