تقديرات «إسرائيلية» للعام 2015
عوني صادق عوني صادق

تقديرات «إسرائيلية» للعام 2015

في نهاية كل عام، يضع «جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلي»، بين يدي قيادة الجيش تقديراته للمخاطر والتهديدات الأمنية التي تواجه «إسرائيل»، لاتخاذ القرارات ورسم السياسات الكفيلة بمواجهة تلك المخاطر والتهديدات حفاظاً على «أمن إسرائيل وأمن مواطنيها».

هذا ما تقوله الجهات الرسمية "الإسرائيلية"، وهو ما قد يفترض أنه واجب كل من يشغل مواقع المسؤولية في أية دولة . لكن الوضع مختلف إلى حد كبير عندما يكون الحديث عن "دولة إسرائيل"! فلأن هذه "الدولة" لا تزيد على كونها "كيان عدواني ومعاد لكل دول المنطقة تقريباً"، فإن ما تطلق عليه "مخاطر وتهديدات"، هو اسم آخر على الأرجح لما تخطط وتحضر له من اعتداءات أو عدوانات على الأطراف أو الجهات التي تزعم أن المخاطر والتهديدات المزعومة تأتي منها . هذا أولاً، وهي ثانياً، بما تسميه "تقديرات" تضع في أيدي صناع القرار ما يشبه "حيثيات" و"مبررات" خارطة العدوان التي تحضر لها، لذلك، من الأفضل لمن ينظر إلى تلك "التقديرات الاستخبارية"، أن يراها بوصفها "مخاطر وتهديدات إسرائيلية" تواجه كل من يرد اسمه فيها . ومن المنطلق السابق، نحاول أن نقرأ بعض ما جاء في "وثيقة الاستخبارات "الإسرائيلية"، من خلال بعض ما نشرته الصحف "الإسرائيلية" حولها، وفيما يخص نظرتها إلى الوضع الفلسطيني واحتمالاته في السنة الجديدة .

في صحيفة (يديعوت أحرونوت 26-12-2014)، كتب المراسل العسكري للصحيفة، أليكس فيكشمان، يقول: إن جهاز الاستخبارات العسكرية، يزعم أنه "من غير الممكن"، في الظروف العربية والإقليمية الراهنة، وضع تقدير سنوي كامل . لكن "الوثيقة"، كما فهم فيكشمان، ترى أنه "في الشرق الأوسط لا يوجد راع دولي، طرف يقوم بترتيب التوازنات ويخلق التعاون الدولي ويجعل في الإمكان توفير الهدوء في المنطقة"، والوثيقة تشير بذلك إلى ضعف وتراجع نفوذ ودور الولايات المتحدة الأمريكية وتحالفاتها في المنطقة، مشيرة إلى الاضطرابات والجبهات المفتوحة والحروب في سوريا والعراق، وعدم الوضوح في الموقف من إيران ولبنان وحزب الله . لكن "النقطة المضيئة" التي تراها وثيقة الاستخبارات العسكرية "الإسرائيلية" في "ظلام المنطقة" فهي، كما يقول فيكشمان، "انهيار الدول العربية القومية"! وهي ترى ليبيا مقسمة إلى ثلاث دول، والسودان منذ يوليو/ تموز 2014 انقسم إلى دولتين . أما سوريا والعراق واليمن فهي دول مفككة . بمعنى آخر، الاستخبارات العسكرية "الإسرائيلية" ترى الأجواء مثالية للهجوم، إذ لم يعد بين الدول العربية الرئيسية ما يخيفها أو يقلقها . اللافت أن الوثيقة "الإسرائيلية" لم تأت على ذكر مصر، العنصر الوحيد الذي يقلقها هو وجود "داعش" في المنطقة وخوفها أن يستقر الوضع لها فتوجه نشاطها إلى "إسرائيل" .
في الوضع الفلسطيني، ترى "الوثيقة" أنهم "في إسرائيل، يتابعون تحركات أبو مازن، ومشروعه في الأمم المتحدة لإنهاء الاحتلال" . وترى أنه إذا أقر هذا المشروع في مجلس الأمن، فإنه "سيؤدي إلى تدهور أمني"، ربما كان هذا تحذيراً للولايات المتحدة لمنع إقرار المشروع . لكنه وبما أن مجلس الأمن قد رفض المشروع، فهل يصبح ذلك التدهور الأمني مستبعداً؟ لا يبدو ذلك، لأن واضعي "الوثيقة" يتابعون تقديرهم ويقولون: "التدهور الأمني بين "إسرائيل" والسلطة الفلسطينية، وبين "إسرائيل" وحركة (حماس) في غزة، هو خيار واقعي في العام 2015"، تلك هي بشارة الاستخبارات العسكرية "الإسرائيلية" للفلسطينيين في الضفة وغزة في العام الجديد . وذلك حقيقي في كل الأحوال، فالمزايدات الانتخابية التي ستستمر للربيع تحمل معها تصعيداً في كل السياسات الاستيطانية والعنصرية والعقابية، وكلها تؤهل الوضع للانفجار سواء في الضفة الغربية أو في قطاع غزة .
هذا وكان المراسل العسكري لصحيفة (معاريف)، عمير ربابورت، قد سبق زميله في التوقف عند تقديرات مصادره، قبل صدور "وثيقة" الاستخبارات، وقال: "عمليات إطلاق النار في الضفة والقدس الشرقية ستتواصل"، لكنه استبعد "اندلاع انتفاضة ثالثة، طالما أن المسعى الأساسي للسلطة الفلسطينية هو في ساحة السياسة الدولية، وطالما أن خلايا (حماس) في الضفة هو عدو مشترك للسلطة والجيش "الإسرائيلي" والشاباك" .
وبالنسبة إلى قطاع غزة، ترى مصادر ربابورت، أن (حماس) دفعت ثمناً باهظاً في حرب (الجرف الصامد)، وأنها لن تفكر في الخروج إلى حرب جديدة قبل أن ترمم أوضاعها . لكنه استدرك قائلاً: "ليس بالضرورة أن يكون تفكير (حماس) عقلانياً، فقد أثبتت ذلك في عملية الجرف الصامد"، وقدر انزلاقها إلى "مواجهة واسعة بين منخفض ومتوسط"، هذا الهراء يفترض أن الجيش "الإسرائيلي" لن يبادر إلى عملية عسكرية في غزة، وأنه لو حدث ذلك فالمسؤولية ملقاة سلفاً على حركة (حماس)، ما يترك الباب مفتوحاً أمام قيادة الجيش للإقدام على ما تراه مناسباً، مع التأكيد على براءتها من المسؤولية .
كذلك نظر ربابورت إلى مسألة "خطف الجنود "الإسرائيليين"، ورآها في مستوى "متوسط"، لأن الفلسطينيين يرون في عمليات الأسر (الخطف) وسيلة ناجعة لتحرير مزيد من الأسرى الفلسطينيين في السجون "الإسرائيلية" . وبطبيعة الحال، كم من عملية (خطف) أدت إلى انزلاق إلى "مواجهة واسعة"، مرة أخرى تلقى المسؤولية على الطرف الفلسطيني، من دون ذكر للأسباب التي تتعلق بأوضاع الأسرى التي يمكن أن تدفع على هكذا عمليات .
وثيقة الاستخبارات "الإسرائيلية"، تحاول أن تغطي على السياسات "الإسرائيلية"، وفي الوقت نفسه ترفع المسؤولية عن أي تدهور للأوضاع، وتؤكد ضمناً أن تلك السياسات لن تتغير بل ستتصاعد في ظل الحملات الانتخابية المحتدمة والمسعورة .

 

المصدر: الخليج