ميشيل كيلو، ودعاء الاستسقاء!
حسان ثابت حسان ثابت

ميشيل كيلو، ودعاء الاستسقاء!

مما يحفل به التراث الشعبي الديني، أنه، إذا انحبست السماء، وحلّ الجفاف بأرض، ومات الزرع، وجف الضرع، خرج العباد إلى الخلاء يتضرعون إلى الله، بأن تنعم السماء عليهم بالغيث... أضافت بعض التكايا الدينية إلى هذا الطقس الديني التاريخي من عندها، بضرورة أن يخرج الناس للدعاء، حاسري الرؤوس، وثيابهم مقلوبة، وذقونهم غير حليقة، إشارة إلى سوء الحال، وكثرة الهم والغم، والمزيد من التذلل للخالق عز وجل

 

حال بعض قوى المعارضة الليبرالية السورية، لا يختلف كثيراً هذه الأيام عن حال «دراويش» التكايا الدينية، وبالمناسبة «الدروشة» موروث عثماني، جاءت تمييعاً من «إسلام السلطة» لظاهرة التصوف الإسلامي، المقرونة بالطهرانية، و محاولة التماهي مع الذات الإلهية. 

تضرع ميشيل كيلو اليوم في «العربي الجديد» إلى رب العزة، جلّ جلاله، أن يقي لبنان لهيب الحرب الشرق أوسطية، وذلك في إطار تقييمه  للتوافق اللبناني على ميشيل عون رئيساً، باعتبار أن الأخير هو «خيار حزب الله وسيعزز مواقعه» وفي السياق يعاتب مسيو« كيلو» حلفاءه من جماعة 14 آذار بالقول، «من الصعب اعتبار الرضوخ لإرادة السلاح وخياراته التي ليست لبنانية الأولويات، محاولة تريد استباق عاصفة قادمة على بلاده».

بغض النظر عن تقييم دور حزب الله في الأزمة السورية، الذي يجب أن يكون خروج قواته العسكرية جزءاً من أية تسوية سياسية لاحقة، فإن رفض هذا الدور، والقبول في الوقت نفسه بدور السلاح السعودي والتركي، والقطري، يسقط كل المبررات، ويلغي مفعول أية مرافعة «ثورية» من مرافعات السيد كيلو وغيره عن هذا الموضوع،  لاسيما وأن سلاح الآخرين سبق ظهور سلاح حزب الله في الميدان السوري.

تكمن المشكلة  الأساسية لهؤلاء التابعين من المعارضة، أن المراكز الإقليمية التي يخضعون لها لا تستشيرهم قط في أي تحول بالموقف، لابل تبخل عليهم بالمعلومات عن التوافقات التي يفرضها توازن القوى الدولي، والتي تطبخ في الغرفة المغلقة، بعيداً عن الإعلام، فأمام كل تبدل في ملف من الملفات، يؤكد حقيقة تراجع وزن الولايات المتحدة وحلفها الاقليمي، تقوم قيامة هؤلاء التبّع، ويلعنون حظهم الخايب، ويعلنون مرة أخرى خيبتهم من «أصدقاء الثورة»، دون أن تعلمهم تكرار هذه الظاهرة في أكثر من ملف ولأكثر من مرة، بأن للظاهرة قانونيتها، وبأن تراجع الحلف الأمريكي هي عملية مستمرة، وإن كانت بطيئة ومعقدة، لأنها محكومة بالتوازن الدولي الجديد.

بغض النظر عن الموقف من النظام الطائفي اللبناني، فإن التوافق اللبناني الأخير ضمن الشرط التاريخي القائم، هو إنجاز يسجل للبنانيين، ويشكل دليلاً جديداً على تراجع الحلف الإقليمي الذي تتزعمه السعودية، وهنا بالضبط كما نعتقد، يكمن مأزق الأستاذ ميشيل، بالإضافة إلى أن عملية التوافق في أي ملف إقليمي، يمكن أن ينسحب على الملفات الأخرى، مما ينهي أي دور للفضلات التي اعتاشت على الاستقطابات الدولية، والإقليمية، والداخلية الحادة، ويمكن أن تنهي خدماتهم، سواء كانوا قوى سياسية قديمة أو جديدة، أو كانوا  مثقفين مستقلين!

 

آخر تعديل على الأحد, 30 تشرين1/أكتوير 2016 17:30