المطلوب مصرياً.. أبعد من إنجاز قناة السويس الجديدة
خالد نعمة خالد نعمة

المطلوب مصرياً.. أبعد من إنجاز قناة السويس الجديدة

 

في السادس من شهر آب المقبل، تكون مصر على موعدٍ مع افتتاح قناة السويس الجديدة: المشروع الذي دار حوله، منذ لحظة الإعلان عنه، الكثير من التشكيك في إمكانية إنجازه خلال المهل الزمنية الموضوعة.

قبل عامٍ من الآن، في 5/8/2014 تحديداً، وضع الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، المهلة الزمنية لتنفيذ المشروع بعامٍ واحد. وهو ما أثار موجة عارمة من التساؤلات والتشكيك، لا سيما أن المشروع يحتاج إلى 60 مليار جنيه مصري للحفر وإنشاء البنية التحتية.

خالد نعمة

فيما بدا أنه محاولة للهروب من قيود المؤسسات الدولية، كصندوق النقد والبنك الدوليين، وما يوازيها من تبعاتٍ ناتجة عن مشاركة الشركات الأجنبية في المشروع، ذهبت الحكومة المصرية إلى طرح شهادات استثمار على المواطنين المصريين والشركات المصرية، مما ساعد على إنجاز المشروع بنسبة تمويل بلغت 10% للشركات المصرية، و90% للمواطنين المصريين ورؤوس الأموال المشاركة بصيغة فردية، دون الحاجة إلى تمويلٍ خارجي في المرحلة الأساسية من المشروع، المتمثلة بالحفر والأعمال الإنشائية الأساسية.

إنجاز «الهيئة العسكرية»: 259%

يكتسب مشروع القناة أهمية اقتصادية متعلقة بالتنمية في مصر, ولعل إحدى أهم ميزاته، بالمعنى الاقتصادي, أن العمل يجري على أساس فتح إمكانيات متواصلة بالاستناد على المشروع الرئيسي المنجز حتى الآن. أي إطلاق المشاريع الأصغر على حوامل ضخمة كالقناة ذات الأهمية الدولية, فالمشروع سيتضمن تطوير ستة موانئ، ومنطقتين صناعيتين, بحيث يستفاد من الموانئ عبر الربط فيما بينها ككيان اقتصادي واحد, وكذلك ربط الموانئ بشبكة طرقات تربطها بالمناطق الصناعية، وبمصادر إنتاج المواد الخام في سيناء.

وسوف تنعكس نتائج المشروع في تغيرات من شأنها أن تطال الخارطة السكانية لمصر، حيث من المقرر، وفقاً لمخطط المشروع، بناء مجمعات عمرانية جديدة في سيناء، وعلى جانبي القناة في المحافظات المجاورة، وهو ما يعني إدخال سيناء- المنطقة التي يجري تهديد الأمن القومي المصري عبرها من خلال الاستفادة من حالة الفراغ السكاني فيها- في صلب المشروع.

أرقام حول القناة

يبلغ طول القناة الموازية لقناة السويس الرئيسية 72 كم، حاصرةً فيما بينهما جزيرة سوف تكون أساساً لمشاريع استثمارات لاحقاً، وهو من شأنه أن يوفر عدداً كبيراً من فرص العمل الجديدة للشباب المصري، حسب بيانات «الهيئة الهندسية العسكرية» في الجيش المصري، والتي كان لها اليد الأولى في إطلاق المشروع وإدارته وتأمين قوة العمل اللازمة لإنجازه.

وبحسب الهيئة ذاتها، فإن ارتفاعاً متوقعاً في نسبة إيرادات قناة السويس الرئيسية سيبلغ 259% بحلول عام 2023، ليصل إلى 13 مليار دولار، مقارنة بالإيرادات الحالية البالغة نحو 5 مليار دولار، كما ستؤمن القناة ما يقارب مليون فرصة عمل جديدة، من شأنها أن تخفف قليلاً من وطأة أزمة البطالة، وبالتالي الأزمة الاجتماعية في مصر. 

خطوة نحو استعادة الدور الإقليمي

بالنظر إلى حجم مشروع قناة السويس الجديدة, يظهر جلياً حجم القدرات الكامنة لدى الشعب المصري ومؤسساته, فيما لو توفرت الإرادة السياسية المستقلة لإظهارها واستثمارها بما يخدم المصريين. 

هنا، يراهن كل من يريد لمصر استعادة دورها الإقليمي الجدي والحقيقي على ضرورة تلاؤم الإرادة السياسية المصرية مع متطلبات المرحلة التاريخية التي تمر فيها مصر, والتي وصلت حد المنعطف بين موجتي الحراك الثوري الأول والثاني. وعدا ذلك التلائم، كان من الممكن الحديث عن احتمالات تودي بمصر كدولة بحد ذاتها, نتيجة لأزمتها الاقتصادية والتدخلات الخارجية المستمرة حتى اليوم بهدف إشعال مصر من الداخل. وليست العمليات الإرهابية في سيناء مؤخراً، إلا واحدة من سبل الضغط من الغرب والكيان الصهيوني على خيارات الدولة المصرية التي تعطي إشارات متناوبة عن حدوث تبدلات هامة.

من جهة أخرى، فإن استراتيجيات العمل المصري الجديدة في تعاطيها مع الملفات الداخلية لم توصل المصريين إلى بر الأمان بعد, نتيجة التراكم الهائل لسياسات التبعية وإهمال القضايا الاقتصادية-الاجتماعية، منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد حتى اليوم. وعليه، فإن استمرار هاجس العمل التنموي في الداخل المصري الذي يرفع من وزن مصر الإقليمي والدولي مع كل إنجاز جديد داخلياً, بالتوازي مع التأثير على ملفات المنطقة بهدف حلها سلمياً انطلاقاً من ضرورات الأمن القومي المصري، المرتبط بأمن الإقليم ككل, يجب أن يتوازى جدياً مع إيلاء القضيتين الاقتصادية الاجتماعية والوطنية الاهتمام الأول، بما يعني ذلك من إلغاء اتفاقية «كامب ديفيد» المشؤومة, وخوض المعركة ضد قوى الفساد داخل جهاز الدولة، وهو الطريق الوحيد الذي يؤمن للمصريين كرامتهم ولقمة عيشهم، بعيداً عن الابتزاز الغربي وقيود المساعدات ذات الشروط المجحفة.

نتيجة التوازن الدولي الآخذ بالتبلور أكثر فأكثر, تحصل مصر موضوعياً، وإن أحسنت قيادتها قراءة الواقع الجديد، على مجال استقلالية عال، بعيداً عن قيود مرحلة القطب الأوحد سابقاً, ما يسمح لها، بما تملكه من طاقات بشرية ومادية، بمراجعة سياساتها كلياً لتناسب المرحلة الجديدة, تطلعاً منها إلى تثبيت وزنها على مستوى المنطقة والإقليم، بما يحدد في طياته الاتجاهات اللاحقة للمشاريع المصرية، بما فيها قناة السويس الثانية.