ثورة أفغانستان3 | الثورة
جوناثان نياله جوناثان نياله

ثورة أفغانستان3 | الثورة

أعلن الشيوعيون تحقيقهم الثورة وسموها «ثورة نيسان الكبرى» تيمناً بثورة أكتوبر في روسيا. وأصدروا قانونين لتحويل الانقلاب إلى ثورة. تعلّق القانون الأول بإصلاح الأرض: ستتم مصادرة الأرض من السادة الإقطاعيين ويعاد توزيعها على المزارعين بالأجرة. بقيت العديد من المناطق دون تغيير لعدم امتلاك الحكومة للوسيلة اللازمة لتطبيق القانون، لكن في هيلماند حيث كان التلاميذ يصرخون: «الموت للخانات» في مسيراتهم بدأ الشيوعيون المحليون بتطبيق القانون واستولوا على الأرض وأعادوا توزيعها.

تعريب وإعداد: عروة درويش

ونصّ القانون الثاني على إلغاء ثمن العروس، وهو المبلغ الذي تدفعه أسرة العريس لأهل العروس. وكان المبلغ الذي يُدفع مرتفعاً بحيث يوازي دخل أسرة لفترة تمتدّ ما بين عامين إلى خمسة أعوام. والأهم من ذلك أنّ الجميع كان ينظر إلى ثمن العروس على أنّه إشارة على تبعية المرأة وإذلالها.

لم تكن العلاقات بين الرجال والنساء بذات الطريقة التمييزية التي اعتدنا أن نراها في الإعلام بعد سيطرة الإسلاميين على أفغانستان. ففي قرية مؤلفة من مائتي أسرة سيكون هناك أربع أو خمس عائلات يفرضون العزلة على نسائهم ويجبرونهنّ على ارتداء البرقع الكامل عند الخروج. لكن في معظم العائلات الفقيرة كان على النساء أن يعملن في الحقول إلى جانب الرجال. لكن ورغم أنّ الأمور لم تكن بذات السوء بعد استلام الإسلاميين للسلطة في البلاد، فقد كانت المرأة مضطهدة بشكل واضح قبل الثورة. كان الشيوعيون مصممين على تغيير كلّ هذا. فعملوا على جبهتين: الرسمية كإصدار التشريعات التي تقلل من التمييز والاضطهاد مثل إلغاء ثمن العروس، وغير الرسمية مثل تشـجيع النساء في بعض المناطق على الاختلاط والعمل والرقص في الأماكن العامة.

أثارت الإجراءات المتعلقة بالأرض والزواج تمرداً قاده الملالي المحليون. لم يكن الملالي هم ذات الإسلاميين من حزب الإخوان، فقد كان المنتسبون لحزب الإخوان مدرسين ومهندسين ولاهوتيين. أمّا الملالي فكانوا بغالبيتهم قرويين تعلموا ما يكفي لقراءة بعض الفارسية وتلقنوا بعض القرآن بالعربية. كان النخب يعاملونهم بازدراء، لكنهم كانوا يملكون تاريخاً طويلاً من التمرّد.

فعند محاولات البريطانيين لغزو البلاد مرّة ما بين 1838 و1842 ومرّة أخرى ما بين 1878 و1880، قام البريطانيون بشراء النخب بالذهب الموضوع بشكل حرفي في أكياس، فكان الملالي هم الذين قاموا في كلا المرتين بإعلان الجهاد وحشد الناس في المدن والأرياف ضدّ البريطانيين. ثمّ في عشرينيات القرن العشرين أتت حكومة إصلاحية بقيادة الملك أمان الله الذي حاول «عصرنة» البلاد مثلما فعل أتاتورك في تركيا ورضا شاه في إيران. أصرّ أمان الله على إنهاء عادة فرض العزلة والحجاب على النساء من النخب، وأصرّ بأن يرتدين الأزياء الغربية. ثمّ حاول بعدها أن يفرض الضرائب على ملّاك الأرض وعلى الفلاحين الصغار في جنوب البلاد الشرقي، وهو الأمر الذي أدّى للانتفاضة التي قادها الملالي والتي وصلت بشكلها التدميري إلى كابول. استطاعت العائلة المالكة أن تقمع الثورة بدعمٍ من البريطانيين، لكن كان على أحلام الملك أمان الله بالتغيير الاجتماعي أن تنتهي.

بدأ الملالي بتجييش العامة استناداً لمعارضتهم تحرير المرأة وتعليمها، وبدؤوا بتنظيم تمردهم في الجبال الحدودية حيث كانت سطوة الدولة هي الأضعف، وبدؤوا بعدها بالتوسع ناحية القرى والمدن. كان الشيوعيون يحظون بدعم كامل في المدن، فلو قامت انتخابات نزيهة قبل استلام داوود للسلطة عام 1973 لفازوا بأكثرية مقاعد كابول. كانوا يحظون بالدعم بين تلاميذ المدارس وطلاب الجامعات وموظفي الخدمة العامة وغيرهم من شرائح المدن. لكن هذا لم يكن كافياً في بلاد ذات طابع ريفي غالب. كانت الطريقة الوحيدة التي اعتمدتها السلطات الشيوعية في مواجهة التمرد الريفي هو الحلّ العسكري والاعتقالات، ممّا ساهم بإذكاء نار الغضب في الأرياف وقاد إلى المزيد من التمرد. فقد الشيوعيون خلال العشرين شهراً الأولى لحكمهم السيطرة على معظم البلاد. ففي كانون الأول 1979 كانوا يسيطرون فقط على ثلاثة من أصل أربعة وثلاثين إقليم. استطاع الجيش الإبقاء على سيطرته على المدن الكبرى في ثمانية وعشرين إقليم، بينما كان المتمردون يسيطرون على الأرياف. حتّى أنّ المتمردين تمكنوا من السيطرة على القرى والبلدات في الأقاليم الثلاثة التي تسيطر عليها الحكومة.

انقسم الشيوعيون في ظلّ كلّ هذه الضغوط إلى ثلاثة معسكرات: في المعسكر الأول مجموعة البرشام ويقودها بابراك كرمل وكانوا يريدون التحالف مع جميع القوى الوطنية التقدمية. أي أنّهم أرادوا من حيث التطبيق أن يراعوا العادات التقليدية الإسلامية وأن يغضوا البصر عن مسألة «ثمن العروس». وقد تطابقت بعض نقاط برنامجهم مع توصيات المسؤولين السوفييت الذين اعتبروا فكرة القيام بثورة اجتماعية أمراً طفولياً ومهملاً.

وكان في المعسكر الثاني المتطرفون الذين تمثلهم مجموعة خلق، وقد اعتبروا مثل هذا النهج خيانة للحلم الجماعي بأفغانستان عصرية وبإنهاء التمييز الجنسي والقضاء على الفقر. ثمّ في خلال بضعة أشهر تمكنوا من إنهاء البرشاميين. ذهب البعض منهم إلى المنفى في أوروبا الشرقية أو في الاتحاد السوفييتي، وذهب البقية إلى السجن.

لكن ومع استمرار المتمردين بالتضييق على المدن، انقسمت مجموعة خلق إلى قسمين: مجموعة تاراكي، وهو الزعيم الأكبر، الروائي الذي ينحدر من عشيرة رعاة وبدو رحل، والتي لم ترى خياراً سوى الطلب من القوات السوفييتية الدخول إلى البلاد لقمع التمرد. ومجموعة أمين، الزعيم الأصغر الذي ينحدر من أرياف كابول، والذي تخرّج من جامعة كولومبيا في الولايات المتحدة. وكانوا من القوميين الأفغان الذين يعارضون دخول القوات السوفييتية.

قام أمين بقتل تاراكي، ثم تحوّل إلى الأمريكيين طالباً دعمهم في وجه السوفييت، لكن الأمريكيين كانوا متمهلين ومترددين. تحوّل أمين وجماعته بشكل سريع إلى أقصى درجات القسوة والاعتقالات والتعذيب والإعدامات. خشيت الحكومة السوفييتية من أن يتوصل أمين للتحالف مع الولايات المتحدة، فعبرت الدبابات السوفييتية الحدود في 24 كانون الأول 1979. قُتل أمين وحلّ محله العائد من المنفى من موسكو بابراك كرمل.

استمرّ الوجود السوفييتي بين معارض ومؤيد لثمانية أعوام تالية، شهدت خلالها البلاد حرباً شعواء قضت على حوالي مليون شـخص من أصل عشرين مليون نسمة. وبعد هزيمة السوفييت وانسـحابهم على دباباتهم من البلاد، استولى أمراء الحرب الإسلاميون على السلطة وبدؤوا حروبهم الخاصة. ومات بقدومهم الحلم بالاشتراكية وبتحرير المرأة.

وأمّا صديقي طاهر، البرشامي الانتماء، فآخر خبر عنه كان من سـجن جلال أباد في خريف 1978، وبعدها اختفى.

تنويه: إن الآراء الواردة في قسم «تقارير وآراء»- بما قد تحمله من أفكار ومصطلحات- لا تعبِّر دائماً عن السياسة التحريرية لصحيفة «قاسيون» وموقعها الإلكتروني