حال الطبقة العاملة من حال فقراء الشعب السوري
في الفترة السابقة لزيادة الأجور، تصاعد الجدل حول قضية هامة لها أبعادها الاجتماعية والسياسية، وهي هل ستزيد الحكومة الرواتب والأجور للعمال بنسب تردم الهوة بين الأسعار والأجور ولو نسبياً؟
في الفترة السابقة لزيادة الأجور، تصاعد الجدل حول قضية هامة لها أبعادها الاجتماعية والسياسية، وهي هل ستزيد الحكومة الرواتب والأجور للعمال بنسب تردم الهوة بين الأسعار والأجور ولو نسبياً؟
السؤال الذي يطرح دائماً من هو المسؤول عن ظاهرة ارتفاع الأسعار التي تشهدها البلاد بشكل يومي؟ هل هم القائمون على الاستيراد؟ أم اصحاب الاستثمارات الكبرى؟ أم كما قال أحد أعضاء غرفة التجارة لإحدى المحطات الإذاعية، الأسعار بيد الله كما هي الأعمار؟ أم بيد الحكومة؟ أم النقابات؟
نعرض لبعض المواد التي جاءت في قانون العمل السابق رقم 91 لعام 1959 والذي تنص بعض مواده على تحريم حق الإضراب على العمال في حال المنازعات على حقوقهم مع أرباب العمل، وقانون العمل رقم 17 لا يبتعد في نصوصه عن القانون السابق من حيث حقوق العمال في الإضراب كحل نهائي في حصول العمال على حقوقهم، والذي تمت صياغته استناداً إلى قوانين العمل المصري والعراقي واللبناني.. إلخ، من القوانين ومنها قانون العمل الفرنسي، وقد أفاد المشرع من هذه القوانين كما جاء في الأسباب الموجبة لصدور القانون رقم 17.
قانون العمل رقم 17 لعام 2010 أكثر القوانين المثيرة للنقاش والجدل منذ أن كان مشروعاً، حتى بعد إصداره ليأخذ شكله النهائي في التطبيق، حيث أظهرت نتائج العمل به كم هو قانون معادٍ لمصلحة وحقوق العمال في القطاع الخاص، وهذا ليس رأينا فقط، بل رأي الكثيرين، ومنهم قانونيون يشغلون مواقع في السلطة التنفيذية، فقد قالوا كلمتهم باعتباره قانوناً فيه مخالفة دستورية وانحياز واضح لمن سعى بإصداره تجاه تأمين سيطرة أرباب العمل المطلقة من حيث التشغيل والتسريح مستفيدين من قضيتين أساسيتين:
إن الأزمة التي يمر بها النظام الاقتصادي والاجتماعي العالمي تتعمق ويتم تحميل تداعياتها على العمال وبشكل عام الشرائح الشعبية.
يعتمد القطاع الخاص في معظمه على تشغيل الأطفال دون سن الثامن عشرة، وعلى العنصر النسائي خاصة في المشاغل الصغيرة المنتشرة بكثرة في الأرياف وأطراف المدن الرئيسية. واعتمادهم على هذا النوع من العمالة له أسبابه من وجه نظر أرباب العمل التي مقياسها الأساسي تحقيق أعلى نسبة من الأرباح بأقل كلفة، وحتى يتحقق ذلك لا بد من أن تكون الأجور المدفوعة للعمال أقل من الحد الأدنى للأجور، ولا يلتزِم أرباب العمل بتسجيل العمال بالتأمينات الاجتماعية، أي إن هؤلاء العمال غير خاضعين لقوانين العمل المعمول بها، والتي تُلزم أرباب العمل بتأمين حقوق العمال، ولكن ذلك لا يحدث.
يظهر التقرير بما يحتويه من أرقام صادمة تعكس حجم وعظم مأساة الطبقة العاملة التي تعيشها بمستوى أجورها المنخفضة، التي لم تعد تسد الرمق، والتي بالضرورة تنعكس على مستوى معيشتها، وعلى قدرتها في تجديد قوة عملها، مما يضطرها لزيادة ساعات العمل المتوجب عليها أن تعملها حتى تتمكن من البقاء على قيد الحياة، حتى لو كان هذا الأمر، أي زيادة ساعات العمل على حساب صحتها التي تعصف بها الأمراض.. أمراض العمل المزمنة.
في بعض معامل القطاع الخاص، حيث يكون العمال بالمئات، ويعملون ثلاث ورديات، وإنتاج المعمل رائج ومسوق بالرغم من الوضع المزري للصناعة عموماً، في قطاع الدولة أو في القطاع الخاص، لأسباب كثيرة، مما يعكس هذا الحال نفسه على أوضاع العمال في أجورهم، وبالتالي، مستوى معيشتهم فيصبح عدم الرضا هو السائد عند العمال على ما هم به من سوء في أحوالهم، وعدم الرضا الذي يكون همساً في البداية، ويصبح علناً لاحقاً، ولكي لا يتحول إلى فعل ظاهر كإعلان احتجاج في المكان، أو توقف عن العمل، أو إضراب لوقت محدد، هذا الوضع يستشعر به رب العمل عبر قرون استشعاره المنتشرة على خطوط الإنتاج، ويحاول امتصاصه بأشكال مختلفة.
ترتفع بين الفينة والأخرى وتيرة الوعود التي يطلقها أصحاب الشأن بما يخص العمال وشؤونهم، بتحسين الوضع المعيشي لعموم الفقراء، ومنهم العمال، عبر أشكال من الاقتراحات، منها: خفض الأسعار وتعديل التعويضات المختلفة للعمال ومتممات الأجور، وتعديل قانون الحوافز الإنتاجية، ولكن جميعها تبقى بإطار القول لا الفعل، لأن القاعدة الأساسية التي يمكن أن تغير واقع العمال من حال إلى حال هي في حالة شلل أو تعطل المعامل، سواء في القطاع العام أو الخاص فكلاهما تتدهور أوضاعهما.
أكثر القضايا عرضة للمخالفات الدستورية، والتي كانت آثارها موجعة هي القضايا المتعلقة بمصالح وحقوق الفقراء، ومنهم العمال الذين كان وقع الأزمة عليهم شديداً، ومع هذا فلا أثر «للناطقين» المفترضين باسمهم تحت قبة البرلمان حيث «يضم بين جنباته حسب قانون الانتخابات 50% عمالاً وفلاحين» ولا أثر لمصالح وحقوق العمال والفلاحين في هذه المواقع أو في غيرها من المواقع الأخرى مع وجود الأغلبية شكلاً والمفترض أنها تمثل العمال والفلاحين حيث يغضون الطرف عنها، وخاصة على مستوى معيشتهم الذي وصل إلى مستويات لا يُسَرُّ منها العدو ولا الصديق، وهي استحقاق دستوري بامتياز كما يقال حمّل الدستور الحكومات مهمة تطبيقه وتنفيذه.